أطلق السيد إسماعيل هنية “أبو العبد” رئيس الحكومة الفلسطينية في عرف حماس، والحكومة المقالة في عرف عباس، تصريحات متفائلة واعدا الشعب الفلسطيني بقرب المصالحة الفلسطينية، إذ أعلن يوم الخميس الثاني من يناير 2014 خلال مشاركته في حفل تخريج دورة عسكرية لجهاز “الأمن والحماية” التابع لحكومته في مدينة غزة تصريحات قال فيها: ( العام الجديد سيحمل الخير لشعبنا الفلسطيني، وذلك باستعداد الحكومة الفلسطينية (أي حكومته في غزة ) أكثر من أي وقت مضى لتحقيق الوحدة الوطنية). وواصل وعوده حول عزم حكومته (اتخاذ قرارات هامة تمهد لمصالحة مجتمعية وتحقيق الوحدة الوطنية..إنّ القرارت من أجل أجواء ومناخات تصالحية فتحت بارقة أمل واسعة بحلول العام الجديد 2014 للشعب الفلسطيني الذي ملّ الانقسام ويطالب بتحقيق المصالحة التي طال أمدها). إنّ تصريحات وأقوال أبو العبد هذه كصياغة خطابية و كموضوع إنشاء كما كنّا نكتب في المرحلة الإعدادية، أعطيه عليها تسعة علامات ونصف من عشرة.

إذن لماذا أنا لست متفائلا بإتمام المصالحة؟

يعود عدم تفاؤلي بإتمام أية مصالحة فلسطينية قادمة رغم تصريحات “أبو العبد” الواعدة لرصدي العديد من المظاهر التشاؤمية طوال السنوات السبعة الماضية التي أعقبت انقلاب حماس العسكري وسيطرتها المنفردة على قطاع غزة في يونيو 2007 . وهذه المظاهر يرقى بعضها من الجانبين حماس في القطاع و فتح في الضفة إلى مستوى ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. وهذه هي أهمّ هذه المظاهر التشاؤمية وقد عشناها وعاشها الشعب الفلسطيني ميدانيا:

أولا: عدد اتفاقيات المصالحة التي لم تتحقق

منذ سيطرة حماس على القطاع والطرفان الحمساوي والفتحاوي يتغنيان ويتغزلان بموضوع المصالحة وأمطراه خطابة وبلاغة يعجز عنها أبلغ الشعراء، مما حدا بالعديد من الأطراف العربية للتدخل وساطة وإغراءا لتحقيق ذلك، خاصة بعد حالة الفلتان الأمني الذي أعقب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيل اسماعيل هنية حكومة حمساوية بحتة و رفض بقية الفصائل الفلسطينية المشاركة فيها،وتؤكد احصائية ل “لهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن” سقوط 322 قتيلا فلسطينيا بسبب الحرب بين حماس و فتح في الفترة بين يناير و نوفمبر 2006 فقط ، 236 منهم في القطاع و 86 في الضفة، مما حدا بالعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز للتدخل ودعوة الطرفين للتباحث تحت رعايته في مكة المرّمة، وبالفعل وقّعا في الثامن من فبراير 2007 ما عرف بإسم (اتفاق مكة) نصّ من ضمن نصوصه على (تشكيل حكومة وحدة وطنية ووضع حد لإراقة الدماء بين الجانبين) ولمزيد من الضحك على الشعب الفلسطيني واستهباله ذهبت وفود الطرفين الحمساوي والفتحاوي لأداء العمرة والتصور بالملابس البيضاء على أمل أن ينسى الشعب الفلسطيني الدماء الحمراء، وما إن عاد الطرفان للقطاع والضفة حتى أعلنا رفضهما للإتفاق وكافة تفاصيله، فقامت حركة حماس بانقلابها المعروف مترافقا مع عشرات القتلى وألاف المطرودين ، مسيطرة على القطاع منفردة بالكامل في الرابع عشر من يونيو 2007 . وأعقب ذلك الزيارات المكوكية لمدير المخابرات المصرية السابق الراحل الفريق عمر سليمان، دون أن يتمكن من تحقيق أي تقارب بين الطرفين. وأعقب ذلك توقيع اتفاق القاهرة في مطلع مايو 2011 ، ولحس الطرفان توقيعهما فور وصولهما لدويلتيهما في القطاع والضفة. ثم جاء اتفاق الدوحة العاصمة القطرية في مايو 2012 حيث وقّعه محمود عباس وخالد مشعل وأمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة كشاهد، وزفّ خالد مشعل الاتفاق كبشرى سارة للشعب الفلسطيني، بينما أعلن محمود عباس الإفراج عن 64 معتقلا حمساويا في سجونه بالضفة كبادرة حسن نية اتجاه خصمه الحمساوي. وها هي تمرّ حوالي سنتان ونصف لم يتمّ تطبيق أي بند من الاتفاق بل زادت الحرب بين الطرفين…بعد كل هذه الاتفاقيات والوساطات الفاشلة بإرادة وتصميم الطرفين كيف سنتفاءل من وعود اسماعيل هنية الجديدة؟.

