صدمة رجال الدين بقانون تجريم
إغتصاب الزوجة

علي الكاش
الحقيقة المرة التي يتحرج البعض من الخوض فيها هي انه لا بوجد شيء يستقطب إهتمام غالبية رجال ‏الدين أكثر من الجنس، فلديهم هوس شديد فيه، ويوجد فقه متكامل عن الجنس من حل وتحريم وحيض ‏وممارسة وبحوث مستفيضة عن العلاقات الزوجية وغير الزوجية كالمتعة والزنا، بل يمكن القول انه لا ‏توجد مسألة جنسية الا وتناولوها بالتفاصيل الدقيقة والمملة، ومنها غرائب وعجائب كنكاح الزوجة الميتة ‏واغتصاب الزوجة، ونكاح الدبر، وتلقيح الزوجة بحيمن رجل أجنبي، وإعارة الفروج، وممارسة الجنس ‏في القمر، وغيرها من المسائل التي لا تعنينا سوار عرفنا ام لا. ‏
سبق أن تناولنا هذه المواضيع وناقشناها بإستفاضة في كتابنا الصادر بعنوان (جدلية الفوضى الفقية ‏وتسفيه العقل المسلم)، ويمكن تحميله مجانا من (موقع أي ـ كتب)، رفعنا فيه ورقة التوت الأخيرة عن ‏فقهاء الأمة من السنة والشيعة على حد سواء.فيما يتعلق بسخافة الفتاوي التي تحدثوا عنها، والتي تتنافى ‏مع الشرع والعلم والمنطق والأخلاق والقيم الإجتماعية السائدة في مجتمعاتنا.‏
في الفترة الأخيرة طرقت اسماعنا مسألة خطيرة تم التركيز عليها عربيا وعالميا، وشغلت مواقع ‏التواصل الإجتماعي بين معارضة ذكورية في الغالب، وموافقة انثوية في الغالب. وهي الإغتصاب ‏الزوجى، بمعني إقامة العلاقة بين الزوجين دون موافقة ورضا الزوجة، فيمارس الزوج العلاقة الجنسية ‏رغم أنفها، أي نوع من الإستعباد الجنسي؟
كالعادة ثارت ثائرة رجال الدين سيما الأخوان المسلمين عن طرح هذا الموضوع، الحقيقة ان فقه الجنس ‏شغلهم الشاغل، ويضعون خطوطا حمراء أما الغير، كأن الجنس ساحاتهم فقط ويحظر الدخول اليه. لذلك ‏كتبوا عنه أضعاف ما كتبوا عن الجهاد، لو قرأت الرسائل المنتخبة لأبي القاسم الخوئي وخليفته ‏السيستاني لتأكدت من صحة هذا الكلام، وهذا ما يقال عن علماء أهل السنة، فكلا الطرفين يحذوان حذو ‏النعل بالنعل.‏
إعتبر الأخوان المسلمون إقرار قانون تجريم الإغتصاب الزوجي صدمة قانونية مهولة لهم، وكالعادة ‏غطوا رفضهم بالإسلام مستندين على أحاديث نبوية مزيفة يرفضها الشرع والعقل والعلم. حيث يلزم ‏الزوج حصوله على موافقة الزوجة لممارسة العلاقة الزوجية، مع ان هذا أمر طبيعي جدا، سواء نُظم ‏بقانون او لم ينظم. بل شطوا بعيدا معتبرين ان الزوج لا بد ان يحصل على توقيع زوجته ليمارس ‏العلاقة معها، وان يكون عنده دفتر سموه ( إقرار الموافقات) توقع فيه الزوجة بموافقتها على كل ‏ممارسة، وهذا تهكم سخيف يليق بالإخوان وخطباء المنبر الحسيني فقط، فهم غالبا ما تكون تعليقاتهم ‏على مستوى عالي من الحماقة والجهل والتفاهة.‏
اشتهرت المسألة بعد ان اعلنت سيدة مصرية ان زوجها يغتصبها، وايضا سيدة افريقية شكت زوجها لأنه ‏يمارس معها العلاقة الزوجية اكثر من عشر مرات يوميا مما اثر على رعايتها الأطفال ونظافتها ‏والإهتمام بالبيت والتواصل مع الأهل والأقارب. علما ان هذا القانون تم إقراره في الولايات المتحدة ‏والدول الأوربية منذ زمن، لأن القانون يحمي حقوق المرأة في هذا الشأن، فهي شريك للزوج، وليست ‏عبدة يفرض عليها نزواته، ولا يمكن ان يفرض عليها ما لا يتوافق مع إرادتها ورغبتها، طالما انها ‏علاقة شراكة بين طرفين، فلابد ان تستوجب موافقتهما، فنحن تعيس الألفية الثالثة وليس العصور ‏الجاهلية، حيث المساواة في الحقوق والواجبات.‏
