بعد أنْ تسلمت داعش في عملية سهلة جدا الموصل باتفاق أمريكا ومحور دول الشر في المنطقة مع أطراف سياسية وعسكرية عراقية داخل الموصل وخارجها ، الخطوة الأخرى المتفق على تنفيذها حسب اتفاق مؤتمر عمان الأول التقدم باتجاه العاصمة بغداد ، وكان من أهداف هذا الحراك إجبار المالكي للتنازل عن ترشيحه لرئاسة الوزراء أولا، مع فرض خارطة تشكيل الحكومة الجديدة من قبل أمريكا والسعودية تسمح للسياسيين المحسوبين على المحور الأمريكي السعودي باستلام المناصب التي يريدونها ، كذلك فرض شروط أخرى للأطراف السياسية المحسوبة على المحور السعودي ، مع تنفيذ شروط الطرف الكردي ، وفق معادلة فرض الأمر الواقع .
لقد تحقق شرطهم الأول وهو حجب خيار الشعب العراقي ، وحرمان المالكي من استحقاقه الإنتخابي بمجرد دخول داعش إلى الموصل ، إذ تحركت جهات سياسية من التحالف الوطني ومن دولة القانون وأطراف من حزب الدعوة الإسلامية لتحقيق هذا الغرض ، وهنا تتبادر بعض الأسئلة من حق أي مواطن أو مراقب أن يطرحها:
هل كان حراك أعضاء من دولة القانون حصل نتيجة اتخاذ قرار من الكتلة أم لا ؟ وهل موقف أعضاء في حزب الدعوة الإسلامية نتيجة اتخاذ قرار من الحزب حسب مبدأ الشورى الذي هو من أساسيات عمل حزب الدعوة الإسلامية أم حصل نتيجة اجتهاد شخصي من بعض الأعضاء ؟
وهل حصل القرار نتيجة تفاهم واتفاق الأطراف السابقة مع أطراف سياسية من خارج التحالف الوطني ، أم تمّ استجابة للأمر الواقع وظروف مستجدة قاهرة ؟
هذا ما لم نعرفه لغاية هذا اليوم ، علما إنّ المالكي والسياسيين الآخرين من دولة القانون الداعمين للإستحاق الإنتخابي قد تفاجأوا بإجراءات زملائهم المؤيدين لإلغاء خيار الشعب العراقي .
على ضوء هذه المتغيرات وتقديرا للظرف الحرج الذي يمر به العراق ، وحرصا من المالكي للمحافظة على مصلحة الشعب العراقي العليا ، وتفويتا للفرصة على المتربصين من أعداء العراق وأعداء العملية السياسية الجديدة في التصيد بالماء العكر، حصل التغيير في موقف المالكي في اليوم التالي من أجل جمع الشمل وتوحيد الكلمة حسب ما ذكر هو ذلك ، وأعلن في كلمته ( لأسالمن ما سلم العراق ) متأسيا بقول الأمام علي عليه السلام ( لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ) عندما سُلِب حقه الإلهي في تولي شؤون الأمة من بعد الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم .
كلامنا السابق لا يعني أننا لسنا مع الدكتور حيدرالعبادي في تولي مسؤولية رئاسة الوزراء ، فهو أيضا إبن حزب الدعوة الإسلامية وينتمي إلى نفس المدرسة التي ينتمي إليها المالكي ، لكننا لسنا مع مصادرة حق الشعب العراقي في الأختيار، لأنّ التغيير حصل خارج السياقات الديمقراطية ، وفرض فرضا من خلال سياسة الأمر الواقع تحت ستار ما سمي في حينها ( المقبولية ) ، مما ولّد إحباطا في نفوس الجماهير ودفعها للتساؤل عن جدوى إجراء الإنتخابات ؟!!
بما أنّ العملية أصبحت أمرا واقعا ، نتمنى للسيد العبادي رئيس الوزراء الجديد أنْ ينجح في الحفاظ على مصالح الشعب العراقي ، ونتمنى عليه أنْ لا يسمح للشركاء السياسيين التمادي في المطالب أكثر من الأستحقاق والحجم الإنتخابي، وعليه أنْ لا يستجيب لأي مطلب خارج الدستور والقانون ، كذلك لا يستجيب للرغبات الأمريكية والسعودية ومحورهم من الدول الأخرى الذين يريدون تغيير المعادلة السياسية في العراق لصالح أتباعهم من السياسيين ، أو على الأقل يريدون عودتهم للمسؤولية رغم أنّ البعض منهم مطلوب للقضاء العراقي بتهم الإرهاب أو الفساد .
