في ملتقاه الاسبوعي مع اتباعه ومؤيديه ، والذي غالبا ً ما يستغلــّه لارسال اشارات سياسية للقوى والاحزاب الحاكمة ، ذكر الاستاذ عمار الحكيم مدير عام المجلس الاسلامي الاعلى ان الحكومة العراقية قد خطت خطوتين بالاتجاه الصحيح باقرارها قانون الحرس الوطني والغاءها قانون المساءلة والعدالة . أي ان الحكومة بدأت بهاتين الخطوتين مشوار الالف خطوة الذي يبدوا ان الاستاذ الحكيم وباقي الاساتذة في شركات الأئتلاف هم وحدهم من يعرفون نهايته دونا ً عن باقي العراقيين.
منذ ان أسقط الامريكان نظام صدام المتهريء غصـّت الساحة السياسية الشيعية بالعشرات من ( الدكاكين ) التي تطلق على نفسها احزاب او حركات وبدأ تجار هذه الاكشاك بمحاولة استمالة الشارع الشيعي بالعزف على وتر المظلومية وما اصابنا من حيف طوال عقود على يد النظام الجائر . استمال هؤلاء الباعة الناس الى صفهم بعد وعود وايمانات غليظة اقسموها انهم لن يسمحوا مرة اخرى بعودة القتلة البعثيين الى سدة الحكم ، وتم تهييج الشارع الشيعي لدرجة ان تسقيط أي منافس لهؤلاء الباعة كان يحتاج فقط لان يـُـشاع عنه انه بعثي ولو كذبا ً فتلك التهمة كافية لاسقاط أي سياسي شيعي ، كذبوا علينا وصرفوا ملايين الدولارات بما سمــّوه بتوثيق جرائم البعث و المقابر الجماعية واقامة المؤتمرات وارسال الوفود لدول العالم لعرض ما أجرمه البعثيين بحق شيعة العراق.
ولما استـتـّب الامرلهم ، مسحوا كل شيء بطــــ….. ووضعوا ايديهم بايدي نفس البعثيين والقتلة الذين رفعهم شعبنا لمناهضتهم وابعادهم عن كواهلنا.
يقيني ان الاستاذ الحكيم و الاستاذ مقتدى الصدر كانا طفلين ايام حدثت الانتفاضة الشعبانية المجيدة ، وربما لم يتسنى لهم ان يسألوا احد كبار السن ممن حولهم عما حدث في تلك الايام السوداء فلا بأس ان نزوّدهم ببعض المعلومات لعلها تفيدهم في قابل الايام
المعلومات التي سأذكرها هنا استقيتها من موسوعة ( ويكيبيديا ) وهي للعلم فقط موسوعة غربية لا علاقة لها بطائفة او دين ، من المعلومات التي تذكرها الموسوعة عن الحرب العالمية الثانية والتي اشتركت فيها 59 دولة هي دول الحلفاء والمحور، ساخذ نموذجا ً واحدا ً منها وهي بريطانيا العظمى او كما كان يقال ( الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس ) كان عدد نفوس انكلترا عندما دخلت الحرب هي سبعة واربعين مليون وسبعمائة وستون الف نسمة والحرب العالمية الثانية وكما معروف استمرت ستة سنوات كاملة منذ ايلول 39 حتى ايلول 45 اي حوالي 2190 يوما ً ، تقول الموسوعة ان بريطانيا العظمى قدمت خلال الحرب الكونية الثانية ثـلثماية وثلاثة وثمانين الف وثمنماية قـتيل اي بمعدل مئة وخمسة وسبعين قتيل يوميا ًبضمنهم اقليم ماوراء البحار .
لنقارن هذه المعلومة بمعلومة اخرى اعطتها ويكبيديا عن الانتفاضة الشعبانية المجيدة التي حصلت عام 1991 ، تقول موسوعة ويكبيديا ان نفوس العراق عام 91 كان حوالي تسعة عشر مليون نسمة اي قرابة ثـلث نفوس انكلترا عندما دخلت الحرب وان وسط وجنوب العراق فقط ( اي ليس كل العراق ) يعني بشكل ادق ( شيعة العراق ) قدموا خلال ( 14 ) يوما ً ثـلثماية الف شهيد بمعدل واحد وعشرين الف واربعماية شهيد يوميا يعني اذا كانت شيعة العراق حوالي 65% من نفوسه فان عددهم عام 91 كان اثنا عشر مليون وثـلثماية وخمسون الف مواطن وبحساب نسبة ما قدّمه الشيعة الى عدد نفوسهم نكون قد قدّمنا في اسبوعين 0.02% من كامل عدد شيعة العراق في حين لو عملنا نفس العملية الحسابية بين قتلى انكلترا وعدد نفوسها سنجد ان ما قدّمه الانكليز خلال ( ستة سنوات كاملة ) هو قرابة 0.007% من عدد نفوسها . انكلترا قدّمت هؤلاء القتلى في حرب اشترك بها 59 جيشا ً في حين قدّمنا هذا العدد تحت سياط قوات الحرس الجمهوري العراقي ،اي تحت قصف (جيشنا الوطني)!!!!
