تعرّض الاسلام لضربة قاسية، حين كان جنينا على يد أبرهة الحبشي والفيل العظيم، الذي لم تشهد العرب مثله في القوة والضخامة، لذلك تركوا مكة خوفا، وسلكوا الشِعاب، طالبين السّلامة والآمان، ورغم ذلك، ولد الجنين سالما معافى.
الاسلام لم يسقط بسقوط بُناة الحضارة الاسلامية: ثم توالت الضربات القاسية .. في الطائف حين تعرّض الاسلام للاهانة والضرب، وجُوبِهَ في بدر بالعتاد والسلاح، ولم يمر على ولادته غير 15 سنة، وقُتل حينها سيدنا حمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنه وأرضاه، ولم يمت الاسلام بموته. ثم توالت المعارك، وقُتل فيها من قُتل من سادتنا الصحابة رضوان الله عليهم جميعا، ولم يمت الاسلام بموتهم، أو قتلهم.
وقيّض الله لهذا الدين، رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فنقلوا الاسلام من صحراء لاتلد ولاتنبت إلى الشام، فجعلوا منها جنات تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ، وبنوا حضارة بني أمية، وارتقوا بها نحو السّماء، ثم هوت بعد أن أخلدت للأرض، ورضيت لنفسها الهوان .. وبقي الاسلام حيا، لم يمت بموت بني أمية.
ثم جاء بنو العباس، وأبدعوا في العلوم، وقلّدهم العجم في ما يرفع الأمم، فملكوا البحار، وخاطبوا السّحاب .. شَرِّقِي أو غَرِّبِي، سيصلني خراجك، أينما كنتِ، لأنها كانت الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس. ثم أصابها ماأصاب الأوّلين من العجز والوهن، فانطفأت واندثرت .. وبقي الاسلام حيّ يُرزق، لم يمت بموت بني العباس.
وانتقل المسلمون إلى الاندلس، وبنوا معجزة الله في الأرض، بدليل أن الدخل القومي لاسبانيا، مازال يعتمد على ماتركه أهل الاندلس .. من حدائق تأسر الالباب، وقصور راسيات، وأدوات طبية علمية، وكتب ثمينة، مازالت تزخر بالمفيد الجديد. لكن أهل الاندلس في أواخر العمر، ركنوا للهو والعبث، وانقسموا شعوبا وقبائل ليتقاتلوا، واستعانوا بالمغتصب لطرد الأخ من الدار، فلزمهم الهوان، وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، وسقطت أعظم حضارة .. وبقي الاسلام حيا قويا، لم يمسسه سوء.
وجاءت الخلافة العثمانية، وامتدت شرقا وغربا، وضمّت إليها العرب والعجم، وأمست سيّدة اليابسة البحار. لكن العثمانيين أفسدوا في أواخر العمر، وطمع فيهم من كان يهابهم من قبل، وظلّ الجسد العثماني المترامي الأطراف يتآكل، وأصحاب الباب العالي في عبثهم يلعبون، فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ، وأمسوا عبيدا لعبيد الأمس .. ورغم ذلك، بقي الاسلام حيا يُرزق، لم يمت بموت العثمانيين.
الاسلام لايسقط بالاستدمار.. ولابسقوط الكبار: وعلى حين غَرَّةٍ من أصحاب الديار، دخل الاستدمار العالمي، الممثّل خاصة في الاستدمار الفرنسي والانجليزي .. فنهب، واعتدى، وبدّل وغيّر، وحَوَّل المساجد إلى اسطبلات ترعى فيها الخيول، وأقام المجازر، وأحرق الزرع، وأفسد الحرث، وضيّق على الحرف العربي، وأخمد صوت المآذن والمساجد، وجعل عَالِيَهَا سَافِلَهَا .. لكن، وبعد 132 سنة، بقي الاسلام حيا، لم يمت بموت الامير عبد القادر، وبن باديس، وبن مهيدي، وعمر المختار، وعبدالكريم الخطابي، وغيرهم كثير.
الاسلام لايسقط بسقوط الضعفاء: واسترجع العرب والمسلمون سيادتهم، فانقسموا إلى طوائف متنابزة، وفِرَقٍ متخاصمة، وكل يدعو بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ، ويدّعي أنه على الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، وغيره على الضَّلَالُ الْبَعِيدُ. واجتمعت لديهم مصائب الأولين والآخرين. وكل يدّعي أنه هو الاسلام!، وسقوطه يعني سقوط الاسلام ! .. فمُنع النقد، وكُمّمت الأفواه، وكُسّرت الاقلام، وأحرقت الكتب.
الاسلام أعزّ وأعلى، من أن يرهن مصيره بهذا أو ذاك، وأن سقوطهم لايعني إطلاقا سقوط الاسلام. وأن الاسلام لم يسقط بسقوط الكبار الأولين، الذين ملكوا الدنيا وعمّروا البسيطة، وكانوا سادة وقادة، قبل أن يمسّهم داء الأمم. فكيف يسقط بسقوط من يمد يده، ويعتمد على طعام غيره، ويطلب الحماية من أحفاد أبرهة.