في بلدٍ قدر لأرض جنوبه أنَّ تكون مهداً للحضاراتِ الإنسانية، فضلاً عن ظهورِ أول حرف نير للبشريةِ على أديمِها، تتنامى في حاضره حيثيات ما يحتمل من خلافاتِ الأهل، الذين ما عرفوا عبر تأريخهم الطويل إلا بالتوادِ والتراحم وحسن التعايش، لتتجاوز مديات هذه الظاهرةِ روح التسامح وسلوك الحوار بالحكمةِ، وصولاً إلى مستوى خطير على أمنِ المجتمع وسلامته بما تجسد في الركونِ إلى خيارِ النزاعاتِ العشائرية المسلحة سبيلاً ومنهجاً رئيساً لحلحلةِ ما يظهر من اختلافات، التي كثر ما يكون ضحاياها من الأبرياءِ أو الفقراء.

إنَّ تماديَ أصحاب الرؤى الخاصة بتكييفِ خلافات أو مشكلات محتملة الوقوع، وتوظيفها بقصدٍ أو من دونه لإشعالِ فتيل صدامات بشكلٍ جمعي عبر السعي لاستنهاضِ همم أفراد العشيرة، ودفعها في مساراتِ العنف التي تلزم طيف واسع من القبيلةِ التحشد لخوضِ غمار صدامات مسلحة لا تخلو من مأساويةِ في النتائج، يشكل في أعوامِ الألفية الثالثة شرخاً كبيراً في ثقافةِ السلوك التي تؤشر تدنياً في الوعي المجتمعي لأهميةِ سيادة سلطة القانون. ولعل ما تكرر من نزاعاتِ محافظة البصرة العشائرية خير مصداق على هذا التصور، حيث أفضتْ هذه النزاعاتِ إلى الشروعِ باستخدامِ مختلف الأسلحة المتوسطة والخفيفة، فضلاً عن قطعِ الطرق العامة المؤدية للمحافظاتِ الأخرى، إلى جانبِ التجاوز على الممتلكاتِ العامة والإضرار بمصالحِ المواطنين، مثلما حصل قبل أيام عدة في منطقةِ الماجدية التابعة إلى مدينةِ الكَرمة شمالي المحافظة حين تسبب نزاع قبلي نشب بفعلِ خلاف ما بين أفراد ينتمون لعشيرةٍ واحدة بإصابةِ منتسب في الشرطةِ الاتحادية أثناء اشتراكه مع قوةٍ أمنية جرى إرسالها لغرضِ فض النزاع، بالإضافةِ إلى التسببِ بإحراقِ محطة الكهرباء التركية.

هذه الواقعةِ المؤسفة، تزامنت مع نزاعٍ عشائري شرس اندلع ما بين عشيرتين في قضاءِ الميمونة بمحافظةِ ميسان كان من نتيجته مقتل مواطن وجرح أثنين آخرين، فضلاً عن إحراقِ عدد من المنازلِ العائدة لمواطني أحد العشيرتين المتخاصمتين، الأمر الذي دفع بكثيرٍ من المواطنينِ في ميسان وبعض المحافظات الأخرى، ولاسِيَّمَا الذين تعود أصولهم إلى مدينةِ الميمونة، توجيه نداء عاجل عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى الشخصياتِ الاجتماعية المؤثرة في المجتمع الميساني المتمثلة بالسادةِ وشيوخ العشائر ووجهاء المدينة للتدخلِ من أجلِ إطفاء نيران هذه الفتنةِ الأليمة، في إشارةٍ إلى ضعفِ إجراءات الأجهزة المعنية بإشاعةِ الأمن والمحافظة على أرواحِ المواطنين وسلامة مصالحهم وممتلكاتهم، التي ساهمت بنموِ عناصر البيئة الخاصة بوقوعِ هذه المحنة في مدينةِ عاش أهلها منذ عقود طويلة من الزمانِ متآخين ومحبين لبعضِهم البعض.

هذه الظاهرةِ المستهجنة التي أدخلت بغداد وبعض المحافظات في أوقاتٍ متباينة بتوتراتٍ تعكس تعرض الأهالي لأزماتٍ كبيرة تكتنف حياتهم اليومية، ما كانت لتحدث لولا استثمار بعض المواطنين غياب سلطة القانون في التجاوزِ على القانونِ وإشغال الأجهزة الحكومية بمهامٍ يمكن ادخار متطلباتها لإدامةِ المعركة مع عصاباتِ ( داعش ) الإرهابية!!.

في أمانِ الله.