في صبيحة الأحد، السابع والعشرين من تموز عام الف ٍ وتسعمئة وسبعة وتسعين، استنفرت وكالاتأنباء ومراسلون وقنوات فضائية وغيرها من وسائل اعلام، لتبث خبراً هادراً، مؤسياً،هزّ مشاعر، ليس النخب الثقافية والسياسية فحسب، بل والألوف الألوف من الناس في شتى الارجاء:

“الجواهري يرحل إلى الخلود في احدى مشافي العاصمة السورية- دمشق،

عن عمر يناهز المئة عام…”

     يطبق “الموت اللئيم” اذن على ذلك المتفرد الذي شغلالقرن العشرين، على الأقل، ابداعاً ومواهب، ثم لتروح الأحاديث والكتابات تترى بعدالخبر المفجع، عن عظمة ومجد الراحل العظيم:

-المتميز بعبقريته التي يخشى أن يجادل حولها أحد.   

– السياسي الذي لم ينتم ِ لحزب، بل كان حزباً بذاته، يخوضالمعارك شعراً وفكراً ومواقف رائدة…

-الرمز الوطني الذي أرخ للبلاد وأحداثها بأتراحها وأفراحها من داخل الحلبة بل ووسطها، مقتحماً ومتباهياً:

أنا العراق لساني قلبه ودمي فراته وكياني منهاشطار
–   وذلك الراحل- الخالد، نفسه: حامل القلم الجريء والمتحدي والذي “لو يوهب الدنيا بأجمعها، ما باع عزاً بذل “المترفالبطر”.. ناشر صحف “الرأي العام” و”الجهـــاد” و”الثبات” … ورفيقاتهن الأخريات …

  – منوّرٌ متميزٌ من أجل الارتقــاءعلى مدى عقـود حياته المديدة، صدح مؤمناً: “لثورة الفكر تاريخ يحدثنا، بأن ألف مسيح دونها صلبا”..

-صـاحب “يوم الشـهيد” و”آمنتبالحسين” و”قلبي لكردستان” و”الغضب الخلاق” و”الفداء والدم”… شامخ، يطأ الطغاةبشسع نعل ٍ عازبا..

-والجواهـري ايضا وايضا: متمرد عنيد ظـلّ طـوال حياتـه باحثاً عن “وشـك معترك أو قرب مشتجر”، كيّ “يطعم النيران باللهب”! ..

-مبدعٌبلا حـدود في فرائـد “زوربـا” و”المعـري” و”سـجا البحـر” و”أفروديـت” و”أنيتـا” و”لغة الثياب” و”أيها الأرق” وأخواتهن الكثار…

–  وهو قبل كل هذا وذاك “أحب الناس كل الناس، من أظلم كالفحمِ، ومن أشرقَكالماس”.

 –  كما وانه “الفتى الممراح فراج الكروب” الذي “لم يخل من البهجة دارا” ..
 –  رائدٌ في حب وتقديس من “زُنَّ الحياة” فراح يصوغ الشعر “قلائداً لعقودهنَّ” … و”يقتبس من وليدهن نغم القصيد” ..

–  وديع كالحمامة، ومنتفض كالنسر حين يستثيره “ميتون علىما استفرغوا جمدوا” ..

 – وهو لا غيره الذي قالما قال، وما صلى “لغير الشعر من وثن ” … فبات الشعراء

يقيسون قاماتهم على عمود قامته الشامخ…

-انه وباختصار: ذلك الطموح الوثاب الذي كان، ومنذ فتوته “يخشى أن يروح ولم يبقِ ذكرا” … فهل راحتقصائده- فعلا – “ملؤ فم الزمان”!! وهل ثبتت مزاعمه بأنقصيــده

“سيبقى ويفنى نيزك وشهاب”، وهو القائل:

وها هو عنده فلك يدوي….. وعند منعمِ قصر مشيدُ
يموت الخالدون بكل فج ٍ .. ويستعصي على الموت ِالخلودُ

ترى هل صدق بما قال ؟؟!!

… التاريخ وحده من انبأنا وينبئنا عنالامر، ويا له من شاهد حق ٍ عزوفٍ عن الرياء!!