في البدء لابد أن نتفق بأن ما حدث في مصر في الثلاثين من يونيو هو انقلاب عسكري متكامل الأركان تم تزيينه وتنميقه بمجموعة من الرموز على غرار شيخ الأزهر وزعيم الاقباط وبعض رموز التيار الاسلامي متمثلة في حزب النور السلفي وغيرهم من الشخصيات من أمثال البرادعي ،ولا يمكننا باي حال من الاحوال ادراج هذا الفعل تحت أي مسمى آخر لأنه وفي جميع الأعراف وفي لغة المنطق لا يمكننا أن نسمي إزاحة النظام المنتخب والشرعي سوى بالإنقلاب و لا يمكن لأحد أن يزايد على أحد ويدعي أن ما حدث هو ثورة أو تصحيح للمسار ، خاصة وأن مسار الثورة المصرية حتى عشية إعلان خارطة الطريق الإنقلابية من طرف الجنرال السيسي لم ينحرف ولم يخطئ المسار ، بل بالعكس فمسيرة الديمقراطية في مصر انتعشت كثيرا في عهد الرئيس مرسي الذي لم يغلق أي قناة تلفزيونية حتى القنوات التي تسبه صباح مساء و لم يتعرض لها ولم يسكت أي صوت معارض ولم يواجه أي متظاهر سلمي بالعنف ، ولا يهمنا هنا الصمت العالمي تجاه ما حدث لأنه في أبسط الأحوال تواطؤ لأجل إسقاط الحكم الشرعي المنتخب تحت قيادة الرئيس الإخواني محمد مرسي الذي يبدو أنه كان منذ الوهلة الأاولى غير مرحب به من طرف الكثيرين خاصة دول الخليج وأمريكا و ربيبتها اسرئيل اللتين ليس من مصلحتهما أن تقوم أنظمة ديمقراطية حرة من عمق الشعب في المنطقة العربية ، وهنا أيضا لابد أن نؤكد بأنه لا يمكن للإعلام الانقلابي التضليلي الذي يكتسح الفضائيات أن يغير في الواقع شيئا لأنه مجرد ذر للرماد في العيون وماهو سوى سحابة صيف سرعان ما ستزول ، و وحده التاريخ في الأخير من سيحكم ويسمي الأشياء بمسمياتها و يضع كلا في منزلته التي يستحق ويعطي كل ذي حق حقه ، فالتاريخ لا يجعل من الخائن بطلا قوميا ولا يجعل من العميل ثوريا ولا يمكنه أبدا أن يخطئ ويضع الإنقلابيين في صفوف الأحرار و لا الأشرار في منزلة الأخيار، و الإعلام المضلل ليس سوى سراب يحسبه الذين يدورون في فلكه ماء يروي ضمأهم وعبارة عن بوق مأجور يوهمهم بأنهم يوقومون بانتصارات هي في الحقيقة وهمية .
أما إذا أردنا أن نتطرق إلى مآلات الإنقلاب العسكري المحكم الأركان الذي قام به مجموعة من جنرالات المؤسسة العسكرية المصرية العريقة التي هي براء من فعلتهم فهي بلا شك مآلات خطيرة جدا وستكون عواقبها وخيمة جدا على المدي الطويل ولن تخرج مصر هذه المرة من هذه الدوامة كما دخلت أول مرة ، لأنه يبدو من الوهلة الأولى أن الذين خططوا لهذا الإنقلاب لم يدرسوا جيدا عواقبه بل فقط اتفقوا على تنفيذه وإنتظار ما سيحدث ويبدو أنهم توقعوا بأن إسقاط الشرعية سيكون عملا سهلا وسينفض الجميع من حول الرئيس المعزول المنتخب في لحظات ،ولكن حدث ما لم يحسبوا له وحدث ما لم يتمنوه حيث تمسكت الأغلبية من الشعب المصري بهذا الرئيس حيث مازالت الإعتصامات و التظاهرات و المسيرات متواصلة إلى حد الساعة و المليونيات لا تتوقف ووقع الانقلابيون في مأزق ولم يجدوا منه مخرجا.
ومن هذه المآلات والنتائج أيضا و التي لم يتوقعها مهندسوا إنقلاب الثلاثين من يونيو أن الرئيس المعزول الذي أطاحوا به و الذي ثبت حتى آخر لحظة وأصر على الشرعية الدستورية ودعى أنصاره إلى السلمية قد إزدادت شعبيته و انتصر على الذين عزلوه وهو يقبع في الإقامة الجبرية ولم يدري السيسي بأن مرسي سيتحول إلى رمز ثوري بعد كل ما حدث وسيصبح ذلك البعبع الذي يصغر أمامه كل أعدائه لأنهم كلما أساؤوا له إزداد رفعة.
ومن النتائج الأخرى للإنقلاب العسكري في مصر أنه كشف حجم النفاق العربي المتستر خلف الأقنعة فسرعان ما هنئت دول الخليج العربي الرئيس الإنتقالي الجديد الذي تم تعيينه من طرف السيسي وسرعان ما تم تقديم الرشاوى والمكافآت للسيسي والبرادعي الباحث عن المنصب حتى بين الركام والجثث والدماء ، دول الخليج العربي سرعان ما قدمت المساعدات و الملايير للنظام الانقلابي الجديد لدعمه ولكن للأسف كانت المعتصمون الأحرار في ميدان رابعة العدوية وغيرها من ميادين مصر يثبتون يوما بعد يوم بأن هذا النظام أوهن من بيت العنكبوت وبأن مابني على باطل فهو باطل.
ماحدث في مصر كشف جليا أن نظام مبارك السابق لم ينتهي بل هو باق ، فقط تغيرت الواجهة وزال الرأس لكن الجسد بقي على حاله فقط ظل هذا النظام البائد يغير جلده ويتلون كالحرباء لأن أزلام النظام السابق وفلوله مازالوا مسيطرين على السلطات القضائية والأمنية والداخلية ورؤوس المؤسسة العسكرية و مازالوا متغلغلين بين اركان ومفاصل الدولة المصرية ،وما كشفته الصحف العالمية الموثوقة من إتفاق بين السيسي و أمريكا على تنفيذ الإنقلاب وبأن اسرائيل تم إعلامها بالإنقلاب ثلاث أيام قبل حدوثه من طرف السيسي لهو أمر خطير ومريع جدا يكشف حجم المكيدة التي تعرض لها الشعب المصري و نظام مرسي المنتخب.
بعد ما حدث وبعد أن جر مجموعة من الجنرالات الخونة والعملاء دولة مصر إلى النفق المظلم فلا يمكننا سوى أن نراهن على الشعب المصري فقط ولا غير ، بوعيه وعبقريته وثقافته لأنه وحده من يستطيع إيقاف هذا السيناريو والنجاة ببلدهم إلى بر الأمان ، فحتى أولئك الذين تظاهروا بالأمس في ميدان التحرير في الثلاثين من يونيو لإسقاط الرئيس الشرعي سيندمون أشد الندم لأنه تم إستخدامهم كدمى وكطعم لتحقيق مصالح لا تخدمهم وهم مدعوون إلى الرجوع الى جادة الصواب عن خطأهم الفادح والإنضمام إلى الجموع المدافعة عن الشرعية وعن الحرية والديمقراطية .