حتّى الملحدون الذين لا يؤمنون بوجود إله يعرفون إنّ الموت هو نهاية الإنسان الطبيعية فما بالك بالمؤمنين وهم يقرأون كما العراقيين “كل نفس ذائقة الموت” آلاف المرّات يوميا في وداعهم لأحبتهم، الذين يموتون لنقص الدواء في بلد النفط المنهوب من الأحزاب الإسلامية وعرّابيه من المعممّين وباقي أقطاب المحاصصة، أو متناثرين في سماوات الوطن نتيجة فشل هذه الاحزاب التي باركتها المرجعية في إستتباب الأمن ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة بعد أن أصبحوا جزء من نسيجه. وهذا يعني أنّ الموت يطال الفقير والغني، والعبد والسيد، والمحكوم والحاكم، والثائر والجلاد، والمسروق والسارق، والطفل في مدينة الثورة ونوري المالكي، وتلك المرأة التي ركضت حافية على الأسفلت الملتهب لتجمع ما تستطيع جمعه من أشلاء أبنها وعمار الحكيم ومقتدى الصدر وسليم الجبوري واسامه النجيفي والسيد السيستاني وأنا.

 

سؤال أطرحه أمام رجال الدين ونحن نعيش عصر الجريمة الإسلامية الكبرى في نهب وقتل العراق وشعبه، والدور البارز للدين الإسلامي ومذاهبه في المجازر المرتكبة يوميا بحق أطفالنا ونسائنا وأيتامنا وفقرائنا…

من سيحاكم القتلة واللصوص الذين جاء بهم المعممّون ليستبيحوا حياتنا؟

 ولمن علينا شكايتهم؟

 وهل ستعمل المحاكم على إسترداد الحق العام منهم كونهم قتلة ولصوص وتصدر القرارات المناسبة بحقّهم وفق قانون الجنايات العراقي؟

 وهل ستصدر المحاكم قرارات تلزمهم بإعادة ما سرقوه من خزينة الدولة ؟

 

 هل يعرف رجال الدين أين تقدم شكاوى الإتهام بالقتل والسرقة والفساد والخيانة العظمى وبقية الجرائم؟ لا أخالهم لا يعرفون ذلك ، وإن كانوا لا يعرفون وهم يعرفون فأن الشكاوى أيها السادة تقدّم الى السلطة القضائية المسؤولة عن تحقيق العدالة عبر المحاكم وليس الى جهة أخرى، والتي تصدر أحكامها الواجبة التنفيذ تجاه المتهمين أمّا بالبراءة أو الغرامة أو الحبس أو كلاهما مجتمعين ولفترات متفاوتة حسب نوع الجريمة، أو الإعدام في حالات القتل العمد والخيانة العظمى عدا البلدان التي تمنع حكم الإعدام. إن المجرم يجب أن يعاقب على جريمته وعدم تأجيل المحاكمة لأمد غير معروف لأن عدم محاكمته ومعاقبته سيدفع الآخرين الى ممارسة الجريمة وتكرارها، وحينها يكون المجتمع بأكمله تحت رحمة الجريمة لنعيش ساعتها شريعة الغاب بدل شرعة القانون.

 

رجل دين يقول في خطبة الجمعة مخاطبا الساسة اللصوص والقتلة وخونة الوطن والشعب وهم مؤمنون ويقيمون الفروض ويضعون الخواتم على أكثر من إصبع وجباههم سوداء من أثر السجود أن “لا جدوى صمّوا آذانكم عن الإستماع لأصوات الناصحين.. شكوناكم الى الله “!!. فهل سيقتصّ الله من هؤلاء الفجّار ويعيد الحق لأصحابه هنا في حياتنا هذه كما تفعل المحاكم عندما نشكوا لها مجرما أو لصّا؟ أي هل سَيُعاقَبْ المجرمون الذين سرقوا وقتلوا شعبنا وعاثوا بالعراق فسادا أمامنا في محاكم علنية ليكونوا عبرة للآخرين؟ وبلغة أخرى قريبة من الحدث الذي من أجله قيلت هذه الكلمة أي التفجيرات الاخيرة التي ضربت بغداد وخلّفت مئات القتلى والجرحى والمعاقين ودمّرت الاسواق والمحلات زارعة الرعب في بغدادنا المغتصبة من الأسلاميين، هل ستعيد هذه الشكوى للطفل قدميه اللتين فقدهما في إنفجار مدينة الثورة ؟ وهل ستعوّض هذه الشكوى الفقراء ما فقدوه من قليل مال كان رأسمالهم الذي يعتاشون عليه وأسرهم المعدمة ليعيشوا بها بكرامة؟ لا أظن ذلك لأن الفقر يزداد يوميا ومساحة الألم والمرض والعوز في إتساع بنفس نسبة إتساع إمبراطوريات اللصوص على أشكالهم ومافياتهم على أشكالها هي الأخرى. كما وإنّا لم نرى فقيرا مريضا فقد طفله وهو يبيع الخردوات في سوق مريدي ليعيله وأسرته المعدمة قد حصل على تعويض يجعله يعيش بآدمية وكرامة لا من الله ولا من اللصوص الذين يسرقوننا بإسمه.

