صفحات مُشرقة عن (ألفيلسوف ألكونيّ):
كتب الأستاذ السيد ح. الموسويّ, صفحات مشرقة عن الفيلسوف الكونيّ, وفي الوقت الذي نشكره على هذا الجهد المفيد ننشره أيضاً لتعميم الفائدة:
تتجلّى خطورة – ألبعد آلمادي في حياة البشر, خصوصا في الغرب عندما يتجَرّد فيه آلأنسان عن بُعدهِ آلرّوحي و آلفكريّ في تعامله مع الأنسان والطبيعة وخالق الوجود, خلال معركة الحياة الصعبة خصوصاً في بلاد ألغرب ألمتطورة مادّياً و تكنولوجياً والمتأخرة في الجانب الوجداني والأخلاقي, لأنّ آلمادّة لا تُمثّل حقيقتنا الأساسية بل تمثّل قمّة الأنحراف و الخطر الأكبر المُميت لوجدان الأنسان حين تُستغلّ بشكل خاطئ بعيداً عن القيم لأغراض شيطانيّة, لأنّ آلأصل في الأنسان هو آلقلب و ما يحويه في ضميره آلباطن و وجدانهُ – بآلطبع نقصد الحكومات و الأنظمة في بلاد الغرب و حتى الشرق بآلدرجة الأولى فهي المسؤولة وليست الشعوب المغلوبة – ورغم هذه آلمأساة .. لكن فيلسوفنا العظيم لم يستكين و لم يستسلم في مسيرته أثناء آلبحث عن ضآلته جنبا إلى جنب في الكد للحصول على لقمة آلخبز بآلحلال! لهذا بقي غريباً بحقّ .. عن آلدّيار و آلآثار و آلأصول و الجذور والقوانين الوضعية, لكن طباعهُ الشرقيّة بقيت الأصل الذي يُعرّفهُ بعد لجوئه لكندا للعلاج حيث أثقلته الآلام والأمراض المختلفة!

في تلك البلاد الواسعة طالع بشغفٍ و بدقة أسباب وجذور محنة آلأنسان و وجهته المعاصرة وسط زبرجة الحياة و المدنية و صوت التّحرر الظاهري للأنسان, و قارنها مع قصة آلفلسفة و آلوجود, و أصل آلأفكار و دواعيها, و آلصراع آلأزلي بين الخير و آلشر, و علّة تفنّنْ آلأنسان في آلأستغلال و آلتسلط, و نشأة آلكون و أصل آلوجود, و نظرية ألـ (ألبَك بَنك), و حقيقة المادة ونشأتها و مكونات الذرة و آلزمن .. و سبب “قَسَم” آلله تعالى بـ ” آلعصر”؟ و هل يتقدم أم يتأخر مع آلحركــــة؟ يزيدُ أم ينقص مع إســتمرار آلحياة؟ ثم أسرار و مقياس آلجّمال في آلوجود! و علاقة آلقلب مع آلعقل, و آلجسم مع آلروح, و رابطة تلك القوى آلمجهولة مع آلنفس, و علاقة الكَوانتوم في تحديد المعادلات العلمية وتأثير عامل الزمن النسبي فيها! و آلكلّ مع منبع آلفيض آلألهي. و آلحكمة من كل تلك آلألغاز في آلوجود!؟ وهل آلأنسان و كلّ تلك آلألغاز خُلقتْ لغاية عظمى؟ وهل حقاً لنا وجود في آلوجود؟ أم إننا قائمون بقيمومة أصل حقيقي نجهله؟ و هل نُفنى و يُفنى كلّ هذا الوجود .. بعد “آلصّورَتَينْ” ليبقى فقط وجه ربك ذو آلجلال و آلأكرام؟ وإذا كان كذلك؛ فلماذا إذن كلّ تلك المحن و المكابدة و آلأسفار في آلآفاق و آلأنفس و آلملكوت؟ ماذا وراء تلك آلحِكَمِ ألمكنونة؟ و أين يكمن سرّ آلأسرار؟ ليضع النقاط على الحروف بعد ما تنفس قليلاً من بعد رحلة الجهاد العظيم في بلادنا, و تأسف فيلسوفنا الكبير كثيراً بل و بكى ولا زال يبكي لمحنة البشر و أخيه الأنسان و لمحنته و لمحنة “الحسين” و “الحلاج” و”جبران خليل جبران” و”إيليا أبو ماضي” و “أبو سعيد أبو الخير”.. لأنهُ – أيّ ألفيلسوف الكونيّ – عندما إلتقى بآلعارف (أبو سعيد) و (إبراهيم الأدهم) و (الحلاج) و فوقهم (الحسين”ع”) .. كان من وراء حجاب شفاف جداً يكاد يعتبر ممحياً من شرفات عالم آلبرزخ الذي يتوسط الدنيا و الآخرة كمقدمة ليوم الحساب الأكبر .. لذلك لم يُجديه جواب أؤلئك العرفاء العظام على حِمَمِ أسئلتهِ آلكبيرة آلتي تركها أؤلئك العظام بعد ما أمضوها بآلدم, إلّا الحسين(ع) الذي أضاف لها أشياء و أشياء ما زال الناس يجهلونها .. معلنين عن حسراتهم التي خنقتهم بقصائد و كلمات خالدة؛ يسهل كتابتها,و يصعب دركها وهضمها و ستبقى “لستُ أدري” و .. “من أين أتيْت”؟ و “كيف أتيتْ”؟ و “إلى أين أتيتْ”؟ و لِمَ أتيتْ؟ ومع من أتيتْ”؟ و إلى أين أرجع”؟
وفوق ذلك, سيبقى سرّ ذلك (الحبّ) الذي منع أبا الفضل العباس من شرب الماء رغم حاجته القصوى إليه و البحر كله كان بإختياره.
أمّا فيلسوفنا الكونيّ القدير فقد عَلِمَ جواب تلك الأسئلة .. لكنهُ تأسف من معرفة تلك المعرفة الكونية وكم تمنى لو لم يكنْ قد علم!؟ لأنه علم أنه لا يعلم شيئاً من سرّ آلوجود و آلزمن و آلجّمال و أصلّ آلخير و آلشّر في آلأنسان .. سوى حقيقة واحدة باتت نهجه .. وهي إحترام المخلوقات و حبّه للأنسان رغم كل الذي لاقاه منه, حيث كَسَرَ الجميع و بشتّى الطرق قلبه .. لكنه لم يكسر قلب أحد, فقد جبلت نفسه على الحبّ و الخير و الجمال و حسن الظن مُذ كان صغيراً! ليعيش بين حقائق و تناقضات البشر ألكثيرة التي آذتهُ و آلمته خصوصا حين رآى نفسه غريباً لكونه الوحيد الذي كشف وجهه وسط الجميع الذين لبسوا ألأقنعة! لأنّ (ألصّدق في آلحب مع آلناس يعني تدمير النفس), كما (آلصدق مع آلذات يعني قتل الذات). و هل هناك أصعب من أن يعيش آلأنسان مُحمّلاً لوحده بأثقالٍ عجز عن حملها آلسّمواتُ و آلأرض و أشفقن منها و ناءت بها الجبال الرواسي!؟ لذلك طالما كان يقول؛ شيّبتني تلك الأمانة آلتي إحتوتني بإختيار و بلا إختيار! فأكتملت محنته و زاد تواضعه حين أدركَ آلحقيقة آلكبرى و تلك آلأمانة آلثقيلة .. عندما طالع وصيّة العارف الكبير “إبو سعيد أبو الخير” للعارف آلفيلسوف ” أبن سينا”: حيث قال لهُ عقب حادثة محيّرة كان يحاول اللحوق بإبي سعيد على هضاب خراسان .. ليكشف سرّهُ الذي ذاع صيته في كلّ نيشابور و روسيا و المنطقة, و من دون أن يبدأ سؤآله, أجابه عارف نيشابور: [عليك يا أبن سينا أنْ تخرجَ من آلأسلام آلمجازيّ و تدخل آلكفر آلحقيقيّ], فأعقبَ آلفيلسوف آلهمام (أبن سينا) فيما بعد .. على تلك آلوصية بالقول: [لقد سبّبتْ لي تلك الجملة تقدميّ للأعلى في مدارج آلأيمان والمعرفة خمسين عاماً]!

