الأول من أيار يشير إلى العديد من الاحتفالات العمالية المختلفة التي أدت إلى الأول من أيار كذكرى لإحياء النضال من أجل ثمان ساعات عمل في اليوم. وفي هذا الصدد يسمى الأول من أيار بالعطلة العالمية لعيد العمال أو عيد العمال العالمي. وقد بدأت فكرة يوم العمال في استراليا عام 1856, ومع انتشار الفكرة في جميع أنحاء العالم تم اختيار الأول من شهر أيار ليصبح ذكرى للاحتفال بحلول الدولية الثانية للأشخاص المشتركين في قضية هايماركت 1886. وأول عيد للعمال في الولايات المتحدة الأمريكية تم الاحتفال به في الخامس من سبتمر عام 1882 في مدينة نيويورك. وفي أعقاب وفاة عدد من العمال على أيدي الجيش الأمريكي ومارشالات الولايات المتحدة خلال إضراب بولمان عام 1894 , وضع الرئيس جروفر كليفلاند تسويات مصالحة مع حزب العمل باعتباره أولوية سياسية عليا. وخوفا من المزيد من الصراعات, تم تشريع عيد العمال وجعله عطلة وطنية من خلال تمريره إلى الكونغرس والموافقة عليه بالإجماع, فقط بعد ستة أيام من انتهاء الإضراب, وكان كليفلاند يشعر بالقلق لتوائم عطلة عيد العمال مع الاحتفالات بيوم أيار الدولي, والذي قد يثير مشاعر سلبية مرتبطة بقضايا هايماركت عام 1886 , عندما أطلق أفراد شرطة شيكاغو النار على عدد من العمال أثناء إضراب عام مطالبين بحد أقصى لعدد ساعات اليوم الواحد لا يزيد عن ثماني ساعات, وقد راح ضحية تلك الحادثة العشرات من أولئك العمال, وقامت الخمسون ولاية أمريكية بالاحتفال بعيد العمال كعطلة رسمية. وكان إصرار الطبقة العاملة الأمريكية على إبقاء الاحتفال في الأول من أيار هو السائد !!!.
أشتد ساعد الحركات العمالية في أوربا بنفوذ أفكار الاشتراكية والشيوعية واليسار عموما, وعلى خلفية ذلك افتتح مؤتمر النواب الاشتراكيين الدولي في باريس الفرنسية في العام 1889 والذي حضره أربعمائة مندوب, وقرر المؤتمر تحديد الأول من أيار من كل سنة عيدا مشتركا لجميع العمال في العالم, وكان المندوب الأمريكي في المؤتمر قد أشاد بقرار رفاقه الفرنسيين. وفي هذا اليوم من عام 1890 بادر العمال في أمريكا وأوربا بتسيير مظاهرات كبيرة للاحتفال بنجاح كفاح العمال ليولد عيد العمال العالمي, ليكون بذلك اختيار هذا التاريخ تخليدا لذكرى من استشهد من العمال والقيادات العمالية. وعلى خلفية ذلك فأن القوى الشيوعية والاشتراكية واليسارية عموما اعتبرت نفسها بفعل دورها التاريخي بمثابة الخط الدفاعي الأول عن حقوق العمال ومطالبيهم الأساسية, وكان شعار ” يا عمال العالم اتحدوا ” ملهما وقوة دفع لكل العمال في العالم من اجل انتزاع حقوقهم المشروعة. ولا غرابة من أن يتجاوز الاحتفال بالأول من أيار حدود جغرافيته في أمريكا وأوربا إلى بقاع العالم كافة, ومن ضمنها العالم العربي والإسلامي !!!.
تجاوز حدث الأول من أيار أهدافه التقليدية في المطالبة بثماني ساعات عمل فقط في اليوم, إلى أهداف إنسانية كبرى وموضوعات أكثر شمولية من خصوصية الذكرى, وقد نتج هذا بفعل الإطار المرجعي الفكري والسياسي والفلسفي الذي ألقى بظلاله على حركة الطبقة العاملة العالمية, وكان أبرزه نفوذ الفكر الاشتراكي العالمي, فكر المساواة بين الجنسيين في كافة الحقوق, بما فيه حق المرأة في المساهمة في الشأن العام, حق العمل والانخراط في كل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية !!!.
لقد حقق العالم المتمدن انجازات لايستهان بها على مستوى مساهمة المرأة في الحياة العامة, من عمل وحقوق مدنية وسياسية واجتماعية. لا نقول هنا إنها مثالية وغير قابلة للطعن, ولكن يكفي المقارنة مع أوضاع المرأة في العالم العربي والإسلامي كي نستدرك جوهر الفروق. ولعل ابرز الملاحظات حول المرأة العاملة في البلاد العربية والإسلامية وواقعها السلبي هو: أن مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي متدني جدا قياسا بالرجل ويصل إلى اقل من الربع من عموم القوى العاملة لكلا الجنسيين, كما أن معدل البطالة بين النساء مرتفع جدا قياسا بالرجال, معدل أجور النساء العاملات ادني بكثير من الرجال, وأن نسبة وجود النساء في الوظائف العليا أقل بكثير من وجود الرجال فيها, وكذلك نسبة النساء العاملات في الاقتصاد الحكومي أو قطاع الدولة أقل بكثير من الرجال العاملين فيه, وأن النسبة الغالبة من النساء العاملات يعملن في الأعمال الأقل استقرارا وثباتا والأدنى مهارة والأقل أجرا, كما تواجه المرأة صعوبات كبيرة في التوفيق بين العمل والحياة الاجتماعية الخاصة, كما تعاني النساء من صعوبات التميز على أسس الجنس وما يرتبط بذلك محدودية فرص العمل !!!.