 

دعونا هنا ونحن نستمع الى نية البعض بتقديم اللصوص والقتلة الى المحكمة الإلهية بدلا عن المحاكم الشرعية عن طريق تقديم شكواهم الى الله!! أن نذكرّهم بجرائم كبيرة أرتكبها طغاة بحق ملايين الضحايا الذين قدموا – بلا ادنى شك – شكاواهم الى الله حينها أيضا، فماتوا في السجون والمنافي وتحت سياط الجلادين وتعذيبهم اليومي دون أن ينصفهم الله مطلقا، وبقي القتلة والجلادين متنعمين بمباهج الحياة كما آل الخضراء ، حتّى موتهم بشكل طبيعي، دلالة على عدم وصول شكاوى تلك الضحايا الى الله أو أنّه قد تجاوزها لأسباب نجهلها. هل يعتقد رجال الدين أن الإمام الحسن لم يشكو معاوية الى الله ، وأن الإمام الحسين لم يشكو يزيدا الى الله ، وهل يشّكون للحظة من ان الإمام موسى الكاظم لم يشكو هارون الرشيد الى الله، فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة كانت مقتل الأئمة الثلاثة ووفاة القتلة الثلاثة وفاة طبيعية رغم جرائمهم وسرقاتهم بعد أن تمتّعوا بحياتهم على أفضل وجه حتّى نهايتها، سيقول لي المعمّمون وغيرهم من أنّ التاريخ خلّد الأئمة الثلاثة عكس القتلة على الرغم من ان التاريخ خلّد الاخرين أيضا.

 

طيب وماذا عن ضحايا الحجّاج المعروف بالمبير أي المبيد مثلا ، أعني ضحاياه البسطاء الذين سجنوا وعذبوا وقتلوا عهده وكانوا ايضاً يشكون الحجاج الى الله كي ينتقم لهم منه، فهل إنتقم لهم وخلّدهم؟ لقد ماتوا في غياهب سجونه وتحت التعذيب صبرا ليموت هو مريضا بين غلمانه وجواريه كما يموت ملايين البشر بعد أن حكم وتمتع بلذات الدنيا عشرات السنين ، واليوم فنحن لا نعرفهم ولكننا نعرف الحجّاج!!. هل يعرف رجال الدين والشيعة منهم تحديدا ، أن جميع ملوك بني أمية الذين كانوا من ألدّ أعداء الشيعة وآل بيت النبوة ماتوا ميتة طبيعية، ومنهم من ضرب القرآن بسهمه وقتل الآلاف من الأبرياء الذين شكوه بلا شك الى الله، عدا مروان الحمار ؟

 

 في الغد سينفجر شعبنا حتما ضد كل اللصوص والحرامية “الباگونه بإسم الدين” وحينها سنشكو كل من ساهم بقتلنا وسرقتنا وضياع وطننا الى القانون، في الغد ستكون المحاكم هي الفيصل التي تعيد لنا حقّنا من أحزاب الإسلام السياسي وعرّابيه الذين ليسوا أقل سوءا منه، أمّا شكوانا لله فسنتركها لوقت آخر ومكان آخر. إنّكم هنا بشكواكم هذه الى الله قد ساهمتم بتخدير الناس كي لا يطالبوا بحقّهم، وكان الأحرى بكم أن تطالبوا الناس بالخروج بالملايين ليحاكموا اللصوص والقتلة والمسؤولين عن خراب البلد.

 

على ساسة الخضراء أن يستبشروا خيرا حول شكايتهم الى الله كونها كما تقول الكناية العامية البغدادية “بشّر أمّك صارت بديانة” أو قريب منها من حيث المعنى، وأصل الكناية هي :

 

 ” إنفساح المجال أمام المبطل الشرير للتغلّب على خصمه المحقّ. وصارت بديانة: كناية عن الوصول الى حلف اليمين. وأصل الكناية: إنّ نزاعا حصل بين شرّير مبطل وبين محقّ، وصدر القرار بتكليف المبطل بأن يحلف اليمين، فوثق المبطل بنجاح إدّعائه لسهولة حلف اليمين عليه، والتفت الى ولده، وقال له، بشّر أمّك صارت بديانة، يعني إنّه قد ربح القضية ، ما دام قد وجّه اليه اليمين”. فهنيئا للأشرار ربحهم لكل قضايا الفساد والقتل بعد أن أجّل البعض محاكمتهم الى يوم القيامة ليشكوهم الى الله وليستمروا متمتّعين بملذات الحياة ورخائها بما سرقوه ويسرقوه من أموال الناس، في حين ندفع نحن الثمن من دمائنا وأموالنا وأعراضنا ومستقبل أجيالنا، وخوفي من أن ندفع وطننا ثمنا بالنهاية.

 

أني أرى ساسة الخضراء في فرح وسرور وحبور وشكر وإمتنان للذي أشتكاهم الى الله ، كما وأراهم يهاتفون أبنائهم في منتجعاتهم هربا من قيظ بغداد هذا إن كانوا فيها أصلا ، أن بشّروا أمهاتكم فقد ربحنا العراق وحُوِلت أوراق كل سرقاتنا وما نهبنا وما إقترفناه من جرائم الى المستقبل غير المنظور.

أهكذا أيها السادة تروى الإبل ؟ ألم يحن الوقت لتتركوا السياسة للسياسيين وتبعدوا الدين عن الاعيبها؟ أقولها ثانية ومن اجل إحترام التاريخ الديني لمدينة النجف وحوزتها الدينية إتركوا التدخل بالشأن السياسي وكفاكم تخديرا للناس. كيف سيطالب الناس بحقوقهم وهناك من يرسل اوراق إتهام اللصوص والمجرمين نيابة عنهم الى المحكمة الألهية… نحن نريد أن نحيا كما بقية البشر في بلد يُحْتَرم فيه القانون ويقدّم فيه المجرم والقاتل والفاسد للمحاكمة لينال جزاءه هنا في هذه الحياة، والّا فإنها كما تقول العرب “قسمة ضيزى”… فأتركونا بالله عليكم بعد أن أفسدتم حياتنا ووطننا وأنصرفوا لأمور الدين.

 

ان الظلم اينما كان يهدد العدل في كل مكان “مارتن لوثر كينغ”