بعد هذا السِّفر العظيم, بقي (الفيلسوف الكونيّ) مهموماً .. حزيناً .. مُثقلاً .. أذاب آلصّبر على (آلمعشوق) جسدهُ النحيل وأثقل روحه حتى عاد لا يتحمّلهُ, و ما يُدرينا .. لعله سيبقى لولا رحمتهِ تعالى؛ حائراً وحيداً مكتئباً مكسور القلب مُغترباً ومنزوياً بقية العمر بزاوية في أصقاع الأرض كقدرٍ كونيّ حتى يُخلد مع محبوبه الأولي ألأزلي في يومٍ موعود لا شكّ فيهِ!؟ بعد ما عَبَرَ المحطات السبعة ويعيش في كنف المحبوب و رعايته آلآن, لكننا نسأله أعز الله شأنه أن لا ينقطع عن الكتابة لتنويرنا في هذا الزمن المظلم المنافق.
و رغم كونه فيلسوفاً كونيّاً وحيداً في زمانه وربّما في كلّ الأزمان بعد ما كان مجرّد مُهندساً و مدرّساً ثمّ مديراً و متخصصاً و أستاذاً جامعياً و مديراً للمنتديات الفكريّة في مخلتف البلاد, و حائزاً على البكالوريوس في الكهرباء و دبلوم إختصاص في تكنولوجيا آلتربية و الأدارة الصناعية, و ماجستير في علم النفس, و متخصص في الفلسفة بالأضافة لدورات علميّة عديدة – إلّا أنّ كلّ ذلك آلخزين آلعلميّ و آلمعرفيّ و آلتجارب آلعمليّة لا تعادل دُروس آلعرفان و العشق و آلأخلاق ألتي تعلّمها مباشرةً من أستاذه (ألأنسان) بل (الآدميّ) ألشهيد ألفيلسوف محمد باقر آلصدر(قدس) أثناء زياراته له في آلنجف آلأشرف خلال سبعينات القرن العشرين نهاية كل شهر و مناسبة! و لم يترك في وجوده كل تلك الأختصاصات كما عشرات آلآلاف من آلأساتذه الذين لم يتركوا أثراً يذكر بقدر تإثير ذلك الفيلسوف المظلوم – لكونهِ – أيّ الفيلسوف ا لكوني الوارث للفكر – يعتبر كلّ شهادة أو كتاب قرأهُ أستاذاً لهُ – لكنها لم ترتقى للقدر الذي تركه ذلك آلأنسان الآدميّ ألشهيد ألكامل في نفسه من حقائق وأسرار علّمتهُ السبيل لمعرفة الأسرار وسط الهرج وآلمرج والنفاق والكذب الذي ميّز العالم حكوماتاً وشعوباً و أحزاباً .. للكسب الحرام!
