في مأساة الكاتب والفنان والمثقف

775- أمضيت قرابة 25 عاما من عمري أعمل في الصحافة من 1970 حتى 1995. عانيت كثيرا .. قررت التفرغ للأدب قبل أن يطوي الزمن سني عمري خاصة وأن طموحي الأدبي كان كبيرا .. وكنت أعتقد أن الكتابة المجددة قد تدر مالاً يكفي للعيش ، ورحت ألف وأدور وأراوغ لأمرر كتابتي على الرقيب . كتبت ( الملك لقمان ) وعلى هامشها ( غوايات شيطانية ) لم أجد ناشرا من المحيط إلى الخليج يقبل بنشر أي من الروايتين . أحبطت . والعودة إلى الصحافة كان الجحيم أهون منها . ولا أعرف كيف هجم علي هاجس الرسم ذات فجر ، الذي لم يكن أكثر من هواية لي أقل من هوايتي للعب الشطرنج الذي يأسرني . أغلقت باب  غرفتي علي لأكثر من ستة أشهر ورحت أصارع الألوان ليلا نهارا . وهكذا كان معرضي الإحترافي الأول في المركز الثقافي الروسي 1995. كلفتني البراويظ أكثر من مائة ألف ،ولم أبع إلا ب 23 ألفا .. ومع ذلك لم تهن عزيمتي ، فقد عشقت الرسم إلى حد لم أتوقعه على الإطلاق . عانيت أول عامين . عرضت في الشوارع والحارات والمقاهي .. إلى أن تعاقدت مع أشهر وأقدم المقاهي في دمشق ( مقهى النوفرة ) على معرض دائم ، دام لستة أعوام . بعت في المقهى آلاف اللوحات ، فمكان المقهى في دمشق القديمة يجعل أي زائر أو سائح من أي مكان في العالم يأتي إليه .. اشتهرت عبر هذا المقهى في العالم وتلقيت دعوات من عواصم عالمية لإقامة معارض .. عرضت في برلين وباريس وفلسطين ومدن وعواصم أخرى عربية وعالمية .. وكان للصوص الفن حظ كبير معي فأخذوا نصيبهم بما لا يقل عن 700 لوحة ..

افتتحت معرضا خاصا بعد ذلك كتب عنه في أشهر الكتب السياحية العالمية عن سوريا ولبنان ..  وأجري معي عشرات اللقاءات  في صحافة عالمية ونادرا ما كان يأتي سائح إلى دمشق لا يهمه زيارة معرضي . وأصبح دخلي جيدا جدا .. يندر أن يمر يوم لا أبيع فيه لوحة أو أكثر ، إلى أن أصبح لي في العالم قرابة سبعة آلاف لوحة في أكثر من ثمانين بلدا ..  حتى أنني لم أعد أفكر حتى في الأدب

الذي تحطم طموحي فيه ، وإن وجدت من ينشر الملك لقمان وغوايات شيطانية بعد 13 عاما من كتابتهما ، لكن دون أن أجني منهما مالا يذكر ،بل وساهمت في تكاليف نشر الملك لقمان .

 وقعت الأحداث في سورية .. اضطررت إلى مغادرتها إلى عمان كوني أحمل الجنسية الأردنية . ، تاركا خلفي بيتا وثروة  من فنون الرسم والنحت والتحف لا تقدر بثمن . لم أجد سوقا للفن  في عمان، والصالات التجارية أبت أن تقيم معرضا لي .

ومن ثلاثة معارض في صالات غير تجارية لم أبع أكثر من عشر لوحات في حوالي عامين .وهذا الكم كنت أحيانا أبيع أكثر منه في يوم واحد في دمشق .

وجدت نفسي ثانية ألهث خلف الصحافة ،وأحاول العودة إلى الأدب . وليس من السهل أن تجد صحيفة تنشر لك . وإن قبلت النشر لا تنشر كل ما ترسله . فهذا مقال أطول من المطلوب ،وهذا مقال أقصر ،وهذا مقال يخالف خط الصحيفة ، وهذا مقال عن رواية قديمة والمطلوب أن تكون الرواية جديدة ، وهذا مقال عن موضوع خارج اهتمامات الصحيفة ، وهذا مقال يمس الذات إلأهية  المنزهة .. وهذا مقال يسرق ولا تعرف من سرقه ،وهذا مقال  كذا وهذا كذا ويلعن رب كذا وكذا !! خلال سني الرسم

وجدت في الإنترنت متنفسا لكتابة ما أريد ،وما يعبر عن ذاتي ، ويحمل ثقافتي ويقدم فكري كاملا دون نقصان ، بما في ذلك فهمي للوجود  وموقفي من الخلق والخالق والألوهة بشكل عام . وأصبح متابعو كتاباتي بعشرات الآلاف..

وخلال عامين لم يأتني من الصحافة إلا قرابة 800 دينار وهي ليست أكثر من مصروف شهرخاصة إذا ما تناولت وجبة  جيدة مع كأس خمرفي مطعم .

ما ادخرته من الرسم لشيخوختي نفد معظمه  خلال ثلاثة أعوام ونيف من عمر الأزمة السورية  ،وثمة بقايا نقود في مصرف سوري لا أستطيع الحصول عليها ،  ولم يبق إلا القليل ،مما دفع بعض الأصدقاء والأقارب وأخص بالذكر الأديب الكبير محمود شقير إلى جمع التبرعات لي ، فرجوته إيقاف هذه المأساة ، وأخص بالشكر الصديق الشاعر عبد الله رضوان ، الذي لم يترك جهدا إلا وفعله من أجلي ، بما في ذلك إقامة المعرض الأخير لي .

حاولت مع السلطة الفلسطينية منذ قدومي أن أحصل على تقاعد ، بصفتي خدمت في فتح بين أعوام 1968 – 1985 دون جدوى حتى الآن .

لأول مرة في حياتي أفكر بجدية في الإنتحار ، قبل أن أذل وأهان في شيخوختي ،وآمل أن أحتفظ بالمبلغ الأخير لثمن المسدس الذي سأنتحر به . من لديه فكرة عن ثمن مسدس يكفي للإنتحار ؟!!

إن حدث ذلك يا أصدقائي فاطلبوا من المطلق الأزلي ( إلهي ) أن يجعل من جسدي

غذاء مفيدا وجميلا وخلاقا لتربة صالحة ، تنتج مادة خلاقة ، ينتج عنها طاقة عظيمة

تأتي بخلق جديد أقرب إلى الكمال !!!!!