منذ زمن لم أكتب عن سوريا وكنت من أوائل من وقفوا إلى جانب الشعب السوري وثورته الشعبية ضد الظلم والاستقواء، منكرا تمسك الأسد وبطانته بالسلطة، ولم أكن أكتب عن سوريا من بعد، فأنا ابن مدينة عراقية مجاورة لحدود سوريا، ولي هناك أولاد عم، ويحملون الجنسية السورية، وأذكر أحد أبناء الأسرة في العراق عام 1980 أحب ابنة عمه في سوريا، وكانت العلاقة بين البلدين متوترة رغم أن البلدين يحكمهما حزب بعث واحد، فاضطررنا أن نعبر من العراق إلى سوريا مع أسرنا بثلاث سيارات من منفذ الجوازات بشكل منفرد، من دون تأشيرات وبقينا أسبوعا هناك في منطقة الباب، ثم خرجنا دفعة واحدة ومعنا العروس ولم تكن تحمل جواز سفر، فاقتادنا ضابط الجوازات إلى زميل له أعلى رتبة منه، فسألني أنت أستاذ جامعي كيف تدخل وتخرج من دون تأشيرة، قلت له منذ الصغر أدخل وأخرج بلا تأشيرة، وكيف وأنا عراقي وابن عمي سوري؟ سألني تقسم أن العروس والعريس أبناء عم، فأقسمت أنهما أبناء عمي “شق المنشار” التفت إلى زميله مبتسما، وقال تفضل توكل على الله و”طز بالأسد وصدام حسين” ماذا يريدون أكثر من ذلك؟
حينما أكتب عن سوريا وأسرة الأسد أعرف عمن أكتب، أنا لا أعرفهم من قراءة الكتب والصحف والأخبار، اعرفهم من الواقع، ومن رواية الأحياء عن الأموات، جدا وابنا وحفيدا، وأعلم علم اليقين أنهم أسرة لا تعادل عند الله جناح بعوضة، ترفضها الطوائف الإسلامية سنة وشيعة، ويمقتها العرب، مكروهة من السوريين منذ أن طلب جدهم الأسد برسالة موقعة منه وآخرين أمثاله من فرنسا الإبقاء على منطقتهم تحت الحماية الفرنسية وعدم منحها الاستقلال، فالمسلمون لن يرحموا المسيحيين والعلويين، والأرشيف الفرنسي وذوو العلم يحتفظون بالرسالة نصا وشكلا. جذور أسرة الأسد عميقة في الخيانة، ألم ينقلب حافظ الأسد الأب على قيادات حزبه القومية مرتين ويعتقلهم وينصب نفسه؟ ألم يعلن احتلال إسرائيل القنيطرة قبل يوم من احتلالها؟ ألم يقصف مدينة جسر الشغور عام 1980 بالمدافع، وأعدم 97 من أهاليها أمام دورهم؟ وهدم ثلاثين بيتا. وقتل 40 مواطناً بمجزرة سرمدا، وردم سجن تدمر على من فيه وقتل ألف معتقل في زنازينهم. وارتكب مجزرة حي المشارقة صبيحة عيد الأضحى وسقط فيها 83 مواطنا، وأودت مجزرة سوق الأحد بحياة 42 مواطناً. ولقي العشرات حتفهم حرقاً وجمعوا في إحدى المدارس، وارتكب مع أخيه رفعت الأسد مأساة أحياء حماة عام 1981 فكانت كارثة سقط فيها نحو أربعين ألفا ومثلهم من المفقودين، فالأسرة غنية بالمآثر المفجعة والمجازر، ورمز للغدر على مستوى الأسرة بين الأخوين رفعت وحافظ تصارعا على الكرسي فأقصى حافظ أخاه، رفعت، فمن الطبيعي أن يتفوق الابن بشار على عمه وأبيه، فهذا المجرم من أولائك القتلة!
اليوم بعد خمس سنوات من عذابات الشعب السوري ما هي النهاية التي يريدها الأسد؟ وما الذريعة التي تجعله يتمسك بكرسيه؟ خمس سنوات وبيده كل المال وكل السلاح وكل السلطة، يقتل ويسجن ويهجر ويصادر ويقصف جوا وبرا وبحرا، يسمم بالغازات ويستخدم سلاح المدفعية والصواريخ والطائرات والبراميل المتفجرة، وفي كل يوم يسقط مئات الضحايا وليس العشرات، جرائم إبادة وتصفية جسدية لنحو نصف مليون ضحية أغلبهم في قبور جماعية، وملايين المهجرين، ولم تعد هناك محافظة ولا مدينة ولا قرية لم يطلها الهدم والردم، وأصبحت سوريا من أدناها إلى أقصاها قبورا وأطلالا وخياما ومهجرين.
لقد عجز الأسد وأتباعه ومن خلفهم حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني وسلاح روسيا كل العجز عن القضاء على ثورة الشعب، وعن حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار، بل ولم تعد له الغلبة، وليس هناك دولة ولا حكومة، حتى رئيس الوزراء هرب وانضم إلى المعارضة، ألا يفترض في مثل هذه الحالة أن يرحل الرئيس أو ينتحر ويفرج عن شعبه؟ فمن أي نمط هذا المخلوق ومن أي جنس؟ وكيف يفكر وماذا ينتظر؟ وأين تربى لا مخافة الله تثنيه، ولا ضمير يعذبه، ولا قريب ينصحه، كيف ينام وكيف يأكل ويشرب، وبأي عين يرى وبأي أذن يسمع، لقد أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي.