الحالات التي تنتاب الإنسان كثيرة ومنها الخوف، الذي يعتبر دليل على قوة إدراكه وردة فعل طبيعية لمحاولة البحث عن الأمان في حياتهِ أو تجنب خطر مُحدق. والواقع يحمل الكثير من المحفزات لتولد شعور الخوف عند الإنسان وبدرجات متفاوتة تختلف شدتها باختلاف الحدث القائم أو على وشك القيام أو المتخيل. وبرأي خبراء الصحة النفسية، الخوف ما هو ألا صمام آمان يقوم بتحذير الإنسان من وجود خطر واجب تجنبه.
الحياة البشرية كما نعهدها تسلسل متواصل من المخاطر والأحداث والتجارب كما هي سلسلة من المسرات والأمل والدفء يعيشها الإنسان ويُعيشها للغير، مولدة بينهما مخاوف في الحالتين، تصارع سكون اللحظات وبقائها في زوايا النفس. كما نجد الحياة سيرك متحرك وهي بمجملها تحدي وصراع متعدد الأوجه، يتزاحم في حضرتها الإنسان من أجل أن يكون هو! وعمومًا مع تطور الشعوب وتزامنها مع كل التطورات الحديثة المتلاحقة تزايدت مشكلات الخوف وأصبحت مصطبغة بتوتر وقلق وشعور بعدم الأمان والاستقرار.
الخوف من الشيخوخة: The Fear from aging
مخاوف الحياة التي تثيرها في الإنسان كثيرة، منها الخوف من: الفشل، المجهول، العمل، المرض، الوحدة، المسؤولية، المبادرة، المغامرة، القوة، الآلام، المصاعب، المستقبل، الشيخوخة، الموت …. الخ. وأحيانا كثيرة قد يكون الخوف من الخوف نفسه! وسنتحدث عن الشيخوخة كأحد الأمثلة على حالة الخوف، التي هي في صورتها تعتبر التجربة الأليمة التي يشعر فيها الإنسان بالعجز وهجوم المرض عليه والعيش بوحدانية وصمت وانحلال حياتهِ وقربها من الموت.
الشيخوخة أن صح وصفها هي خريف الحياة أجمل فصل من فصولها، سرعان ما تدبّ في الحياة لتسقط أوراق العمر فيها ورقة بعد أخرى بعد أن أدت رسالتها فاسحة الطريق لأوراق أخرى لتنمو.
والخوف في جوهره ما هو ألا إحساس الفرد بأنهُ لم يعد باستطاعته أن يحيا الحياة مثلما كان في شبابهِ، يعتبرها مرحلة النهاية والعجز، جاعلاً هذه الفكرة تتغلغل في أفكاره وتنعكس على تصرفاتهِ، شاعرًا بشعور أليم وبأنه لم يعد له مكان في صميم الحياة التي طالما أجتهد فيها، بغض النظر عن الأمراض المرافقة للمرحلة والتي يكون لها دورها ومفعولها في الحياة. والشيخوخة كما يقول عنها (أندريه موروا Andre Maurois ): هي الشعور بأنهُ قد فات الأوان وأن اللعبة قد أنتهت وأن المسرح من الآن فصاعدا قد أصبح ملكا لجيل آخر”.
نعم، الحياة لا تتوقف وفي استمرار وهذا حالها يذهب جيل ويأتي جيل آخر، تذهب حياة أنتجت بكل قدراتها وتأتي حياة أخرى لتستفيد من تلك الخبرات وتنتج لها ولمن بعدها بصورة أفضل. ولكن يجب عدم التفكير السلبي قبل بلوغ اللحظة، عدم عيش المرحلة بالأفكار قبل تلمسها، عدم جعل شبح الخوف بابًا للكثير من الأمراض النفسية والعضوية، لما السقوط قبل بلوغ المرتفع؟! الحياة بجميع مراحلها هي حياة منتجة ومثمرة، هي في حركة واستمرار، ولكن هذا الخوف هو من يجعل الحياة تبدو في نظرهم جامدة، راكدة، خاملة! ذلك التفكير هو من يعجل بالأمور ويجعلها واقعية مع الزمن. الإنسان هو من يستدعيها في واقعه .
بإمكان كل إنسان طرد خوف الشيخوخة من ذهنهِ، كون هذا الخوف هو من يستعجل بشيخوختهم ويجعلهم يصلون إلى حياة طريقها يأس وخمول وركود، مع أن الواقع غير ذلك فالإنسان في خريف عمره يكون أكثر إنتاجًا وأكثر حكمة ورزانة، بدليل هنالك رجال ممتازون قدموا أعمالاً فيها الخبرة الطويلة والحكمة ومزايا تتجلى في مرحلتهم العمرية والشواهد كثيرة أمثال: فكتور هيجو Victor Hugo، الذي كتب أجمل قصائده في مرحلة متأخرة من حياته، كذلك الروائي الفرنسي بول كلودل Paul Claudel كتب الكثير من رواياتهِ بعد سن السبعين، الموسيقار الألماني (فاجنر Wagner) فرغ من (بارسيفال Parsifal ) في التاسعة والستين من عمره…. وغيرهم. هذه أكبر الأدلة على أن من يفكر بالشيخوخة قبل أوانها ويخاف منها أنما يكون فاقد لمبررات وجودهِ.
فالخوف كل أشكاله لا يجوز أن نعطيه مساحة وحرية للتغلغل في النفس، وعلى الإنسان أن لا ينظر إلى مرحلة الشيخوخة بأنها قرب النهاية، ويعطيها مبررات الخوف منها