إن إعدام رجل الدين الشيخ نمر باقر النمر من قبل السلطات السعودية وبهذه الطريقة الهمجّية لن تمّر دون أن تترك أسوأ النتائج على كامل الوضع السياسي في منطقة الخليج والشرق الاوسط حيث الصراع الطائفي في سوريا والعراق والغزو السعودي الخليجي لليمن. ولو قرأنا بإمعان الصراع داخل العائلة المالكة السعودية ومحاولاتها الفاشلة لليوم في حسم الحرب رغم قوة أمكانياتها وحلفائها لصالحها، ورؤيتها لفشل سياستها في سوريا بعد التدخل الروسي الذي قلب ميزان القوى لصالح النظام السوري بشكل ملموس، ونجاح الحكومة العراقية في تحرير مساحات شاسعة من أراضيها ومدنها التي سيطر عليها الارهاب الداعشي الممّول سعوديا وخليجيا وتركيّا، نستطيع أن نتعرف على السبب الذي دعا السلطات السعودية الى إعدام الشيخ “النمر” في هذا التوقيت بالذات. فالهروب للأمام لإثارة المشاكل الطائفية وتطوريها لحروب هو هدف حكّام السعودية والخليج لمقاومّة النفوذ الإيراني في العراق وسوريا واليمن ولبنان وتأثيرها الواضح في البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية حيث الثقل الشيعي وآبار النفط، خصوصا وأن حلفاء السعودية الأقليميين أقوى بكثير من حلفاء أيران في المنطقة وليس في بلدانهم مشاكل كالتي يعاني منها حلفاء أيران. فالعراق وسوريا واليمن لا يمتلكون القوّة العسكرية التي يستطيعون من خلالها دعم إيران في أية حرب أقليمية نظامية بعد أن أنهكتهما الصراعات الداخلية التي لم تنتهي لليوم أمّا المنظمات والأحزاب الشيعية فأن تأثيرها يكاد أن يكون معدوما في التأثير النوعي لو جرت الحرب.
إن الرهان السعودي – الخليجي لجرّ أيران الى مواجهة عسكرية مباشرة ستبوء بالفشل لأسباب عدّة من الممكن تلخيص أهمها بما يلي: ..
1- حرص إيران على أتمام برنامجها النووي بعد أن توصّلت بدبلوماسيتها طويلة النفس مع الغرب الى إتفاقيات حرّرتها من قيود حصار أمريكي – غربي إمتدّ لعقود وما لهذا البرنامج من تأثير كبير في جعلها لاعبا رئيسيا ليس في منطقة الشرق الاوسط فقط “هي لاعب رئيسي”، بل وحتّى على المستوى الأقليمي والدولي وهذا النجاح الإيراني في المفاوضات هو من أهم أسباب محاولة السعودية وحلفائها لجرّ إيران الى حرب مجهولة النتائج.
2- معرفة أيران من أن دخولها الحرب سيضعف من أمكانياتها العسكرية ما يفتح المجال لأنحسار دورها في مناطق نفوذها بالعراق وسوريا ما يؤدي على المدى البعيد الى تغيير ميزان القوّة الطائفية في البلدين، ما يعزّز نفوذ القوى “السنّية” بزعامة السعودية وتركيا وهيمنة الخطاب السلفي المتشدد ما يشكل خطرا على المصالح الإيرانية التي ستكون محاصرة بدول تكن لها العداء العلني والواضح.
3- سعي إيران للإستفادة من رفع الحظر الإقتصادي عنها لتعزيز مكانتها الإقتصادية خصوصا وأنها ليست بلدا ريعيا كما السعودية وبقية بلدان الخليج، علما أن عودة أيران وبقوّة الى سوق النفط والإستفادة من حصّتها في أكبر حقول الغاز بالعالم والتي تتقاسمها مع قطر بعد رفع المقاطعة التكنولوجية في مجال أستخراج الغاز من أعماق مياه الخليج وتصديره، ستعزز من قوتها المالية فالعسكرية بعد سنوات طويلة من أبتعادها عن التأثير في سوق النفط نتيجة الحصار والمقاطعة.
