عندما يغيب القط ترقص
الفئران على المنضدة ‏
علي الكاش
يا زعماء العراق ونوابه أقسم: لو استغفرتم ألف مرة في اليوم لما غفر الله لكم. ولو غسلتم بمياه ‏البحار لما تطهرتم.‏
أن الدروس المستقاة من التأريخ تتطلب من الشعوب أن تأخذ ‏‎ ‎بنظر الإعتبارالتغييرات الكبرى في ‏البنيوية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتحليل الأنعطافات التأريخية في مسارها بنوع ‏من الترقب والحذر والتعمق قبل أن تقدم ولائاتها المطلقة لآية جهة حاكمة كانت وتحت أية ‏مسميات، وكلما قدمت الولاءات بتروي وبشكل تدريجي كلما كانت النتائج أفضل على المستوى ‏العام، لأنها تتيح الفرصة المناسبة لملامسة الأنجازرات الحقيقية والتغيرات النوعية والكمية ‏المتحققة ومدى إمكانية نقل الشعارات والوعود من الخانة الكلامية الى الخانة العملية، عند ذاك ‏يكون ردّ الفعل الشعبي تجاه القوى الحاكمة متناسباً طردياً مع إنجازاتها، فتزداد نسبة الولاء والثقة ‏بها مع تزايد إنجازتها، والعكس بالعكس، وهذا ما يمكن ملاحظته منذ تولي رئيس مجلس الوزراء ‏الإطاري محمد شياع السوداني دفة الحكم في العراق بعد انسحاب التيار الصدري وتقديمه الكعكة ‏بكل سخاء الى غريمه الإطار التنسيقي في حالة تثير الكثير من الإرتياب والشكوك، المهم انقسم ‏السياسيون بشأن تقييم إداء حكومة محمد شياع السوداني خلال الستة شهور الماضية الى ثلاث ‏أقسام:‏
ـ فئة تعمل على تسقيط رئيس مجلس الوزراء ولها مبررات منطقية ومقبوله، فهو من قادة حزب ‏الدعوة الفاشل الذين حكموا العراق منذ الإحتلال ودمروه وسرقوا ثرواته، وتبنوا الطروحات ‏المذهبية، والتغييرات الديمغرافية ونكلوا بكل المواثيق والعهود مع بقية الأحزاب، حيث أثبت ‏التجارب انه حزب يقوم على الكذب والدجل والفساد وتنفيذ أجندات خارجية، وربما قضية صفقة ‏القرن والموقف من إطلاق سراح نجم الصفقة نور زهير، ونقيضها طريقة التعامل الشاذ والمثير ‏للشكوك مع رئيس الوقف السني السابق سعد كمبش وغيرها ما يبرر هذا الموقف التسقيطي.‏
ـ فئة تبوق بقوة لمنجزات السوداني الشبحية، وتبالغ بكل عمل يقوم به رغم تفاهته وسطحيته، ‏وهؤلاء هم الإعلاميون المأجورون والسياسيون التابعون للإطار التنسيقي، علاوة على زمرة ‏الزبابيك، وقد انضمت لهم بعض الوجوه الجديدة المقززة، والمليئة بالطائفية والإنتهازية. وهؤلاء ‏لهم الحق في موقفهم لأنهم مستفيدين من العملية السياسية، ولهم امتيازات من الحكومة، فلا غرابة ‏من موقفهم التهريجي، على الرغم من انهم يضحون بسمعتهم وتأريخهم أمام الشعب العراقي.‏
ـ فئة المراقبين، ويدخل معهم التيار الصدري والعديد من السياسيين المستقلين الذين يراقبوا المشهد ‏السياسي عن كثب، ولم يحددوا موقفهم بعد، وهؤلاء على حق ايضا، فستة أشهر بإعتقادهم غير ‏كافية للحكم على السوداني، وربما خلال سنة يمكن اتخاذ الموقف المناسب تجاه انجازات السوداني. ‏مع ان المؤشرات الأولية مثل العودة الى اسطوانة مجالس المحافظات السيئة الصيت، والأخذ ‏بقانون سانت ليغو، وتبديل المدراء العاميين بمن هم اسوأ منهم مثل مدير مطار بغداد الدولي، ‏وتوسع نفوذ العشائر التي طالت هيبة السوداني نفسه وحكومته، جميعها تؤشر جوانب سلمية، ‏علاوة على تنصل السوداني عن ورقته الحكومة بالتمام مع الزعماء السنة، وبنسبة أقل مع الأكراد، ‏
