عودة النظرة الدونية للمرأة
ادهم ابراهيم
الجنس غريزة انسانية كان يمارسها الانسان الاول بحرية مطلقة . وكان كالماء والطعام مشاعا بين الناس . وعند ظهور الاديان السماوية تم تقنين الاتصال بين المراة والرجل ووضعت عقود ملزمة تنظم هذه العلاقة
وقد شجع الدين الاسلامي العلاقات الجنسية وفق عقود للايجاب والقبول بين الرجل والمرأة وفسخها عند الضرورة والحاجة . . وتستند بالدرجة الاساس على حرية الارادة للرجل والمرأة على حد سواء . ولكن رجال الدين والشيوخ اخذوا في اوقات لاحقة التدخل في تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة ووضعوا شروطا واحكاما اضافية تقيد من حقوق المرأة على وفق العادات والتقاليد العشائرية والقبلية السائدة , وابتدعوا قيودا على المرأة بالاجتهاد وليس بنص القران او الاحاديث النبوية , فتم فصل النساء عن الرجال , رغم ان الاسلام لم يحرم اللقاء بينهما ولكن هناك ضوابط وآداب عامة تنظمه . ثم جرى عزل المرأة عن مسيرة المجتمع , وزادوا في الغلو حتى شمل لباس المرأة فوضعوا له مواصفات وشروط تزداد يوما بعد يوم الى ان وصلوا الى النقاب وسموه اللباس الشرعي . وكثرت المحرمات والفصل التام بين الجنسين حتى صارت سببا في انتشار اللواطة كما وجدناه في مجتمعات الدولة العثمانية . وكذلك انغماس النساء في السحاق لاشباع الغريزة الجنسية الفطرية

ان الغريزة الجنسية سلوك طبيعي لامناص منه , وهي بذلك اقوى من كل التعاليم والمحرمات الدينية . ولذلك يمارسها الانسان في العلن على وفق شروط محددة
او في الخفاء عند خشيته من العقاب او انتقام رجال الدين . . وهذا لا ينطبق على الدين الاسلامي فقط وانما شمل كل الديانات . حتى وجدنا الكهنة يتحرشون بالاولاد الدارسين في الكنائس والمدارس التابعة لها , حتى في القرن العشرين , ومازالت الاتهامات والمحاكمات جارية للكهنة الى يومنا الحاضر

بعد تحرر الانسان العربي من سطوة الدولة العثمانية ومفاهيمها البالية قل تاثير رجال الدين على المجتمع وعامة الناس . فاجيز الاختلاط بالجامعات والمدارس ودوائر الدولة , وانتشرت دور السينما والاندية وتحررت العقول من الانغلاق الذي فرضه الوعاظ والشيوخ . فاصبحت المراة محترمة من الرجل لقناعة الجميع بان العلم والمعرفة افضل من التحريم عن جهل وعدم ادراك , وان المرأة تشترك مع الرجل بالمشاعر والاحاسيس الانسانية وليست مجرد وعاء للشهوة والاثارة . وساهمت المرأة باغلب النشاطات الحكومية والاجتماعية والثقافية والفنية وكان لها الدور المؤثر والفاعل في العائلة والمجتمع , وشهدنا نتيجة ذلك تطور المجتمعات في المجالات كافة

بعد عودة مايسمى بالصحوة الاسلامية التي رافقت حركات الاسلام السياسي , ونتيجة التثقيف بدونية المرأة وعزلها عن المجتمع , انحسر دور المرأة في كل المجالات وزاد العنف الاسري والاجتماعي عليها . واخذنا نرى التحرش بها في الشارع وفي الاماكن العامة الى حد الاغتصاب احيانا . وجرى غسل ادمغة الناس رجالا ونساء , وتعليمهم بان المرأة عورة خلقت للترفيه عن الرجل , وانتشرت العلاقات الجنسية المستترة تحت غطاء زواج المتعة اوالعرفي ليضفوا عليها الشرعية الدينية عبثا . كما حرم الاختلاط بالمرأة وتوجب عليها اللبس الشرعي الذي يبدأ بالحجاب وينتهي بالنقاب ومابينهما ما انزل الله به من سلطان كالعباءة والكفوف وبدع اخرى ، وتخويفهن بعذاب الآخرة او العقاب الدنيوي . وعادت المراة الى الحجاب والنقاب بعدما تحررت منه في الثلاثينات من القرن الماضي , وقد وصل التلقين المتخلف الى حد ان البعض منهن اخذن يدافعن عن عبوديتهن للعادات والتقاليد القبلية الرجعية تحت ذريعة الدين . والدين الحق برئ منها , واصبحنا نشاهد هذه النماذج في الندوات التلفزيونية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى ان بعض عضوات البرلمان العراقي شاركن في اعداد مسودة تشريع للاحوال الشخصية يقيد كثيرا من حقوق المرأة , والذي طرح من قبل احزاب السلطة الاسلاموية يتيح للرجل الزواج من طفلة بعمر ثمان سنوات بدعاوى دينية قديمة , اضافة الى مواد اخرى مقيدة لحقوق المرأة والتي حصلت عليها خلال مسيرة عقود من الزمان

