ما يحدث وما سيحدث بتونس على الصعيد السياسي (حديقة خلفية لحكومة الوفاق الليبية، ومأوى فايز السراج) أو المجتمعي (ملف الميراث والزواج وما طرحه الرئيس التونسي مؤخرا…الخ) ليس وليد الصدفة أو اليوم، فيراد لتونس التى كانت بداية شرارة ما سمي بالربيع العربي، أن تنتطلق مجددا ولكن ليس بتظاهرات (الورقة المحروقة)، وللعلم قبل أن ينخدع المندفعون من أي بريق ظاهري، ما يحدث بتونس (فى وجهة نظرى المتواضعة التى قد تكون خاطئة) ليس بحراك مدني أو تحضر فكري أو محافظة على علمانية الدولة، أو ايا من المفاهيم والامور التى تفتقدها حقا مجتمعاتنا الاصولية للاسف، فتونس يراد لها أن ترتدي ثوب “العدالة والتنمية” (دمج بين العلماني والاسلامي، وضع نظام السلطة والاسلام السياسي فى معادلة واحدة) على غرار تجربة المغرب وتركيا، وهو الامر الذى تسير فيه الاردن الان سواء بعلمها أو دون علمها.

 

وكما دوما اقول لا يجب الأ ننسى أن تونس أصبحت ترمومتر لشمال افريقيا بعد 2011، على غرار لبنان (ترمومتر الشام) والبحرين (ترمومتر الخليج)، و”الترمومتر التونسي” عاد للعمل بشكله الجديد بعد زيارة الرئيس التونسي لروما فبراير الماضي، ثم دعوته لزيارة روما مجددا ولكن فى تلك المرة لحضور قمة “مجموعة دول السبع الكبار” بروما، ولافت الانتباه الاستقبال الهام الذى حظي به الرئيس التونسي، بعد لقاءه مع ترامب وماكرون وميركل على هامش القمة، فى واقعة لم تحدث مع أي رئيس من قبل تقريبا، فلماذا تونس التى وقع عليها الاختيار لحضور قمة G7 دون غيرها؟ مع العلم لا توجد دولة بالمنطقة على الصعيد الاقتصادي او السياسي او العسكري قد تكون جديرة بحضور مثل تلك المناسبة، وعند ذكر دولة ايطاليا يجب أن نضع فى الاعتبار دورها التأمري فى ليبيا، وكيف عملت دوما على تحييد تونس والجزائر بعيدا عن فريق مصر، الامارات، الاردن، فرنسا.

 

وبعيدا عن حقيقة علمانية تونس (صاحبة الرقم القياسي فى أرسال الجهاديين الى سوريا والعراق وليبيا، والتى كثيرين ما هددو سلفيين جنوبها بأستقلالهم عن الوطن)، فكل ما سبق لا يمنع من أن منطقة الشرق الاوسط التى تضج بها كافة الاصوليات مجتمعين معا سواء الاصولية السنية أو الشيعية أو اليهودية، تمر بها الان عاصفة عقلانية تنويرية تسير بهدوء بوسط صحراء الخليج وتعبر البحر الاحمر كي تطل على شمال افريقيا.

 

انها العاصفة العقلانية الاماراتية، الامارات التى شيدت معبد هندوسي على أراضيها من أجل مراعاة مشاعر العاملين بها من دول أسيا، فى وقت دول عتيقة بالمنطقة لم تعد قادرة على اعادة فتح ابواب كنائس امام أبناء شعبها الا بأذن وتصريح من المتطرفين، نعم أنها الامارات راجمة الصواريخ الاكبر والابرز على أمارة الارهاب قطر، بعد أن بات الطريق مفروش امامها بالورود لتقديم مشروعها الحداثي الحضاري على حساب مشروع قطر الظلامي الذي كان برعاية رئيس الولايات المتحدة الاسبق باراك اوباما.

 

الامارات التى بعد ساعة من زيارة الشيخ الحبيب الجفري للسودان تلغي وزارة التربية والتعليم بالخرطوم مادة التوحيد من منهج الصف الثالث السنوي، فى الوقت التى تضخ فيه الدوحة كل اموالها وسمومها لدارفور للعبث بالامن الليبي، وكنت اتمنى ان يخرج علينا الازهر الشريف كما علق على اجراءات الرئيس التونسي الاخيرة، ويقول لنا رأيه فى حاكم قطر، بعد أن قامت السلطات القطرية بمنع هبوط الطائرات السعودية بالدوحة لنقل الحجاج القطريين الى اراضي الحرمين الشريفين، وسعي حاكم قطر لتسييس فريضة الحج.

 

نعم أنها الامارات التى قال سفيرها بواشنطن يوسف العتيبة (وهو أحد مهندسي خنق تنظيم الحمدين الارهابي) في مقابلة على قناة PBS الأمريكية «إن سألت الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين ما هو الشرق الأوسط الذي يريدون رؤيته بعد 10 سنوات من الآن، فسيكون متعارضاً في الأساس لما تريده قطر، فما نريد أن نراه نحن هو حكومات علمانية مستقرة مزدهرة وقوية».

 

وعندما حاول صبيان عزمي بشارة ويوسف القرضاوي الاصطياد فى الماء العكر بعد تصريحات فارس وسفير الامارات بالولايات المتحدة، جاء الرد من عقلاء الامارات بصحف البلاد وفى مقدمتها صحيفة الاتحاد الاماراتية، توضيحا وتأكيد على ان العلمانية لا تستهدف الدين، بل كل من يحاول خلط الدين بالسياسة والمتاجرة به.

 

وأن تطلعتو على صحف قطر وتركيا (أحد اخطر منابع الاصولية) وما ستجدوه من تركيز خاص وهجوم شنيع على ابو ظبي تحديدا (الشيخ محمد بن زايد) دون غيره، ستعلمو وستدركو مدى صدق كلامي، بل ستتأكدو أن كلامي هذا بالقليل وليس به أي مبالغة.

 

نعم قد تكون الامارات ليست اقدم دول المنطقة كي تقود حركة فكرية بتلك الضخامة، ولكن من ينظر لعقل الامارات المتحضر المنشغل بالعمل، والداخل الاماراتي الذى يجمع أناس من كل البشر واللغات والالوان، والتأثير الرهيب لتلك الدولة فى كافة ملفات الاقليم والذى قد لا تراه بالعين المجردة، وثقلها السياسي المتزايد بكافة الاتجاهات، سيدرك أن الامر ليس صعبا على الامارات، وربما يستغرق اقل من 10 سنين لتغيير خريطة الشرق الاصولية.