وبلغ الحمق عند الأخوان المسلمين مستوى مذهل من التألق فإعتبروا ان المخابرات في الدول العربية ‏هي التي روجت للموضوع في مواقع التواصل الإجتماعي، مع ان رجال المخابرات من الرجال! ‏منوهين ان الهدف هو ترويج حالات الطلاق في المجتمعات الاسلامية، وهي معادلة يرفضها العقل. لا ‏نعرف هل هناك دولة في العالم لا ترغب في المحافظة على وحدة الأسرة التي تعني وحدة المجتمع ‏واستقراره؟ اليس الطلاق من أهم المشاكل الإجتماعية التي تعاني منها دول العالم الإسلامية وغير ‏الإسلامية، ويحاول رجال القضاء والأقارب التوفيق بين الزوجين قبل إقرار حالة الطلاق، لأن تفكيك ‏الأسرة لا يصبٌ في مصلحة أية دولة، لكيف كيف تقنع الحمقى وأصحاب العقول الصدأة بهذا الأمر؟ ‏الحمق يصعب معاجته، إذا استمكن تمكن، وإن حلٌ ما إرتحل.‏
الأخوان المسلمون في معقلهم التركي بضيافة الخليفة العثماني أردوغان لا يكفوا عن الإشادة بدور ‏الخليفة ونظامه المتهالك إقتصاديا، فهو يمثل عندهم الإسلام الحقيقي، على العكس من نظام الرئيس ‏السيسي الذي طرق على رؤسهم العفنة طرقا موجعا، فهربوا الى حض الخليفة اردوغان، فقد روجوا في ‏قنواتهم الإعلامية عن هول المشكلة بالإستناد الى إحصائيات تشير بأن حالات الزواج في مصر عام ‏‏2019 كانت (927000) حالة مقابل (225000) حالة طلاق، اي نسبة الطلاق بحدود 24%. وهي ‏بما لا يقبل الشك نسبة عالية، وتحاول السلطات المصرية إيجاد الحلول المناسبة لها. في حين يشير ‏الأخوان بأن سبب حالات الطلاق هو زج رجال الدين والدعاة في السجون، وهذا تبرير يعبر عن ‏افلاس عقائدي واخلاقي وثقافي، لأن علماء الدين هم جزء من المشكلة وليس من الحل، كما ان العلماء ‏الذين زجهم الرئيس السيسي هم من الأخوان المسلمين فقط، أي هم أس الإرهاب الدولي.‏
لكن اليس من العدل ان يشيروا دهاقنة السلطان، ووعاظ الشيطان الى نفس الإحصائيات في دولة الخلافة ‏الإسلامية، ويقارنوها بمصر مثلا؟
صرح الوزير السابق وعضو البرلمان التركي الحالي (فيصل اغولو) خلال (مؤتمر الأسرة السنوي لعام ‏‏2021) بأنه في عام 2019 بلغت حالات الزواج في تركيا (541.424) مقابل حالات الطلاق ‏‏(155.147) حالة، اي نسبة الطلاق كانت بحدود 29%، العجيب انهم لا يتحدثوا عن حالات الطلاق ‏في بلد مضيفهم ولا عن إنتشار دور الدعارة ونوادي العراة، ربما هي برأي الأخوان متنفس للشباب!!!‏
لابد من أستشارة علماء الطب والإجتماع والنفس لمناقشة موضوغ إغتصاب الزوجة، وإستبعاد رجال ‏الدين لأن لديهم قوالب فكرية جامدة غير قابلة للتغيير. وهم جزء من المشكلة ولا يمكنوا ان يكونوا ‏عقلانيين ويساهموا في حلها، ان رجل الدين الذي يروج لضرب الزوجة لا يمكن ان يقبل بفكرة تجريم ‏الإغتصاب الزوجي، هؤلاء يرغبوا ان تكون الزوجة مفتوحة الساقين طيلة اليوم لإشباع رغباتهم ‏الجنسية، وان امتنعت فتعامل بالضرب والإهانة. أهكذا يقول الشرع، واين المعاملة الحسنى؟
إذا كانت الزوجة تعاني من آلام جسدية كالحيض او الأمراض الجنسية الشائعة عند النساء، او تعاني من ‏حالة نفسية، او قلق او توتر عصبي، او عدم الرغبة بممارسة العلاقة الزوجة، او لأنها مشغولة بإعداد ‏الطعام او تنظيف البيت او الإهتمام بالأطفال، كل هذا الأمور ثانوية عند رجل الدين، الأمر الرئيس ان ‏تلبي رغبته حتف أنفها. هل هذا منطق يرضي الله تعالى والمجتمع؟
يجب ان يعلم رجال الدين ان المرأة اليوم هي ليست المرأة في العصر الجاهلي او فجر الإسلام، فلها ‏نفس الحقوق، وعليها نفس الواجابات، وهي تحتل اليوم رئاسة دول وحكومات ومحاكم عليا ومناصب ‏كبيرة، ربما فشل الرجال عند تبوأها. المرأة نصف المجتمع، وهي الزوجة والأم والأخت والبنت ‏والحبيبة، لذا فهي تستحق أن نقف معها وبقوة، رعم أنف رجال الدين ممن يعارضوا قانون تجريم ‏الإغتصاب الزوجي.‏
علي الكاش