ميثاق مناحي العيساوي:
وفق المهلة التي حددت له، قدم السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي كابينته الوزارية المرتقبة لمجلس النواب العراقي يوم الخميس 31/3/ 2016، بعد موجة الاحتجاجات والاعتصامات من قبل أنصار زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” واعتصامه داخل المنطقة الخضراء، بمباركة ودعم غير معلن من قبل المرجعية الدينية العليا، ومساندة التيار المدني وكثير من طبقات المجتمع العراقي وشرائحه المختلفة.
وقد حدد مجلس النواب العراقي مهلة عشرة أيام للتصويت على الكابينة الوزارية الجديدة “التكنوقراط”، وهي المهلة التي تريد بواسطتها القوى السياسية والأحزاب دراسة السّيَر الشخصية للوزراء المرشحين ومدى مقبوليتهم، كما هو معلن. وعلى الرغم من الرفض المبطن من قبل القوى السياسية لهذه التشكيلة الوزارية، إلا أنها أرغمت على ذلك.
وربما هذه المدة (الـ 10 أيام) ستحاول القوى السياسية من خلالها المناورة السياسية بين أطراف العملية السياسية ووضع الخطوط الحمراء على بعض الأسماء المرشحة، وقد تحاول بعض القوى -ولاسيما الكردستانية- تقديم أسماء مرشحة من قبلها، مما ينذر بتعقيدات كبيرة في مسألة التصويت على الكابينة الوزارية الجديدة وتشكيك ومماطلة من بعض القوى.
لكن في نهاية المطاف ستكتسب هذه التشكيلة ثقة البرلمان حتى وإن تغيرت بعض الأسماء كما هو متوقع؛ بسبب ضغط الشارع والجمهور. لكن هذه المرة ربما تكون الاعتصامات والمظاهرات بطريقة مختلفة، وهذا ما بدأ واضحاً بخطاب الصدر الاخير الذي ألقاه بعد الإعلان عن التشكيلة الوزارية الجديدة “التكنوقراط” على الرغم من ارتياحه وتأييده للخطوة التي قام بها رئيس الوزراء، والتي وصفها بالخطوة الشجاعة.
لكن في حال حصلت الكابينة الوزارية الجديدة على ثقة البرلمان – كما يتوقع كثيرون – فهل ستمهد هذه الخطوات السياسية إلى مرحلة سياسية جديدة في العراق؟، أم أن القوى السياسية والأحزاب ستراهن على إفشال هذه الكابينة بالواقع العملي بعد تمريرها داخل قبة البرلمان؟؛ لكون أن أغلب هذه القوى متنفذة داخل مؤسسات الدولة، ومعظمها تمتلك وسائل إعلامية كبيرة مقابل ضعف وغياب الإعلام الوطني والحكومي، وهذا قد يشوّش عمل الكابينة الوزارية، ولاسيما أن هذه القوى تعلم جيداً بأنها ستكون في طي النسيان في حال نجحت الكابينة الوزارية الجديدة في تقديم شيء واضح وملموس على الواقع السياسي والخدمي والأمني والاقتصادي. ولهذا فهي – أي القوى السياسية – أمام خيارين،
الأول: أن تعطي الثقة للكابينة الوزارية الجديدة في البرلمان، إلا أنها ستحاول إفشالها في الواقع العملي، وهذه مراهنة خاسرة؛ لأن الجميع سيخسر.
والثاني: إعطاء الثقة للكابينة الوزارية ومن ثم العمل على التأقلم والتعايش مع الواقع الجديد ومحاولة تثقيف نفسها ضمن المنظومة السياسية الجديدة بعيداً عن التخندقات السياسية والعرف السياسي الذي تثقفت عليه هذه الكتل طيلة الـ (12) سنة الماضية. وربما بعض هذه القوى السياسية ستكون مدعومة برؤى إقليمية مؤدلجة تحاول من خلالها إعاقة التحولات السياسية الجديدة.
العشرة أيام القادمة ربما تكون كفيلة بوضع اللبنة الأولى لمرحلة سياسية جديدة في حال استمر الضغط الشعبي والجماهيري على الحكومة والبرلمان والكتل السياسية، واكتسبت الكابينة الوزارية الجديدة ثقة البرلمان. لكن هذه الخطوة بحاجة إلى خطوات أخرى، متمثلة بالتغيير الوزاري الشامل غير المقتصر على الوزراء فقط، فهناك الوكلاء والمدراء ورؤساء الهيئات المستقلة، وهناك القيادات الأمنية، ومجلس القضاء الأعلى، وغيرها؛ ولهذا فإن تقديم تشكيلة وزارية جديدة وشاملة لكل الوزراء ونوابهم والوكلاء ورؤساء الهيئات مدعومة بسلطة رقابية قوية وصارمة غير فاسدة ومجلس قضاء مستقل بشكل تام، ربما ستظهر بوادرها الإيجابية بمدة وجيزة خلال الستة أشهر القادمة.