ثانيا: التطهير التنظيمي في الضفة والقطاع

مارست حركتا حماس وفتح ضد بعضهما في القطاع والضفة بعد انقلاب حماس العسكري في يونيو 2007 ، ما يمكن تسميته “تطهيرا تنظيميا” شمل الإبعاد والسجن والطرد من الوظائف ووقف صرف الرواتب لدرجة أنّه في أغسطس من عام 2008 اضطر القيادي الفتحاوي أحمد حلس للهروب من القطاع مع حوالي 14 من مرافقيه وعائلته إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد اشتباكات ومداهمات مع ومن حركة حماس، وظلاّ هاربا ومبعدا عدة شهور إلى أن عاد لموطنه في القطاع. وللإنصاف فإن الحركتين مارسا ضد بعض في القطاع والضفة نفس العمليات وبنفس المستويات، وكأنّ كل حركة منهما تتعامل مع عدو وليس مع أفراد من أبناء شعبها. هذا بالإضافة لإجراء الانتخابات من طرف واحد في القطاع فلا تعترف بها فتح وفي الضفة فلا تعترف بها حماس..وهكذا فالطرفان يتعاملان كدولتين مستقلتين بينهما من الحرب والاحتقان ما لا يختلف عن ما هو مع الاحتلال الإسرائيلي. والمحزن أنّ هذه الحالة أدت إلى تصاعد النعرة العنصرية بين ما اسمه (غزّاوي ) و (ضفّاوي) فإذا نحن فعلا أمام شعبين وكأنّهما لا ينتميان لشعب واحد اسمه (الشعب الفلسطيني)…لكل ما سبق والكثير مما لم أذكره ومعروف للشعب الفلسطيني، أقولها بصوت عال (رغم وعود هنية لا أمل في مصالحة فلسطينية)، وسبق أن قلتها في أغسطس من عام 2007 أي بعد شهرين من انقلاب حماس بعنوان (الفلسطينيون والنموذج القبرصي)…فمن يصدّق مرور(سبع) سنوات على الانقسام الفلسطيني و (أربعون) سنة على الانقسام القبرصي؟!!!. لذلك إن تمت المصالحة الفلسطينية حسب وعود أبو العبد فسوف أعتذر له وأمدحه بقصائد شعرية أكثر بلاغة من مدائح المتنبي لكافور الأخشيدي حاكم مصر آنذاك..وكان المتنبي قد قال لكافور الأخشيدي طامعا في كرمه وعطاياه:
أبا المسك هل في الكاس فضل أناله فإنّي أغنّي منذ حين و تشرب
وأنا أخاطب أبو العبد قائلا:
أبا العبد هل في المصالحة أمل نناله فإنّنا منذ حين ننتظر وأنت تصرّح