لذلك ترك التنظيمات ألحزبية – آلحركيّة مذ كان شاباً في العشرين رغم تأسيسه لحركة آلثورة آلأسلامية 1975م, حين رأي بأنّ آلأطار آلحزبيّ يُقيّد حركته وآلآخرين وآلصّنمية نتيجة حتمية لحياة الحزبيّ, رغم أهدافهم آلعالية ألمعلنة وآلدّعوة للأسلام و العدالة لإنقاذ الأنسان و المجتمع من شر (المنظمة الأقتصادية العالمية) و تأسيس آلحكومة آلأسلامية العلوية بدلها, هذا بجانب مباركة آلمرجعيات آلدّينية في الظاهر للعمل الأسلامي, لأنّ الكونيّ لا يُمكن أنْ يحصر نفسه ضمن تنظيم حزب أو منظمة أو مليشيا أو حتى حكومة .. لمنفعة الرؤوساء وكما هو حال التنظيمات العاملة ألأسلامية وغير آلأسلامية وبلا جدوى ونتيجة بآلقياس مع شعاراتهم, خصوصاً بعد ما لُوحظ عملياً إنقطاع المنتظمين و تيارهم عن الولاية في مسعاهم وبُعدهم عن محبة الله والأنسان بسبب لقمة الحرام التي دفعتهم لعبادة أنفسهم و الأنتصار لذواتهم الأمارة بآلسوء, لدورانهم في مدارات آلتنظيم والعمل آلحزبيّ لتحقيق أطماع الرؤوساء وجلب المال لهم فحجّمت حركة الفكر والروح وأماتت قلوبهم, حيث إكتشف فيلسوفنا الكونيّ بأنّ تلك العوائق(الكأداء) و الأنحطاط الفكري الحزبي وقساوة قلب الحزبي و العشائري لا تُناسب حجم و قوة آلأفكار وآلأهداف وآلموضوعات التي حملها بعد لقائه بآلفيلسوف الكبير جوادي الآملي و السيد محمد حسين الطباطبائي و الخميني و قبلهم محمد باقر الصدر, و أفكارهم التي فتحت أمامه أبوباً و آفاقاً كانت تمثل المحطات الرئيسية التي كان بصدد تجاوزها خصوصا بعد إنتصار ثورة آلحقّ في آلشرق للوصول إلى المعشوق الأزلي!
كتب الفيلسوف الكوني مئات آلبحوث و آلاف آلمقالات آلمختلفة و البيانات العامة في الفكر و آلسياسة و آلأعلام و آلمنهج و آلفلسفة و آلعلوم و آلمناهج, و شارك في ألتمهيد لتأسيس آلمجلس آلأعلى آلعراقي نهاية عام1981م, و تأسيس أوّل صحيفة لها بإسم(آلشهادة), وقبلها تأسيس صحيفة آلجهاد بعد ما كانت مجلة شهرية بإسم الجهاد ثم (بيام دعوت) بآلفارسية ثم نشرة(العيون) المحدودة التداول, و أسّس ألمراكز و آلمواقع و آلمنتديات آلأعلامية و آلفكرية العديدة و آلمنابر الثقافية المختلفة تباعاً, كان ولا يزال تربطه علاقات صداقة مع الفيلسوف سروش الذي يُعَدّ من أبرز (الفلاسفة العشر المعاصرين في العالم), حيث عملَ معه بداية الثورة لأصدار مجلة (سروش) ولأعوام و مع كبار المفكرين و السياسيين العراقيين منهم عزّ الدين سليم و أبو محمد العامري والسيد آية الله محمد باقر الحكيم حيث كان كاتباً ومبلّغاً ومستشاراً و منظماً ومخرجاً لصحيفة(الشهادة) المعروفة و قبلها (الجهاد) و قبلهما مجلة (الجهاد) و (رسالة الدعوة) و النشرة الخاصة المحدودة التداول (العيون) و غيرها والتي كانت توزع على خمسة أشخاص فقط في العالم الأسلامي هم: [السيد محمد باقر الحكيم و آلشيخ سالك ممثل الأمام الراحل وزير الداخلية ورئيس الوزراء ورئيس المجلس ألأعلى كان يكتب الأفتتاحية التي كانت تمثل ألمنهج الأمّ لسياسة ألمعارضة العراقيّة, و كذلك تأسيس موقع (المنهج الأمثل) كأوّل موقع إنساني رائد في المجال الفكريّ عام 1999م وغيرها و قصته صفحات مشرقة تطول و تطول نكتفي بما أوردناه ويكفيه كونه الفيلسوف ألكونيّ الوحيد في هذا الوجود, ولا حول ولا قوة إلا بالله آلعلي آلعظيم .. بعض آلصفحات ألمشرقة من سيرة الفيلسوف الكوني عزيز الخزرجي.
ألسيد: ح. الموسوي
نُشر بواسطة ألفيلسوف الكونيّ