الظاهر على شخصيتة السوداني من خلال ممارساته في الأشهر الماضية، التردد والتراجع عن ‏المواقف، والخضوع الى ضغوط الزعماء السياسيين نقصد زعماء الإطار التنسيقي فقط. والعراق ‏بأمس الحاجة الى زعيم قوي شجاع حازم يحسم الأمور بسرعة ويفرض هيبته وهيبة حكومته على ‏الجميع كالحجاج بن يوسف الثقفي، ومن المؤسف ان رؤساء الحكومات السابقة كانوا اشبه بالجرذان ‏تخوفا وترددا وجبنا، سيما حيدر العبادي ومصطفى الكاظمي، او مجرمون محترفون مثل ابراهيم ‏الجعفري ونوري المالكي وعادل عبد المهدي.‏

ربما هذا الأمر يقودنا الى الرجوع الى قراءات سابقة قد تنفع في عراق اليوم، ولعل كتاب ‏الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو المسمى ” العقد الأجتنماعي” يمثل أفضل دراسة لمثل هذه ‏العلاقة وتطبيقها على العراق كنموذج حيّ، فقد اعتبر روسو ان الدولة ترتبط مع الشعب بعقد ‏إجتماعي فالشعب هو الذي أختارها بغض النظر عن طبيعة هذا الأختيار والمؤثرات فيه، لذلك فأنه ‏يتنازل عن بعض حقوقه وحرياته لحكومته، مقابل ذلك تفرض الحكومة هيبتها على الشعب من ‏خلال إدارته وتحقيق آماله وطموحاته السياسية والأقتصادية والأجتماعية والثقافية، وطالما أن العقد ‏شريعة المتعاقدين فأن أخلال الدولة بواجباتها ومسؤولياتها الوطنية كفيل بأن يدفع الشعب الى نقض ‏الأتفاق معها وركلها الى خارج دفة الحكم وإنشاء عقد جديد مع من هم أجدر منها للحفاظ على طاقاته ‏وثرواته.‏
إذا قلنا بأن الشعب العراقي في ظل الظروف اليومية القاسية التي يعيش فيها وفشل الحكومة ‏ومجلس النواب العراقي في تنفيذ العهود التي قطعوها على أنفسهم وأقسموا على تنفيذها والشعارات ‏التي طرحوها خلال توليهم مسؤولياتهم الرسمية، علاوة على تسييس القضاء العراقي لخدمة الطبقة ‏الحاكمة بإعتراف زعيم منظمة بدر العميل الايراني هادي العامري، فقد ولدت هذه الأوضاع نوع ‏من أزمة الثقة بين السلطات الثلاث والشعب العراقي، ولاشك أن الشعب العراقي يتحمل جزءًا من ‏المسؤولية عن الوضع الذي وصل اليه من خلال الولاء المطلق والسريع في الأنتخابات ‏والأستفتاءات السابقة وإنقياده الى المرجعيات السياسية والدينية إنقياداً أعمى دون تبصر، وفي ‏دعمه لنظام المحاصصة الطائفية وإنسياقه لقبول حالة الأحتلال والتعاون معه تحت يافطات رفع ‏الحيف عن الشيعة والأكراد وترويج قيم الديمقراطية الزائفة، ووعود معسولة بتوزيع الثروات ‏عليهم كغنائم وليست ثروة وطنية لكل مواطن الحق فيها، وقد كشفت الظروف أن الولاءات طائفية ‏وليست وطنيةـ تتسم بهامشيتها وسطحيتها وآنيتها ، فهي أشبه بالبراكين الثائرة من حيث إندفاعها ‏الأولي ولكنها لن تلبث طويلاً و تهمد وتخبو وترجع الى الهدوء والسكينة.‏
