في بيت متواضع في محلة الحيدر خانة ولد ناظم احمد خضر غزال الشهير بـ ( ناظم الغزالي ) في العام 1921 . ولم يشهد الأب ولادة ابنه الوحيد فقد فارق الحياة قبل ولادته ببضعة أشهر . كما أن أمه جهادية عبد الله لم تر وجهه أيضا ولن .. لأنها كانت عمياء ..! لكنها كانت فرحة جدا يوم ولدته لأن – كما اخبروها – كان سليما ووسيما . فحمدت الله لأنه رزقها بطفل يطرد عنها وحشة الحياة ويملأ الفراغ الذي تركه غياب زوجها المبكر والمفاجئ .

وكانت لا تكف لحظة عن مداعبته وتسعد كثيرا بإرضاعه والاعتناء به , وحين بدأ ابنها يحبو وينتقل كانت توصي شقيقتها “مسعودة” برعايته والسهر عليه , فلم يفتقد الطفل في مراحل نشأته الأولى الحنان ولم يستشعر بالقلق أو الحزن رغم الفقر الذي تعيشه عائلته , ورغم صعوبة الحياة في تلك الفترة . ومما زاد في مرح الصبي ناظم وتفاعله الاجتماعي واقباله على الحياة , تلك الرعاية المضافة التي شهدها في بيت الحاج حمودي حسين وزوجته الحاجة صديقة , وهو البيت الذي آواه مع أمه وشقيقتها بعد أن ضاقت السبل , وكان يقع في محلة (الكرنتينة) قرب باب المعظم , وفي هذا البيت نشأ ناظم وتربى مع أولاد هذا الحاج الطيب . وفيه أستطاع أن يتلقى تعليمه دون أي منغصات تذكر , فدخل المدرسة المأمونية الابتدائية في العام 1930 وأنهاها بتفوق لفتت أليه انتباه معلميه . وفي هذه المرحلة المبكرة من حياته عرف بصوته الجميل , وولعه بحفظ وترديد أغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب وبعض مقامات حسن خيوكه ومحمد القبانجي . وعندما لمس فيه “رجال الله الزغبي” معلم النشيد في المدرسة المأمونية هذه القدرة , أشركه في المخيم الكشفي الذي أقيم في العام 1936 في ملعب الكشافة نفسه. 
وتعد هذه الممارسة أولى الخطوات على طريق احتكاك هذا الفنان بالجمهور . وفي العام 1937 دخل الغزالي المدرسة الغربية المتوسطة ونال شهاداتها بتفوق كبير نظرا لما يتمتع به من حافظة قوية وذكاء غير محدود ورغم شظف العيش الذي كان يحياه والشعور بمرارة اليتم الذي اخذ يلازمه بعد وفاة والدته وخالته . لكن الفتى الغزالي كان قد قرر الصمود ولم تمنعه الظروف الصعبة التي تحيق به عن مواصلة دراسته وتحقيق طموحاته الفنية , فدخل بعد أن أنهى الدراسة المتوسطة معهد الفنون الجميلة – قسم التمثيل في العام 1940, وكان معه في دفعته – الدفعة الثانية التي تتخرج من المعهد – الطرب رضا علي والفنانون فخري الزبيدي وخليل شوقي وناجي الراوي وحامد الاطرقجي ومحمود قطان , ولكنه ما لبث أن ترك المعهد بعد أن مكث فيه سنتين , ليعمل مستخدما في أمانة بغداد ( أمانة العاصمة ) . وكانت أمانة العاصمة في تلك الفترة تظم بين من يعملون فيها مجموعة من الفنانين منهم فخري الزبيدي وسالم حسين وجاسم العبودي وعبد الجبار توفيق , وكان الغزالي كثير التردد عليهم فتوثقت صلته بهم , سيما بفخري الزبيدي وسالم حسين الموسيقي المعروف .

