رضا الموسوي : كتب

لعل سمة الانسانية هي السمة العليا التي لا يختلف عليها بني البشروقد تكون الجامع العابر لباقي السمات الاخرى لتتجاوز في حدودها العرق واللون والمعتقد ولا احد يمتلك ميزة تؤهله التعالي على من سواه سوى تلك الاشياء المادية التي قد تتوافر عند هذا الشخص او ذاك لتتمثل في مؤهل علمي او ثروة مالية او مكانة اجتماعية او تبوءه لمنصب معين وهو بهذا لا يزداد رفعة ولا علو الا لمن تنكر لضمير الانسانية حتى يتحول من الانسان ذو الفطرة السليمة الى وحش كاسريبطش باقرانه في الخليقة ..
وفي التأكيد على ما ذهبنا اليه نجد ان المفاضلة مبدأ مرفوض في كل القيم الانسانية ولعل هذا الامر واضح في كل الاعراف والاديان السماوية والتي تشير وبوضوح الى ان الناس متساوون في ما بينهم في الحقوق والواجبات ولا يوجد من هو افضل من الاخر الا بالعلم الذي يسعى للحصول عليه من خلال عمل وجهد دؤوب يمكنه من اكتساب تلك المعرفة التي تؤهله لتبوء مكانة اجتماعية بين اقرانه من بني الانسان لتأخذ تلك المكانة بعدا اكتسابيا متاحة للجميع لينسحب هذا الامر على كافة بني البشر ولا ينحصر بأناس او طبقة محددة مع الاخذ بعين الاعتبار البيئة والاوضاع المعيشية التي تترك اثرا بالغا في نمط التفكير وسرعة الاستيعاب.
قد يختلف الامر من بيئة الى اخرى فنجد هذا المضمون مطابقا تماما في العالم الغربي من حيث التعامل الانساني في شتى الامور فالمبدأ الاساس ينطلق من مفهوم احترام جنس الانسان المجرد عن باقي الصفات النسبية كالعمر واللون والعرق والدين والمؤهل العلمي والمكانة الاجتماعية وحتى شغله لمنصب معين ليكون التعامل انساني بحت ولا دور للمكملات الاخرى على حساب مبدأ الانسانية ليصبح بني البشر متساوون في الحقوق والواجبات.
وبالنظر الى عالمنا العربي والذي يكتسب جل قوانينه من الشريعة الاسلامية السمحاء والتي جاء التأكيد في طليعتها ان الله كرم بني ادم والتأكيد في الكثير من الايات والاحاديث على قدسية النفس الانسانية بعيدا عن الاعتبارات الاخرى والتي يأتي ذكرها كمرتبة ثانية في مواطن اخرى كالعلم والعمل والجهاد تبقى الانسانية تطغى على كل اعتبار وتعلو عليه ولعل العراق وهو بلد الرسالات السماوية واول الحضارات نجد ان اولى الملوك والامراء الذين حكموا بلاد الرافدين شرعوا الى التعريف بمكانة الانسان وذلك عبر الدساتير والقوانين التي كتبوها لتبقى دستورا يرفع من شأن الانسان ويبين مكانته القدسية لكننا نرى اليوم في العراق الامر مختلف جدا لما ذكر انفا من حيث التعامل الانساني لما نشهده في يوميات المواطن العراقي بلد الحضارات والقيم الانسانية الاولى فما عساك ان تحتك ببني جلدتك ولكن شريطة ان يملك منصبا او مالا او مكانة اجتماعية لتجده وحش كاسر يحاول النيل من الانسان الاخر…. الامر الذي يحكي ذلك التضاد والازدواجة التي يمارسها على نظيره الذي تولى شؤونه بطريقة ما ليتضح لنا ذلك التذبذب بين قيم البداوة والحضارة التي تبقي شخصية الانسان تتأرجح بين منطقين مختلفين لتخلق الشخصية المتذبذبة في سلوكها والتي تحاول ان تمزج بين قساوة الصحراء وترف المدينة فيفشل في ذلك المزج عندما يلامس مصالحه الشحصية عندما يتعلق الامر بالانا العليا التي سرعان ما تتدخل لتظهر القيم البدوية وتؤثر عليه بشكل سريع ليتحول من مأمور بفعل الخير الى وحش كاسر يحاول تغطية اخطائه بأي طريقة وهذا ما بينه عالم الاجتماع العراقي الدكتورعلي الوردي في دراسته للمجتمع العراقي ومزاجيته…
متى نرى المجتمع العراقي يحترم الانسانية.؟ وتلك الصفة المجردة من الكماليات التي اوجدها لنفسه لتخلق تلك الهالة القدسية التي ترفع من شأن البعض على حساب قيمة الاخر…؟ اعتقد انه متى ما رأينا ان المتصدين للعمل السياسي نزلوا من بروجهم العاجية وازالوا ذلك الحاجز الذي شيدوه بينهم وبين المواطن ويحترمون الانسان من خلال تجسيد المصداقية وعدم التعامل بالتعالي من خلال الاجراءات القانونية والامنية التي وضعوها لأنفسهم واعتماد الانسانية المبدأ الاساس في التعامل مع الاخر في حينها سنجد ان السياسي والموظف ورجل الامن الذين شغلوا تلك الاماكن من اجل تقديم الخدمة للمواطن وحماية مصالحه لا يجرؤا على اهانة كرامتهم…