ومن الجدير بالذكر, أن العديد من مجتمعاتنا العربية والإسلامية بصورة عامة حققت الكثير من الانجازات على طريق إشراك المرأة في ميادين الحياة المختلفة.فقد انخرطت المرأة في مجالات التعليم والعمل.حيث تدفقت المرأة إلى مختلف مراحل التعليم, ومنها العالي في مختلف التخصصات العلمية والإنسانية , وكذلك الحصول على الشهادات العليا كالماجستير والدكتوراه.كما انخرطت في مختلف المهن الطبية, والهندسية, والإدارية. وهو خطوة لازمة لتحرير المرأة.ألا أن ذلك جاء نتيجة لضغوطات الاقتصاد والتغيرات الكبيرة في الهيكلية الاقتصادية, وحاجات سوق العمل إلى المزيد من المهارات النوعية , مما استدعى ذلك إلى الاستعانة بالمرأة المؤهلة, وأن التغيرات المذكورة أعلاه لا تعبر بالضرورة عن فلسفة حياتية واضحة ومحددة اتجاه إشراك المرأة. والدليل على ذلك هو تعرضها إلى مختلف مظاهر التميز, في الرواتب, والمناصب, ودرجات التعين, وعدم المشاركة في صنع القرار, وحرمانها من الكثير من المناصب لأنها امرأة. عدا حالات التميز الأخرى خارج العمل, كفرض الوصايا عليها وعلى أموالها وممتلكاتها, ومنعها من السفر والتنقل إلى خارج البلد أو من مكان إلى آخر إلا بوجود محرم أو ولي أمر.
وعلى هذا الأساس نلاحظ إن الانفتاح النسبي صوب قضية المرأة لم ينتج من إعادة النظر في المنظومة القيمية والتربوية, بل أن الزمن في أحيان كثيرة فعل فعلته….ولهذا نرى المفارقات في الممارسات اليومية في حياة المرأة العاملة بين الجذب والشد.فهي تشعر في السعادة النسبية والاستقلال في نصف من اليوم عندما تكون في العمل, وفي النصف الثاني فهي أسوة بحبيسات البيت تخضع لسلطة الرجل, وتحمل هموم البيت بتفاصيله بل قد تحمل هموم البيت وهو الأكثر وقعا عليها من هموم العمل على كتفيها إلى العمل لتنوء بثقلين معا, ويتضح ذلك جليا في الكثير من حالات العزوف وترك العمل, لعدم إمكانية التوفيق بين الاثنين.أن الصراع المرير في حياة المرأة وجد انعكاساته في الكثير من مظاهر الاضطرابات النفسية والجسمية ذات المنشأ النفسي قد لا يدفع المرأة إلى الذهاب إلى العيادات النفسية المتخصصة, وقد تحيى معه المرأة وتموت به من دون أن يعرف من حولها , بل قد لا تدركه هي نفسها.
ويشكل القلق احد المظاهر الرئيسية التي تدك المرأة والذي تعاني منه بفعل دورة حياتها اليومية الصعبة, حيث تعاني من الضعف العام ونقص الطاقة الحيوية والنشاط والمثابرة,وتوتر العضلات,والنشاط الحركي الزائد, واللوازم العصبية الحركية, والتعب والصداع المستمر الذي لا يهدئه العلاج, وشحوب الوجه, وسرعة النبض, والقلق العام على الصحة والعمل والمستقبل, والعصبية والتوتر العام وعدم الاستقرار والخواف بصفة عامه والخوف الذي قد يصل إلى درجة الفزع والشك والارتباك والتردد في اتخاذ القرارات.والهم والاكتئاب العابر والتشاؤم والانشغال بأخطاء الماضي وكوارث المستقبل, وتوهم المرض والإحساس بقرب النهاية والخوف من الموت, وعشرات من الأعراض البسيطة والشديدة المؤقتة والدائمة,ولكنها في معظم الأحيان غير قاتلة, وغير متعارضة مع الاستمرار في الحياة اليومية وروتينها , ولكن تعرقل سير الحياة والإقبال عليها ببهجة وسرور.ويمثل تجاهل المرأة لهذه الأعراض جزء من عملية تجاهلها هي بالذات من مع حولها في دائرة علاقاتها الأقرب.
وعلينا التأكيد إن ما يجري هنا للمرأة يأطره العقل الجمعي العربي والإسلامي الذي يحصر المرأة في فسحة ضيقة جراء الهيمنة الذكورية بأشد صورها قتامه والذي يحد أو يقصي المرأة من المشاركة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, ويختزل دورها الأساسي في المنزل وتربية الأولاد وتلبية الرغبات الغريزية للرجل, في فهم غير متكافئ للعلاقة الزوجية. ويجب الإشارة هنا أن موضوع صلاحية مشاركتها في العمل لا يزال موضوع شك وريبة, فهل تنجح في التوفيق بين عملها و العمل المنزلي وتربية الأولاد والحياة الزوجية الخاصة, حيث الشكوك تطال إلى مقدرتها العقلية والعملية ضمن مقاييس مسبقة تمليها الإرادة الذكورية للحفاظ على توازن أبقاء الهيمنة الذكورية سائدة في كل تفاصيل حياة المرأة اليومية !!!.
وفي هذا السياق المضطرب بالنسبة للعاملة العربية والإسلامية فأن الاحتفال بعيد العمال العالمي يمتلك دلالة استثنائية على مستوى البحث في تكريس المزيد من الجهد وتعبئة الجهود الدولية لإشاعة فكر المساواة بين الجنسيين على مستوى العمالة وتأكيد إنسانية المرأة وحقها المشروع الكامل في بناء نهضة بلدانها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وكل عام والبروليتاريا العالمية من كلا الجنسيين بخير !!!.
بقلم: د. عامر صالح