على مايبدو أن الشعب العراقي فهم اللعبة السياسية التي قادت البلد إلى الهاوية، ومن ثم لا يمكن أن يسمح للقوى السياسية وسلطة الأحزاب أن تعبث بأمن البلد واستقراره السياسي والاقتصادي والاجتماعي أكثر من ذلك. وعليه، لا خيار أمام البرلمان والقوى السياسية إلا أن تصّوت لصالح التغيير الوزاري الجديد، وأن تدخل المرحلة السياسية الجديدة بهذا التصويت، وتحاول تأطير نفسها ضمن هذه المرحلة منذ البداية، والابتعاد عن التسويف والمراهنة على الوقت؛ لأن البديل عن ذلك ربما يكون خطر الفوضى الذي يهدد العملية السياسية العراقية برمتها.
هذا التغير الشامل البعيد عن المحاصصة الطائفية والحزبية، سيحرر الوزير من سلطة رؤساء الكتل ومن سلطة الحزب والطائفة، فالنجاح نجاح للوزير ووزارته. أما التقصير والفساد في الوزير ووزارته، فسيضعه أمام المسؤولية والرقابة القضائية والنزاهة بدون غطاء ودفاع من قبل الكتل السياسية كما كان سابقاً. وعليه، فإن هذه الشفافية في العمل ستكون بمثابة سيف مسلط على رقاب كل الوزراء ورؤساء الهيئات ومؤسسات الدولة، مما يجعل المهنية والكفاءة والنجاح المعيار الوحيد لتقييم عمل الوزارة، ويجعل المسؤولية مباشرة على الشخص المعني؛ لأن ثقافة مابعد 2003 ولمدة 12 سنة الماضية، كانت القوى السياسية والأحزاب تشكل حاجزا كبيرا في محاسبة المقصر، مما قاد مؤسسات الدولة إلى حالة من الترهّل.
وربما هذه الكابينة الوزارية الجديدة قد تسدل الستار على تلك الثقافة السلبية التي أنتجت الوضع العراقي الحالي، في حال خرجت بشكل حقيقي من إطار الاتفاقات السياسية والمحاصصة الطائفية والحزبية.
وعلى الرغم من أن أغلب التوقعات تشير إلى اكتساب الكابينة الوزارية ثقة البرلمان خلال الأيام المتبقية، إلا أن أكبر التعقيدات السياسية ستكون من قبل الكتل الكردستانية وربما أيضاً القوى السياسية السنية. فالكرد رافضون للتغيير الشامل منذ البداية، وهذا ما أكده مسعود برزاني بقوله: “التغير الوزاري لا يهمني، وهذا شأن داخلي بحكومة بغداد”، وحذر من تغيير وزرائه، ولاسيما وزير المالية.
وعليه، فاليوم أمام حكومة بغداد تحد آخر مع الإقليم، وعليها فضّ الشراكة مع الإقليم بخيارين لا ثالث لهما: إما الاندماج مع حكومة بغداد بعيداً عن النزاعات القومية وإثارة الأزمات، وإما الانفصال وإعلان الاستقلال؛ لأن بقاء الإقليم على ماهو عليه اليوم ولمدة (12) عاما من إثارة أزمات وخلق مشاكل ومحاولة فرض رؤية الاقليم على الحكومة المركزية والتعامل وفق سياسة الأمر الواقع وسياسة “فرّق تسد”، والنظر إلى الشركاء السياسيين في بغداد على أنهم شركاء ضعفاء، لا يمكن أن تدوم للأبد، وبدأ الجميع يعي السياسة الكردية اتجاه حكومة المركز، ولهذا فوضع القيادة الكردية أمام أحد هذين الخيارين خطوة مهمة وداعمة للتغيير الوزاري في الحكومة العراقية؛ لأن القيادة الكردية تعودت طيلة المدة الماضية على أنها هي من تملي وتضع الشروط على حكومة بغداد.
ولذلك، هناك جملة من الإصلاحات يمكن للحكومة العراقية التدرج بها بدءا من التصويت على الكابينة الوزارية خلال العشرة أيام القادمة الى تغيير الوكلاء، والمستشارين، والمدراء العامين، ورؤساء الهيئات المستقلة خلال شهر، وفتح ملفات الفساد ومحاسبة المقصرين والفاسدين منذ العام 2003، وتعديل الدستور، وتشريع بعض القوانين الأساسية لبناء الدولة وإعادة هيكلة مؤسساتها، وإعادة النظر في بعض القوانين التي شرعت من قبل، ولاسيما قانون الانتخابات وقانون الأحزاب وغيرها، وبناء المؤسسة العسكرية بشكل صحيح بعيداً عن التسييس والتحزّب والمحاصصة.