وفي منطقة الحكم الذاتي لكوردستان زاد ختان البنات تحت ذرائع دينية ايضا , كما زاد العنف الاسري تجاه المرأة وكثرت حالات الانتحار فيها نتيجة ذلك

ان الدواعش قد اشاعوا قيم اجتماعية معادية للمرأة من خلال احيائهم لنظام السبايا والجواري وبيعهن في سوق النخاسة . وقد تاثر المجتمع بهذه الافكار بطريقة مباشرة او غير مباشرة , رغم معارضته الظاهرية لها . . وقد ادى ذلك الى زيادة ظاهرة الاطفال مجهولي النسب في المناطق التي سيطر داعش عليها , كما تأثر المجتمع ايضا بالافكار والعادات المتخلفة التي يشيعها اغلب رجال الدين والتي جلبت الينا من خارج الحدود . وفي خطة ارهابية جديدة تم اغتيال نساء في بغداد وغيرها من المحافظات بحجج واسباب عديدة تعزى الى مفاهيم دينية زائفة , من اجل اخضاع النساء واجبارهم على الانصياع لتوجيهات واوامر الميليشيات الدينية المتخلفة . كما كثرت حالات الطلاق بشكل لم يشهد له العراق مثيلا نتيجة التفكك العائلي , والازدواجية في التعاطي مع الجنس والمرأة . والظهور بمظهر النساك امام المجتمع , وممارسة كل اشكال الجنس الطبيعي والشاذ في السر , فانتشرت الدعارة تحت مسميات دينية و شرعية زائفة

في مدرسة عليا في اوروبا اطلعت على سلوك بعض الطالبات . فوجدت ان المحجبة التي تتكلم بالحرام دون معرفة كافية لاتفقه شيئا عن العلاقات الجنسية الصحيحة . في حين ان المسلمة المتعلمة تناقش الموضوع من نواحي اجتماعية وعلمية بعيدا عن التحريم الاعمى . ثم تبين بعد التعمق بسلوك الطالبات ان الطالبة التي لاتفقه بالعلاقات الجنسية السوية , وتتمسك بالحرام فقط دون وعي عقلي او علمي , اسهل بالسقوط في الخطيئة من اول علاقة مع رجل . ان الهروب من الواقع واغماض العين والتلقين الاعمى لايجنبنا المشاكل . بل العكس هو الصحيح فالتعلم بعيون مفتوحة ووعي تام هو اكبر حصانة من السقوط في الخطايا على وفق التوصيف الاجتماعي
ان السكوت عن اخطاء صغيرة تؤدي الى اخطاء اكبر واكبر حتى يصبح المجتمع مجموعة مفاهيم خاطئة يصعب تصحيحها . ان من واجبنا ان نثقف ابناءنا وبناتنا بالجوانب العلمية الصحيحة وعدم السكوت عن المظاهر الزائفة والنفاق الاجتماعي او الظهور بمظهر التماهي مع القيم الاجتماعية البالية المستندة على العادات والتقاليد العشائرية واعتبارها قيم دينية ظلما وعدوانا , وان نبتعد عن اسلوب التلقين الشكلي , ونركز على القيم الاسلامية العليا من الصدق والامانة والشهامة والعدل واعتبار الانسان قيمة عليا كرمه الله سواء كان ذكرا او انثى واحترام الاخر . والتخلي عن المظاهر والطقوس الدينية المزيفة . والمصالحة مع النفس , بان تكون اعمالنا الظاهرية في المجتمع متطابقة مع فكرنا وممارساتنا الباطنية ورفض النفاق والازدواجية في التعامل مع العائلة والمدرسة والمجتمع . والنظر الى المرأة نظرة انسانية موازية للرجل واخراجها من القمقم الذي وضعت فيه مؤخرا , واشراكها في كل الانشطة الحكومية والثقافية والفنية لتساهم مع الرجل في النهضة الاجتماعية والعلمية التي نحن بامس الحاجة اليها
ادهم ابراهيم