عندما تبني الحكومة مشروعها الوطني بمعتمدة على حقائق، فأن البنيان سيكون شديداً ومحكماً يؤمن ‏لها الصمود أمام التصدع والتشقق، أما إذا كان البناء قائماً على أوهام تحييها وتغذيها وتحدد ‏مساراتها أرهاط خارجية فأن سقف البناء سيكون ضعيفاً وسينهار على رؤوس ساكنية شعباً وقيادة. ‏وعندما يتناغم نبض الحكومة مع نبضات الشعب، وتتوحد في إيقاع وطني موحد فأن التلاحم ‏سيكون سيد الموقف، وعندما تكون الحكومة شجرة ضاربة جذورها في اعماق تربة الوطن وتتغذى ‏بمائه الصافي وتنعم بمناخه الدافيء فأنها ستجود بثمارها وعطائها على المواطنين، وفي نفس ‏الوقت ستجد العناية والعطاء المتبادل ممن تغذيهم، إما إذا كانت قصبة ضعيفة بجذور هشة فأنها ‏ستهتز أمام كل عاصفة وتنحني وتركع أمامها، كلما أشتدت وسيكون مآلها الموت والتفسخ. عندما ‏تمتلك الحكومة روحاً عظيمة في المبدأية ومثل عليا في التسامي والتضحية فانها ستتمكن بسهولة أن ‏تتجاوز مخاطر الخطوب والمحن والأزمات بأنواعها، ومهما إشتدت.‏
وعندما يكون أيمانها مهزوزاً وتتبرص الفرص للأستفادة من المزايا التي تؤمنها لها قيادتها للحكم ‏فأنها بذلك ستكون أشبه بالطفيليات التي تعيش على سطح البرك والمستنقعات، وعندما تعرض ‏الحكومة قواعداً لأفكار عبثية وفوضوية مختومة بطابع طائفي، ولا تمتلك مقومات وطنية واعية، ‏فأن النتائج ستكون وبيلة ومخيفة، ‏
عندما تتشبه الحكومة بالقصاب وتعامل شعبها كعجل تضعه تحت إقدامها وتنحره في مراسم الأعياد ‏على مرأى ومسمع الجميع وتقيم منه وليمة دسمة لقوات الغزو والأحتلال، فأقرأ عليها سورة الفاتحة ‏بلا تردد ؟ وعندما تتصرف الحكومة كبائعة هوى تلف جسدها بعباءة اسلامية أمام شعبها، وتخلعها ‏بعد إجتياز أبواب المنطقة الخضراء وترميها بها تحت الأقدام عارضة جسدها على قوات الأحتلال ‏الامريكي الايراني وعملائة وزبابيكه؟ بادر الى تحضير كفنها ملعونة غير مأسوف عليها.‏
كيفية التغيير؟
مما لاشك فيه ان التغيير في بنية النظام السياسي في العراق صارت وشيكة، فهناك بوادر فجر جديد ‏بدأت تبزغ في الأفق، لأنه ليس من المعقول ان يتحمل الشعب العراقي كل تلك الضغوط ويبقى ‏ساكتا، فهذا السكوت يخالف المنطق وكل التعاليم الأرضية والسماوية، لقد أخلت حكومات حزب ‏الدعوة الاسلامية بالعقد الإجتماعي مع الشعب، لذا على الشعب ان يركل العقد جانبا كما فعلت ‏الحكومات، ويقوم بتأديب حكومته، فهو مصدر السلطات. صحيح ان الحكومة تمتلك المال والقوة ‏والسلاح والاعلام وهي كفيلة بإجهاض الثورة من أول وهلة، لكن استمرار الثورة سوف ينهك ‏السلطة ويعيرها أمام المجتمع الدولي، واستمرار العنف الحكومي سيواجه بالكفاح المسلح، وهذا ‏ديدن الشعوب وهو من أبجديات الثورات في العالم.‏
قال تعالى في سورة الإسراء/ 65 ((إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان وكفى بربك وكيلا)).‏

علي الكاش