السياسة الأمريكية قائمة تحديداً على صناعة الأزمات من أجل إنتاج واقع جديد ، والصناعة هنا لا تعني بالضرورة التدخل المباشر ، إنما تهيئة الأسباب التي تؤدي للأزمة أو السكوت عنها ثم تتدخل الارادة الامريكية في إنتاج واقع جديدة تحت ذريعة   “المعالجة” للواقع السيئ، أي الازمة ، صدام حسين لم يحتل الكويت دون إشارات مسبقة من قبل الإدارة الأمريكية أو إيحاءات على أقل تقدير بعدم التدخل إذا ما أقدم على الخطوة الرعناء تلك!. وعندما أحتل الكويت تدخلت الإرادة الأمريكية بشكل مباشر وجلبت الجيوش والأساطيل الحربية للخليج العربي تحت ذريعة تحرير الكويت من قبضة المحتل العراقي ، ثم تحققت الأهداف الأمريكية في السيطرة التامة على أغنى منطقة  مُنتجة للنفط في العالم!. وصار لزاما على الأوربيين والدول الأسيوية كي تحصل على البترول العربي ان يمرون من خلال الإرادة الامريكية ويحصلون على القبول الأمريكي!. بشكل أو باخر ، كما سيطروا الاميركيون على الممرات المائية الرئيسية في المنطقة الرابطة لحركة التجارة البحرية الدولية .

الولايات المتحدة أعادة إنتاج نفس السياسة عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عندما أعلنت الحرب على الإرهاب والدخول في حروب إستباقية جديدة تحت ذريعة حماية الأمن القومي الأمريكي ، الأمر الذي أتاح لها حرية التدخل في الدول المُصنفة على أنها داعمة للإرهاب!!!.

كما أن واشنطن أعادة إنتاج تلك السياسة من جديد مع إيران عندما أعلنت إدارة أوباما التوصل لإتفاق نووي مع طهران في وقت حرج تعيشه المنطقة شكلت فيه الإستراتيجية الإيرانية التوسعية جزءاً رئيسياً من تعقيده على المستوى الإقليمي والدولي ، والولايات المتحدة تعلم جيداً أن رفع العقوبات الإقتصادية سيؤدي لإنتعاش الإقتصاد  الإيراني، و ستزيد طهران من حجم الإنفاق المالي على سياساتها الخارجية الداعمة للإرهاب والتطرف وإنتاج الفوضى في المنطقة العربية والافريقية.

فوبيا داعش وماعش …مفاتيح رئيسية لإعادة إنتاج خارطة جديدة

قال مدير الإستخبارات الوطنية الأمريكية جيمس كلابر في مقابلة مع قناة ” سي ان ان ” ان تنظيم داعش الإرهابي قادر على شن هجمات على الولايات المتحدة مماثلة لتلك التي وقعت في باريس وبروكسل في أوربا. بما أن فوبيا داعش فاقت فوبيا القاعدة ، فتلك أقامت كياناً لها على مساحات واسعة من أراضي العراق وسوريا وتسعى للسيطرة على  مزيد من الأراضي تضمها تحت عباءة الخليفة!!!.على الجهة المقابلة هناك ” ماعش” وهي الميليشيات وفوق الموت التي تقودها طهران في حرب مصيرية لبسط النفوذ الإيراني على مناطق واسعة تقع على الحدود الاردنية والسورية مع العراق ، ضمن السياسة الإستراتيجية التوسعية لإيران لفرض النفوذ  على المناطق المتاخمة على دول الخليج العربي ، لتدعيم المعسكر الإيراني الروسي بالمنطقة.

الولايات المتحدة تركت إيران تعبث من جهة وداعش تتوسع من جهة أخرى ، من أجل إتساع نطاق الأزمة الاقليمية التي ستؤدي بنهاية المطاف لإنتاج واقع جديد من خلال إعادة تقسيم المنطقة حتى في مرحلة ما بعد داعش ، فالخيار الدولي سيتبع سياسة تقضي بأعادة إنتاج واقع جغرافي جديد. ربما لا ينبغي ان نرفض المبدأ من الأساس ، أي إعادة رسم خارطة جديدة بالمنطقة ، خاصة وان الحدود القائمة حالياً هي نتاج معاهدات دولية قسمت المنطقة العربية ، لكن في نفس الوقت لا ينبغي على العرب القبول بأن تصاغ الخارطة الجديدة على أسس طائفية تؤدي لمزيد من الضعف والإنقسام في المجتمع العربي ، كما لا يفترض ان يتقاسم الكبار مناطقنا ويوزعون ثرواتنا عليهم والعرب يتفرجون كما حصل في الماضي ، إنما ينبغي على القوى العربية كمصر والسعودية ودول الخليج العربي والاردن والمغرب والسودان ان يوحدوا جهود العرب في مشروع قومي عربي من أجل التصدي للمشروع الإيراني وعدم التفريط بالشيعة العرب لصالح إيران ، وكذلك العمل بجدية تامة من أجل إسترجاع الحق العربي المغتصب من قبل إيران ، الأحواز والجزر العربية الاماراتية الثلاث ، و دعم مشروع دولي لإنقاذ العراق من الأزمات التي تعصف به يميناً وشمالا ، إذ لا يجوز أن يترك العراق ، ثان أكبر دولة عربية بعد مصر ، مترنحاً بين أحضان الإيرانيين والاتراك والأمريكيين ولربما سنشهد تدخلاً روسياً في العراق في المستقبل القريب .