قدم شيعة العراق أرواحا طاهرة ودماء زكية خلال الأعوام الثلاثة عشر الماضية ( 2003-2016 ) وهذه التضحيات الهائلة والغالية تضاف الى تضحياتهم الكثيرة أبان فترة الحكم الطاغوتي البعثي ، حيث نالوا قسطا كبيرا من الخسائر بسبب التفجيرات الإرهابية التي طالت مدنهم ومناطق سكناهم وأسواقهم والمراقد والأضرحة المقدسة ومؤسساتهم الدينية والمدنية ، واستجابة لفتوى الإمام السيد علي الحسيني السيستاني بالجهاد الكفائي ( 13-6-2014 )  بعد سقوط مدن كثيرة بيد قوى الإرهاب المتمثلة بما يسمى ( داعش ) وفلول البعث المتحالفة معهم ، سارع شيعة العراق الى هذا النداء المقدس فتضاعفت التضحيات وقدموا أرقاما عالية من الشهداء والأموال والثروات ولازالوا يقدمون بإصرار مستمر وايمان ثابت وعزيمة لا تلين.
ومن المؤكد أن معركة الفلوجة سوف لن تكون المعركة الأخيرة مع قوى الظلام والإرهاب ، لكنها معركة فاصلة حاسمة لها نتائج كبيرة ومؤثرة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي لأن شيعة العراق يقاتلون الإرهاب نيابة عن العالم كله ، كما أن معركة كسر الإرهاب في الفلوجة وتحريرها من قبضة داعش واستعادتها الى حضن الوطن ، والتي يعتبرها داعش قلعته الحصينة ونقطة انطلاقه لاحتلال بغداد والتي استعصت حتى على الجيش الأمريكي ، يشكل هزيمة كبرى لكل القوى السياسية المتعاطفة مع (داعش) ولكل القوى الإقليمية الداعمة والمساندة له سرا وعلنا والتي كانت تراهن عليه وتستخدمه كورقة ضغط على حكومة بغداد. أهمية معركة الفلوجة تتضح من خلال مسارعة أمريكا وحلفائها الكرد للإستيلاء على مدينتي الرقة والموصل وانتزاعهما من سيطرة ( داعش ) لإدراكها أهمية الإلتحام بين الحشد الشعبي والقوات العراقية مع القوات السورية اذا تم في هذا الظرف بالذات وإحكام القبضة على العراق وبلاد الشام ، حيث سارعت أمريكا لقطع الطريق وغلق الحدود العراقية السورية والسيطرة عليها.
ومن هنا نقول على شيعة العراق أن يكونوا بمستوى هذه التضحيات الهائلة وعليهم استثمارها الى أقصى درجات الإستثمار، كما عليهم أن يفهموا شيئا مهما جدا وهو أن ما بعد معركة الفلوجة يجب تغيير المعادلة لصالحهم وأن لايبقوا يعيشون على الهامش ينتظرون حلولا من الآخرين ويتعاملون بردود الأفعال ، وأن ويفهموا أيضا أن القوى العالمية الكبرى أصبحت تنظر إليهم كقوة جبارة في منطقة الشرق الأوسط ولهم دور كبير ومؤثر على المستوى العسكري والسياسي معا.
إن معركة الفلوجة سيترتب عليها استحقاقات كبيرة وذات أبعاد ستراتيجية تصب في مصلحة شيعة أهل البيت في منطقة الشرق الأوسط عموما وبناء عليه يجب الألتفات لها وبحثها ودراستها ورسم الخطوات المهمة لتنفيذها. وحسبنا في هذا المقال أن نذكر ونركز على هذه الإستحقاقات الضرورية جدا والتي تتمثل في التالي:
أولا: تحجيم دور القيادات السياسية الحالية وعدم الاعتماد عليهم في المرحلة القادمة واستبدالهم بقيادات شيعية جديدة تتمثل في رجال من طراز خاص يتمتعون بذهنية ستراتيجية كان لهم دورا حاسما في إدارة المعارك وتحقيق الإنتصارات على الإرهاب.
ثانيا: ( كسر الحدود ) وإن كان هذا الشعار جاءت به ( داعش ) لأنهم أدركوا أهمية سوريا بالنسبة للعراق ولهذا أسسوا ( دولة العراق والشام ) إذ تعد سوريا هي العمق الستراتيجي للعراق ولابد من كسر هذه الحدود بين البلدين والسيطرة على المنطقة بأسرها.
ثالثا: أعادة النظر في التحالفات السياسية مع الكرد والقوى السياسية الأخرى بناء على نتائج الإنتصارات الأخيرة ، ومن الجدير بالذكر أن تصرفات الكرد في المنطقة تثير مخاوف تركيا وتزعجها الى حد كبير وسوف لن تسمح لهم بالتوسع لا في سوريا بعد دخولهم في عملية الحرب في الرقة برعاية وقيادة أمريكية ، ولن تسمح لهم بالتوسع في العراق واحتلال الموصل أو اجزاء منها، ولهذا يجب وضع الحسابات الدقيقة واستعادة كركوك من قبضة الكرد بالإضافة الى استعادة دهوك الى محافظة نينوى وابقاء سلطة الكرد فقط في محافظتي أربيل والسليمانية.
رابعا: استثمار هذه القوة الجبارة في اعادة النظر بالعلاقات مع السعودية والكويت والأردن ودول الخليج فيما يخص تدخلهم في شؤون العراق الداخلية ودعمهم لقوى الإرهاب هذا بالنسبة الى السعودية أما الكويت فعليها  إعادة كافة الأراضي التي اغتصبتها من العراق تحت عنوان ترسيم الحدود بعد الحرب ، وأما الأردن فعليه الكف عن ابتزاز العراق من خلال ايوائه للعناصر الإرهابية واستلامه النفط باسعار زهيدة.
نعم هذه استحقاقات لشيعة العراق بحجم تضحياتهم فهم الذين كسروا الإرهاب وصمدوا بوجه عاصفته ومزقوه أي ممزق ودمروا قلاعه بعد أن كان كابوسا يرعب الجميع ويخشى سطوته الجميع.

حــامــد العـبــــــــادي
hmd.alebady@gmail.com
2016-06-02