4- عدم أستعداد القوى العظمى والغرب لأندلاع صراع بين الطرفين قد يهدد صناعة النفط وتصديره ممّا سيتسبب بأرتفاع مفاجيء لأسعار النفط في وقت لازال الاقتصاد العالمي يمر بفترة إنكماش وعدم نمو، أمّا سياسيا فأن صراع مسلح بين الطرفين قد يهدد السلم بالمنطقة بالكامل بعد دخول دول تتحرك نتيجة أزماتها المالية وفق صانع القرار السعودي. لذا كان رد الفعل الروسي والفرنسي سريعا بمطالبة الطرفين بإعتماد الأساليب الديبلوماسية لحل المشاكل التي بينهما وإستعدادهما للتوسط بين الطرفين.
5- إن إيران تعرف أصول اللعبة وتلعبها بعقلية المحترف الذي يمارس الفعل وتدرس ما تريده بصبر وتأني ومن دون أن تتورط بشكل مباشر في أية حرب كونها خاضت حربا لثمان سنوات ضد العراق لم تخرج بعده منتصرة فقط على الرغم من معاناتها، بل ونجحت على المدى البعيد في ترسيخ دورها السياسي والديني والثقافي فيه. عكس السعودية التي تلعب اللعبة بأسلوب ردّ الفعل عندما تشعر بالفشل وهذا ما دفعها لشن حرب ظالمة ضد الشعب اليماني ولتتورط في مستنقع اليمن في حرب يبدو أن رحاها ستستمر طويلا لعدم أمكانية الحسم العسكري فيها.
إن أيران دولة شيعية وتعمل على توسيع رقعتها المذهبية أو الحفاظ عليها لأرتباطها بأمنها القومي ما يجعلها تصطدم بمؤسسات دينية سنّية، الّا أنها لم تتعرض لليوم لأتهامات برعايتها وتمويلها لأرهاب على شاكلة إرهاب القاعدة وداعش وبقية المنظمات السنّية المتطرفة في المنطقة وغيرها من المناطق كإفريقيا والتي وصل ضررها الى أوربا وأميركا وروسيا بل وحتّى الصين وغيرها من البلدان كما السعودية ، وهذا لا يعني مطلقا عدم دعم إيران لمنظمات وضعت على قائمة الإرهاب كما حزب الله وبعض الميليشيات العراقية. أمّا السعودية فهي ليست دولة سنّية على الرغم من طرحها نفسها كزعيمة للعالم الإسلامي السنّي بل هي دولة وهّابية تمثل أسوأ أشكال الاسلام من حيث المحتوى والتطبيق وهي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن كل أشكال الارهاب “السنّي” والذي في الحقيقة هو إرهاب وهّابي، مستفيدة من إمكانياتها المادية الهائلة وضعف إقتصاديات الدول العربية والإسلامية في شراء الولاءات السياسية وتشكيلها لكتل سياسية وعسكرية بزعامتها.
إن الخطر الأكبر الذي يهدد شعوب المنطقة اليوم بالأضافة الى خطري داعش والقاعدة وخطر الارهاب الديني من كل الاطراف، هو أندلاع حرب إقليمية في هذه المنطقة المهمّة والحسّاسة بالعالم والذي سيعرقل خطط التنمية ما سيؤثر سلبا على شعوبها، إذ ستزداد رقعة الفقر والبطالة والأمية وستفقد هذه الشعوب ما أستطاعت بناءه طيلة عقود من بنى تحتيّة. فمن اجل غد أفضل وسلام دائم لشعوب المنطقة ليرتفع صوت العقل أعلى بكثير من صوت طبول الحرب التي سيكون الموت فيها هو المنتصر الأكبر.