ولما شعر ناظم الغزالي أن الوظيفة تحول دون تحقيق طموحاته , قرر العودة إلى معهد الفنون ثانية . وكان ذلك في العام 1947 . ومنذ العام 1954 تألق ناظم الغزالي وتميز بالعطاء الثر والموهبة الأصلية . وطارت شهرته لتعم آفاق رحبة من الوطن العربي , ولمع نجمه , ولم يتح لمطرب عراقي قبله , وربما بعده أيضا أن حقق مثل هذه ( النجومية ) من قبل . 
ولم تأت هذه الشهرة , ولا هذا البريق اعتباطا , بل كان نابعا عن قدرة تختزنها حنجرة هذا المطرب الكفوء والمثقف والطموح , وهي حنجرة ذات طبقات صوتية صداحة مكنته من أداء الموال وأجاده ارتجاله أجادة تامة . ويصف خبراء علم الأصوات الغنائية صوته عادة بأنه يمتد على مساحة أربعة عشر مقاما والمسافة بين درجات صوته مضبوطة ولكن (قراره) في نظر بعضهم كان ضعيفا لذلك اختار المقامات والألحان ذات الطبقة الصوتية الصادحة ليؤديها بمتانة و (تكسيرات) غاية في البراعة. وكان أول من اكتشف هذه النبرات المصقولة في صوت ناظم الغزالي, وهو الموسيقار الراحل جميل بشير (شقيق منير بشير) الذي وزع له في العام 1955 عددا غير قليل من أغنياته. ولكي يتلاءم ويتواءم مع روح العصر , عمد الغزالي إلى تبسيط فن المقام , لا عن عجز في أدائه ولكن عن رؤية جديدة له تجعله قريبا من ذوق العصر وثانيا التزامه بتقديم الأغنية الشعبية المطورة التي أعاد صياغتها اللحنية , الفنانون جميل بشير وناظم نعيم وروحي الخماش ووديع الخوندي , وثالثا تطلعه إلى الأغنية الحديثة ونطق الكلمة نطقا عربيا فصيحا , فنقل هذه الأغنية إلى موقعها الجغرافي المحدود إلى آفاق عربية واسعة . فوجد من المستمع العربي تجاوبا واضحا سيما , وأنه كان موفقا جدا في اختياره النماذج الأكثر أبهارا وانسجاما مع أذواق المتلقين . وكان لإدخال الملحنين ألات الأوركسترا في أعمالهم وجعلها بمستوى التطور التكنيكي الآلي للفرقة , بما يتلاءم وطبيعة هذا الانجاز , دور كبير في نجاح أغانيه بعد أن كانت الأغاني العراقية قلة تؤدي بمصاحبة ( الجالغي البغدادي ) والتخت الشرقي القديم . 
أزاء النجاح الكبير الذي حققه ناظم الغزالي أنهالت عليه العروض المغرية والطلبات , وتهافتت شركات الأسطوانات على تسجيل أغانيه . وكان ان سافر في العام 1963 إلى بيروت وقدم ( 35) حفلا على مسارحها وصور العديد من أغانيه الجديدة للتلفزيون اللبناني . كما ظهر في فلم ( يا سلام عالحب ) أخراج محمد سلمان كضيف شرف وقدم أحدى أغنياته الشهيرة. 
ويروى أن الغزالي عندما غنى على مسارح بيروت , أضطر العديد من المطربين إلى التوقف عن الغناء لخلو المسارح اللبنانية من الرواد الذين احتشدوا في مسرح طانيوس عاليه ليستمعوا إلى مطرب العراق الأول ناظم الغزالي, ومن بين هؤلاء المطربين سميرة توفيق وفهد بلان. 
واستمر ناظم الغزالي في تقديم حفلاته اليومية في لبنان لمدة شهر كامل وصل خلاله سعر تذكرة الحفلة الواحدة 750 ليرة لبنانية (عندما كانت الليرة في أوج قوتها) وهو مبلغ لم يحظ به فنانون آخرون في تلك الفترة. 
في شباط من العام 1963سافر الغزالي إلى الكويت فأحيا فيها حفلات عديدة بمناسبة عيد الاستقلال , قوبل خلالها بالإعجاب والاستحسان , وسجلت له الإذاعة الكويتية والتلفزيون الكويتي خلال الفترة التي قضاها في ربوع الكويت , قرابة ( 48) أغنية ومقاما . وقد حفظت هذه التسجيلات الوثائقية النادرة جانبا كبيرا من تراث الغزالي من الضياع. 
أخر رحلات الغزالي كانت رحلته إلى عدد من الدول الأوربية في أيلول من العام 1963 دامت قرابة شهرين, قدم خلالها حفلات عديدة في باريس ولندن, عاد بعدها إلى بغداد فجر الأحد 20 10 1963 في غاية السعادة والعافية – وليس كما قيل مريضا متعبا – لأنه أستطاع أن يؤكد ذاته من خلال شخصيته وموهبته وحضوره , وكانت أبرز أثمان نجاحه قبول الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي التقاه في باريس , توقيع عقد معه لتلحين اغان جديدة له في صباح اليوم التالي لعودته ( الاثنين 21101963) كان ناظم الغزالي يحلق ذقنه استعدادا للذهاب إلى دار الإذاعة , عندما استشعر بألم مفاجئ جعله لا يقوى على الوقوف , فأومأ يطلب شيئا من الماء , وعندما جيء به أليه سقط على الأرض مغشيا عليه . ولم يلبث أن فارق الحياة . 
رحل ناظم الغزالي الذي ملأ العراق والوطن العربي أنغاما جميلة رددها بصوته العذب مازالت طرية وقوية ومنتشرة , وستبقى بفضل موهبته الكبيرة وإخلاصه لفنه.
وكان ناظم الغزالي قد اقترن بالمطربة  سليمة مراد التي تكبره سنا وقيل انه تزوجها لمالها, لعلها تموت فيرثها لكنه مات قبلها, كما تردد الحديث حول قصة حب ساخنة عاشها مع المطربة وردة الجزائرية كادت تنتهي بالزواج. ومهما يكن فناظم الغزالي كان وسيبقى أحد اعمدة الغناء العراقي وهو امتداد لمطربين عراقيين اصلاء منذ قرون عديدة بدا بأسحاق الموصلي وزرياب ومرورا بمحمد القبانجي.

عبد الوهاب الشيخلي 
مجلة الاذاعة والتلفزيون 
1977