اوربا الغربية وبعد مضي اكثر من ستين سنة على نهاية الحرب ما تزال ( تجتث ) الحزب النازي والنازيين وتلاحقهم لترميهم في السجون . رغم ان النازيين وبعد انهيار الجيش الالماني هربوا الى انحاء العالم وحاولوا المستحيل للابتعاد عن الناس والحياة العامة لمجرد النجاة بحياتهم مع ذلك فمازال الاوربيين يلاحقونهم ويرموهم في السجون ولم نسمع من يتجرأ ان يطالب بالعفو عنهم وليس اعادتهم للحياة السياسية ، ففي العام الماضي مثلا ً حكمت محكمة المانية على ( هاينريش بوري ) البالغ 88 سنة بالحبس مدى الحياة لاتهامه يوم كان ضابطا ً في الشرطة السرية بقتل ثلاثة مدنيين ، رغم ذلك فلم تشفع له سنوات عمره التي قاربت التسعين أو التقادم في عمر الجريمة التي مضى عليها اكثر من ستين سنة ونال هذا العقاب القاسي ، ولولا ان اوربا تمنع الاعدام لحكم عليه بالاعدام . يا ترى لو قدمت انكلترا يوميا ً 21000 قتيل من ابناءها ضحايا للنازيين ماذا كانت ستعمل؟ وهل يمكن ان يسمح احد لنفسه باطلاق كلمة مصالحة مع النازيين في اي بقعة من اوربا ؟ علما ً ان البعثيين وبعد سقوط صنمهم لم يبتعدوا أويهربوا من العدالة بل حملوا السلاح وامعنوا قتلا ً في نفس ضحاياهم الذين يقتلوهم منذ عام 63.!!
في عام 1963 وبعد سيطرة عصابة البعث على حكم العراق بعد توافق دول عربية ودول اوربية ضد الزعيم الشهيد / عبد الكريم قاسم كان البعثيين هم اليد التي ضرب بها اعداءنا مسيرة العراق انذاك ، يومها شكـّل البعثيين اول مليشيات مسلـّحة هي ( الحرس القومي ) الذي مازال العراقيين يروون قصص سوداء من تاريخ هذا الحرس الفاشي ، وبعد عودة البعثيين للسلطة عام 68 اعادوا تجربة الحرس القومي ولكن على مديات اوسع فشكـّلوا الحرس الجمهوري والالوية الخاصة وفدائيي صدام وحتى اجهزة الامن والمخابرات اقفلوها حصرا ً لمناطق معينة هي اليد التي يبطش بها النظام ، بعد سقوط النظام وتشكيل التجربة الجديدة حمل البعثيين والمتعاونين معهم السلاح في وجه الدولة واعتبروا الشيعة هدفا ً مشروعا ً للقتل والانتقام وزجوا بمتعاونين معهم داخل العملية السياسية لتخريبها والحصول على اية مكاسب لهم ، وقتلوا منــّـا منذ السقوط حتى اليوم اضعاف ما قتلوه وهم في السلطة . في بداية تشكيل الشرطة الاتحادية اطلق عليها اسم الحرس الوطني ، لكن من كانوا يسمونهم المقاومين في المحافظات التي سميت لاحقا ً بالمنتفضة اطلقوا على هذا الحرس اسم ( الحرس الوثني ) وجعلوه هدفا ً لعملياتهم العسكرية دون الامريكان لمجرد ان الشيعة كانوا هم الاغلبية في هذه التشكيلات بعد ان عزف عنها ابناء المناطق السنية ، اليوم صاروا هم انفسهم من يطالب بالحرس الوطني ولكن ضمن شروط وتوصيفات خاصة وضعوها هم انفسهم ، انهم يريدون اعادة الحرس القومي او الحرس الجمهوري او فدائيي صدام ليعيدوا ما برعوا به طوال خمسة عقود ونصف وهو قتل العراقيين ، ويبدوا ان ساستنا ( اصحاب الوثيقة ) قد اتفقوا معهم على كل شيء. وربما هذه هي الخطوتين التي يباركهما الاستاذ / الحكيم ، فاذا كانت هذه خطواتكم واذا كنتم بهذه الخطوات ستبدأون انجازات حكومتكم فاعلموا ان طريقنا ليس نفس طريقكم .. طريقنا عبّدناه باجساد عشرات الالاف من شهداءنا نساء ً ورجالا ً اطفالا وشيوخ .. طريقنا رويناه بدماء خيرة شبابنا الذين استباحت دماءهم قطعان الموت والخراب الذين تضعون ايديكم في ايدي ملثميهم اليوم ، ومن المؤكد ان طريقنا ليس طريق الانبطاح والمكاسب الغير مشروعة والفساد والسحت الحرام الذي تسلكوه ..ولاننا نؤمن بالمثل الذي يقول (( لا الماي يروب … ولا .. البعثي.. يتوب )) فاننا نؤمن انهم لن يتغيروا مهما بدّلوا من ثياب ووجوه ، فان كنا ورغم تضحياتنا فيما مضى غير قادرين على ابعاد البعثيين عن حكم العراق ، فنحن اليوم وبكل ما نملك من عزيمة ورجال وسلاح لن نسمح لهم بمجرد الحلم للعودة لحكمنا ولن نسمح لاحد كائنا ً من كان ان يسهـّل لهم العودة من جديد ، والايام بيننا …
بقلم: جمال الطائي