د.عامر صالح

كان استجواب وزير الدفاع العراقي الدكتور خالد العبيدي في البرلمان العراقي له دلالته الكبيرة في الكشف عن حقيقة الفساد في مؤسسات الدولة العراقية ومنها وزارة الدفاع, نقل الفساد من التكنهات بحجمه ومقداره الى مثال عملي ملموس وواقع يعاني منه شعبنا الذي اكتوى بنار نظام سياسي طائفي حاضن له, وكانت وزارة الدفاع مجرد نموذج لسرطان الفساد الذي عم جميع مؤسسات الدولة ووزارتها, الامر الذى حدى بشعبنا ان يتحدى ذلك بتظاهراته واحتجاجاته المدنية وهو في أسوء حالاته المعيشية من تدني في جميع الخدمات الاساسية من صحة وتعليم وكهرباء وماء وتفشي البطالة والفقر الشامل في البلاد, فجاءت قنبلة الفساد تأكيد لشعبنا الذي امتلك الحق كله في تأكيد ذلك !!!.

وبغض النظر عن المعلومات التي ذكرها الوزير العبيدي وهي معلومات أولية تحتاج الى مزيد من التوثيق والدقة لكي ترتقي الى مستوى الحقائق المطلقة يمكن الركون أليها في محاسبة رموز الفساد وخاصة في وزارته والمعنية بتعرضه للضغط لتمرير صفقات فساد في ميادين التسليح بمختلف صنوفه وعقود تغذية وشراء سيارات مرورا بالضغط عليه في اصدار اوامر تعينات داخل المؤسسة العسكرية. وعلى ما يبدو فان الوزير يمتلك ملفات ولكن لم يمنح الوقت الكافي لطرحها وشرحها وحلت الفوضى والانفلات في البرلمان مما جعل معلوماته سريعه, كما ان هناك جدلا حول هل ان الوزير أتى فقط للاستجواب والاجابة على اسئلة المستجوب, أم ان من حقه ان يتحدث عن ملفات الفساد بالتفصيل الآن. والمهم في ذلك انه فتح الباب على مصرعيه للتحدث علنا عن المتهمين بالفساد وبالاسماء, وهذا كان استجابة منطقية لنظالات شعبنا في الكشف عن ذلك !!!.

كانت ظروف الاستجواب هستيرية حيث حيث جاء النائب الذي استجوبه بكم ممل من الوثائق تفتقد الى التنظيم والارقام والاحصائيات الدقيقة, وهي لا تخلو من الصفة الانتقائية وتصفية الحساب وحصر التهم بشخص الوزير, وخاصة ان النائبة هي من المتهمين, حيث رفض لها الوزير طلبات تعيين كانت قد تقدمت بها, وبالتأكيد اجواء الاستجواب لا تخلو من عوامل الشحن الطائفي, والتي عكستها لاحقا الصراعات والفوضى التي حصلت بين الكتل البرلمانية وممثليها السياسين الطائفيين !!!.

هل تفضي التصريحات الاولية للوزير الى التأسيس الى بدايات صالحة لمعالجات شاملة للفساد في البلاد؟ أنا اشك في ذلك لان المنظومة القضائية ولجان الامن والنزاهة الى جانب المنظومة التشريعية أسست على اساس المحاصصة الطائفية السياسية والاثنية منذ سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 وهي جزء من حاضنة الخراب والفساد في مؤسسات الدولة.
لعل نظرة متأنية وموضوعية منطلقة من روح الحرص على ما تبقى من النواة المتواضعة للنظام ” الديمقراطي ” في العراق,تؤكد لنا أن نظام المحاصصة الطائفية والعرقية وما أنتجه من تعصب أعمى,ومنذ ولادته بعد 2003 لحد اليوم كان عائقا ومعطلا للعملية السياسية,حيث حلت في الممارسة العملية الانتماءات الضيقة محل ” علم السياسة ” لإدارة شؤون البلاد,مما جعل من أحزاب الطوائف والأعراق أمكنة للحشود البشرية وليست أمكنة لانتقاء وتدريب النخب السياسية لقيادة البلاد,وكأنها تعمل على قاعدة أن الحزب يساوي كل أبناء الطائفة أو العرق بما فيها من خيرين وأشرار,وتحولت إلى أمكنة للاحتماء بدلا من الاحتماء بالدولة والقضاء كمقومات للدولة العصرية,مما فوت الفرصة على الانتقاء والفرز على أساس الكفاءة السياسية والنزاهة,وليست لاعتبارات لا صلة لها ببناء دولة المواطنة,أنه سلوك يؤسس لمختلف الاختراقات السياسية والأمنية وشتى ألوان الاندساس.

لقد عرقل نظام المحاصصة جهود أي تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تقوم على منجزات العلوم الاقتصادية والاجتماعية ومنجزات التقدم التقني والتكنولوجي,وذلك من خلال إسناد المواقع الحساسة والمفصلية في الاقتصاد والدولة إلى رموز تنتمي طائفيا أو عرقيا ولا تنتمي إلى الكفاءات الوطنية أو التكنوقراط ولا تستند إلى انتقاء المواهب والقابليات الخاصة لإدارة الاقتصاد,بل حصرها بأفراد الطائفة أو إلى توافق من هذا النوع بين هذه الطائفة أو تلك ,أن هذه السياسة لا تؤسس إلى تنمية شاملة ,بل تؤسس إلى ” إفساد للتنمية “,وقد عززت هذه السياسات من استفحال الفساد بمختلف مظاهره من سرقات وهدر للمال العام ومحسوبية ومنسوبيه وحتى الفساد الأخلاقي بواجهات دينية مزيفة لا صلة لها بالدين الحنيف,والأسوأ من ذلك حصر الامتيازات في دعاة كبار رجال الطائفة أو الحزب أو العرق وترك السواد الأعظم في فقر مدقع.أن أدعاء الطائفية والعرقية لتحقيق العدالة الاجتماعية هو ادعاء باطل ,وان الفقر وعدم الاستقرار والقلق على المستقبل يلف الجميع باختلاف دينه ومذهبه وطائفته وعرقه !!!!.

أن استجواب وزير الدفاع في هذه الظروف المعقدة ” في ظل عدم وجود خيانة عظمى ” ورغم الحق القانوني في استجوابه, وفي ظل هكذا نظام طائفي سياسي, هل يفتح المجال حقا لمحاربة الفساد في كافة القطاعات الاجتماعية, أم انه يعيد انتاج دورة الارهاب القاتلة وتصفية الحسابات الشخصية وبدأ نوبة جديدة من الاحتقان الطائفي الذي دمر البلد, وهل يؤثر على اضعاف جبهات القتال المحاربة لداعش والتهيأ لتحرير الموصل, وخاصة ان القوى التي تقاتل الى جانب المؤسسة العسكرية قائمة من الانتماءات الطائفية السياسية من مختلف مناطق العراق, وهل يضعف تحالفات المؤسسة العسكرية مع مختلف المؤسسات الامنية والاستخباراتية الاخرى. ان الاجابة على ذلك تقرره مسارات الاحداث القادمة !!!.

ان المطالبة بحل البرلمان من قبل شرائح سياسية واجتماعية ومدنية وفي ظل مؤشرات لانتشار الفساد فيه بالاضافة الى بنيته الطائفية السياسية المشوه, وترك الامر بيد الشعب لاعادة انتخاب ممثليه, أمر فيه من التفائل القادم في ظل تجربة الحراك المدني الحالية وتبلور وعي جديد قائم على الحرمان وضيق فسحة العيش وعدم الثقة بممثليه السابقين !!!.