صديق لي نصحني يوما بان لا اتناول اية شخصية سياسية بشكل مباشر في مقالاتي لان هذا ليس في صالح العملية السياسية التي علينا ان ندعمها بكل الوسائل الممكنة كي يتجاوز الوطن المحنة التي يمر بها، ناسيا بأن المحنة التي يتحدث عنها عمرها تجاوز العشرة اعوام وان الذين يطيلون عمر المحنة هذه هم انفسهم الذين تصدوا لانهائها منذ اليوم الأول للاحتلال وليومنا وفشلوا في حلها فشلا ذريعا وان لا افق في حلها ما داموا متفقين فيما بينهم على توزيع المغانم من خلال سلال اتفاقياتهم، التي يعيدون ترتيبها دوما في مواسم الانتخابات عن طريق تأزيم الوضع السياسي والذي ينعكس بشكل كبير على الوضع الامني مما يساهم مساهمة كبيرة في الاستقطاب الطائفي الذي هم بحاجة ماسة اليه لتجاوز مرحلة الانتخابات بسلام.

 

وبدوري سألت صديقي هذا سؤالا حول ردة فعله وشعوره لو انه فشل في تأدية مهمة موكلة اليه بعد عشرات المحاولات ان لم تكن المئات ولسنوات ليس امام الاخرين بل امام نفسه وشكل ذلك الشعور. فأجابني وبمرارة بعد ان سحب نفسا عميقا كاد ان يحرقه انه سيشعر بالخجل ان لم يكن بالعار لفشله هذا لانه انسان واع ومتعلم وحتى لو كان اميا والكلام لازال له فعليه ان يتعلم من عدد المحاولات وطول المدة هذه شيئا ولو بسيطا على الاقل. عندها اجبته وردا على نصيحته “تحذيره” من انني كي لا اشعر بالعار قررت ان لا اخجل من نقد اي “سياسي” مهما كان حجمه ومركزه في المافيا لانهم جميعا لا يخجلون على الاطلاق، لذا تراهم يكذبون في كل الامور مهما كان حجمها ودون اي خجل لا من وازع اخلاقي لان الاخلاق اصبحت بضاعة بالية وكاسدة في عرف المافيا ولا من وازع ديني لان الدين تجارة ليس الا.

 

ولهذا السبب انتخبت عنوان مقالتي اليوم لتتناول شخصية لها ثقلها الكبير في السلطة “المافيا” العراقية اي الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية عدنان الاسدي “ابو حسنين” وهو في الوقت نفسه قيادي من الصف الاول في حزب الدعوة الحاكم ويد المالكي وعينه في ضرب ومراقبة مناوئيه. وسبب تناولي اياه في هذه المقالة هما امران اثنان ومرتبطان ببعضهما بشكل كبير، وهما ترخيص وقبضة “امنية” والتي حوّرتها لتكون عجزا “امنيا” لانها بنظري هي الاقرب للحقيقة من كلمة قبضة “امنية” لغياب الامن حتى عن المنطقة المقدسة “الخضراء” احيانا.

 

 “كان” من المقرر ان تخرج مظاهرة دعت اليها منظمات شبابية واخرى من المجتمع المدني في 31 من الشهر الجاري ليس لاسقاط النظام ولا حتى لاصلاحه “لغياب العطار” بل لالغاء تقاعد البرلمانيين ونواب الجمعية الوطنية واعضاء مجالس المحافظات والاقضية والنواحي لما تسببه هذه الرواتب الخرافية من ثقل على كاهل الميزانية وبالتالي على كاهل المواطن. وعوضا عن ان يسارع الاسدي منح المتظاهرين التراخيص القانونية للتظاهرة وفق ما حدده الدستور العراقي كحق من حقوق المواطن خصوصا وانه يعيش في ظل دولة قانون حزب الدعوة من جهة، ولان التظاهرة ليست عدوانية ضده ولا ضد حزبه بل هي لسلب اللصوص حقهم بالسرقة مستقبلا من جهة اخرى، رأيناه يقف مستأسدا ورافضا منح منظمي التظاهرة الترخيص اللازم لها دون ذكر اية اسباب والتي بنظري لا تحتاج الى جهد كبير لمعرفتها بعد ان شاهدنا طريقة قمع قوات حزب الدعوة للتظاهرات التي سبقتها، والتزام نفس هذه القوات الصمت المطبق والغريب لمظاهرات الصدريين وعصائب اهل الحق وتلك التظاهرات التي خرجت لنصرة مختار العصر اي المالكي من دون اية موافقات رسمية وبحماية القوى الامنية لحزب الدعوة ، اضافة الى عجزه عن انهاء تظاهرات المنطقة “السنية” والتي استغلتها قوى ارهابية ومعادية للعملية السياسية لتجعل اسقاط النظام هدفا اساسيا لها!!

ان منع تظاهرة ال31 من آب القادمة عن طريق عدم ترخيصها رسميا او قمعها عن طريق الاعتقالات واحاطة ساحة التحرير والطرق المؤدية اليها بقوات حزب الدعوة والاسلاك الشائكة تعني من بين امور عدة، خوف السلطة من اية تظاهرة مطلبية تنطلق من ساحة التحرير تحديدا لما لها من رمزية نتيجة تغيير العديد من الحكومات في تظاهرات انطلقت من ساحات تحرير تلك البلدان، ومنها حماية السلطة للصوص وتأمينهم من اية محاسبة قانونية ليحتفظوا برواتبهم الخرافية لان رجال السلطة انفسهم هم مشاريع مستقبلية لنهب رواتب تقاعدية بنفس الحجم، كون عصابات الجريمة المنظمة قد تختلف فيما بينها حول نسب السرقة لكنها لا تختلف مطلقا حول مبدأ السرقة. ولا ادري الى متى يستطيع الاسدي وارباب نعمته من سجن المارد الجماهيري داخل قمقمه، والا يحسب حساب ذلك اليوم الذي ينزع المارد الحبيس لباسه الطائفي لينطلق في فضاء الوطن وليس غيره، هذا كان الامر الاول في المقالة .

 

اما الامر الثاني فانه يرتبط الى حد كبير بمنع التظاهرة نهاية آب الجاري ولكن بطريقة تضحك الثكلى بعد ان اكدت وزارة الداخلية التي يديرها “ابو حسنين” بالوكالة احكام قبضتها على الشارع. “يا الهي” عن اي قبضة  تتحدث الوزارة والخروقات الامنية والاغتيالات والتفجيرات وقتل الابرياء امام الكاميرات اصبحت سلعة عراقية يومية واصبحنا كما يقول المثل العراقي “فرجه للرايح والجاي”، هل تعي وزارة الداخلية ما جاء في بيانها من ترهات ؟، وهل تستطيع الوزارة ان تضحك على ذقون الناس الى هذا الحد ؟ ومن منحها هذا الحق الذي هو الباطل بعينه ؟.

ان الوزارة لا تريد ان ترى ابعد من ارنبة انفها في معالجة الملف الامني الذي يسوء يوما بعد يوم على الرغم من الامكانيات المادية والبشرية الهائلة التي خصصت لها.

السيد الاسدي ارى من الضروري منح وزارتكم ميدالية ذهبية بالفشل المزمن ولو كانت هناك ميدالية من نوع آخر اكبر من الذهب لكنتم قد حصلتم عليها.

احترموا عقولنا قليلا كي نحاول ان نحترمكم وقولوا ان بيانكم حول احكام قبضتكم على الشارع يعني منعكم لاية تظاهرة مطلبية وخوفكم منها، لانني واثق ان الخرق الامني الذي سيبدد تصريحاتكم ذات الوزن الثقيل والتي لا تتحمله كواهلكم قادم، ليس “لقوة” الارهابيين بل لضعفكم الذي لمسناه منذ سنوات.

 

هناك من يرى نفسه امام المتظاهرين اسد كبير وهناك من يراه الاخرون امام الارهابيين ارنب صغير