بعد هذه المتغيرات حصل تغيّير أيضا في خطة داعش في التوجه إلى بغداد ، وكان من عوامل تغيير إتجاه حركة داعش تحقق هدف حجب المالكي عن استحقاقه الإنتخابي من جهة ، وإصدار المرجعية المتمثلة بالسيد السيستاني فتوى الجهاد الكفائي للدفاع عن الوطن والشعب من جهة أخرى ، فاتجهت حركة الوحش الدموي ( داعش ) نحو كردستان ، لكن المتحكمين بلعبة داعش لم يوافقوا على الحركة صوب كردستان ، فأصدروا الأوامر إلى داعش بالتوقف في السير باتجاه أقليم كردستان ، أما ما نسمع اليوم من قتال في بعض المناطق بين البيشمركة وداعش ، فهو خارج حدود كردستان في المناطق المسماة المتنازع عليها ، وتقع ضمن حدود محافظات الموصل أو كركوك أو ديالى التي تريد حكومة كردستان ضمها تمهيدا لإعلان الدولة الكردية ، وهذا ما صرح به مسعود البارزاني رئيس الأقليم ، ولهذا السبب رأينا أمريكا والغرب قد اندفعوا بسرعة فائقة لدعم الكرد في قتالهم مع داعش لأنّ محور الشر الأمريكي يؤيد انفصال كردستان عن العراق ، ويعدونه خطوة باتجاه مشروع كيسنجر ، ومن بعده بايدن لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات .
تقدم داعش نحو كردستان ليس هدفا لأمريكا في الوقت الحاضر ، لكن ربما سيكون هدفا في المستقبل لأهمية كردستان أن تكون قاعدة لانطلاق الإرهاب صوب إيران وهذا هدف مهم بالنسبة إلى أمريكا وإسرائيل ، وعندما يحين ذلك الوقت ليس شرطا أن تكون المنظمة الإرهابية باسم داعش ، فقد تكون منظمة إرهابية جديدة تحمل عنوانا آخر ، وهذا أمر طبيعي فولادة منظمة إرهابية بعنوان جديد ليس عسيرا ودوائر المخابرات جاهزة لهذه المهمة ، إذ يمكنها إنتاج منظمات إرهابية حسب الطلب والمصلحة الأمريكية والصهيونية ، لتوفر مستلزمات الإنتاج من فكر ديني متطرف وأموال خليجية مع شباب عقولهم مؤدلجة بالكراهية والقتل وسفك الدماء باسم الدين والجهاد مع مقبلات جاذبة للشباب مثل جهاد النكاح لإشاعة الفاحشة والرذيلة وإنتاج مقاتلين غير شرعيين من زيجات النكاح لتجنيدهم في منظمات الإرهاب ، وبعد الموت والإنتحار يكافأ الشباب بآلاف من حوريات الجنة ، بهذه الخزعبلات والتدجيل يصطادون المئات من الشباب الإنتحاريين الذي يتهافتون على الموت للفوز بالجنة والحوريات ، وعمليات غسل الدماغ يقوم بها شيوخ المذهب الوهابي التكفيريون .
بعد ولادة المنظمة الإرهابية الجديدة ، يحدد مكان العمل واسم وعنوان المنظمة الإرهابية مع المهمات المطلوب تنفيذها على الأرض ، وقبل أيام سمعنا بمنظمة إرهابية جديدة في سوريا لم نسمع بها من قبل سمتها أمريكا (خراسان) وادّعت أنها قصفت مواقعها ومواقع لداعش في سوريا .
الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن إنّ الإرهاب موجود في سوريا منذ أربع سنوات وهو مدعوم من أمريكا ومحورها طيلة هذه المدة ، فلماذا تحركت أمريكا في هذا الوقت بالذات مدعية أنها بصدد محاربة الإرهاب في سوريا والعراق ؟
ما تفسير هذه الصحوة المتأخرة ؟
ولماذا تحركت ضد عناوين أرهابية محددة وتركت العناوين الإرهابية الأخرى ؟
إنّ أمريكا وفرنسا والسعودية وقطر والأمارات والبحرين والأردن وتركيا وبقية دول المحور الأمريكي ، لا زالت تدعم هذه المنظمات التي أسموها معتدلة وطالبوا بتقديم الدعم لها ، وفعلا تكفلت السعودية بتدريب ( 5000 ) أرهابي لترسلهم إلى سوريا ، وكذلك الأردن وتركيا ، وقد عقدت تركيا إتفاقية مع أمريكا بخصوص ما أسموه تدريب ( المعارضة المعتدلة ) في سوريا ، هذه هي المسرحيات الأمريكية التي تضحك فيها على الذقون ؟
هل تتصور أمريكا ومحورها إنّ الشعوب العربية وصلت إلى هذه الدرجة من السذاجة بحيث لا تستطيع التمييز بين الحق والباطل ، والخير والشر ؟
هل تتخيل أمريكا أن الشعوب لم تشخص لحد اليوم النوايا السيئة لها ؟
لقد سقط الكثير من الأقنعة ، ومن دول المحور الأمريكي التي سقط عنها القناع ، وباتت مكشوفة النوايا من خلال ما قامت به من أدوار سلبية ضد الشعب العراقي ، رغم ما يقدم العراق لها من مساعدات دعما لاقتصادها هي دولة الأردن ، إذ تحولت إلى فندق كبير يأوي الهاربين من القضاء العراقي المتهمين بالإرهاب والفساد ، وأصبحت مقرا لتجمع البعثيين الذين لا زالوا يتآمرون على العراق ويريدون الإنتقام من شعبه ، وآخر دور سلبي قامت به الأردن ضد العراق ، اشتراكها في لعبة تسليم الموصل إلى داعش ، إذ عقد فيها مؤتمران للإرهابيين والبعثيين والهاربين من القضاء العراقي ، الأول قبل تسليم الموصل وضم جميع المتآمرين على تسليم الموصل إلى داعش ، والآخر بعد التسليم برعاية الحكومة الأردنية وبعلم الحكومة الأمريكية .
تحدثت قناة العالم الفضائية عن المؤتمر الأول المنعقد في عمان تحت عنوان :
( المشاركون في مؤتمر عمان التآمري لاحتلال الموصل )
وتطرق الخبرإلى الشخصيات والعناوين المشاركة في الإجتماع : (( شارك في الإجتماع كل من رئيس الإستخبارات الأردنية وممثل الملك صالح القلاب ، والحزب الديمقراطي الكردستاني ممثلا بآزاد برواري، ونائب الإستخبارات الكردية مسرور البارزاني المعروف (جمعة) ، كما حضر ممثلون عن فروع عدة لحزب البعث وعزة الدوري باسم (الحركة النقشبندية) ، ومندوبان عن (جيش المجاهدين) منهم شخص اسمه (أبو ماهر) وشخص باسم ( سيف الدين ) عن ( أنصار الإسلام ) و(جيش أنصار السنة) و(جيش أنصار الطائفة المنصورة) الذي يتشكل من المغاربة والجزائريين وكتائب (ثورة العشرين) و(جيش الإسلام) و(شورى أنصار التوحيد) و(جيش أنصار التوحيد) وشخص ليبي موجود الآن في الموصل .
وكان هدف الإجتماع احتلال الموصل والتقدم باتجاه بغداد ، وقد عقد المؤتمر في عمان بمشاركة عدد كبير من المعنيين بشؤون الشرق الأوسط وبرعاية الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل وتركيا )) .
وبناء على مقررات مؤتمر عمان تقدمت داعش من الحدود السورية باتجاه الموصل واستلمتها من المعنيين بالصفقة في سهولة ويسر، وتم الإعلان من الموصل عن تأسيس ما يسمى ( الدولة الإسلامية ) وأعلن عن عميل الموساد ( أبو بكر البغدادي ) خليفة لدولة الخرفان ، وبتسليم الموصل إلى داعش سقطت أقنعة كثيرة ، ونحن بانتظار القادم من الأيام لتسقط أقنعة جديدة أخرى ، وبعد احتلال الموصل من داعش تهيأت الأردن لعقد مؤتمر ثان عن العراق ، وفعلا عُقد المؤتمر في عمان بتأريخ 16 تموز 2014 م ، تحت شعار : ( عمان لدعم الثورة وإنقاذ العراق ) .
اشترك في المؤتمر الثاني من ( 150 – 200 ) شخصية ، وجميع الشخصيات إما تنتمي إلى أحد محاور حزب البعث ، أو إلى إحدى منظمات الإرهاب ، وعدد كبير من الشخصيات المطلوبة للقضاء العراقي ، وقد أوضح الناطق باسم ما يسمى (مجلس ثوار عشائر العراق) (الشيخ) أبو عبيد النعيمي وهو أحد شيوخ الدولارات الخليجية (( إنّ المؤتمر سيعقد برعاية العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وأشار أيضا إنّ الملك قد يحضر المؤتمر ، وإن لم يحضر فسيكون هناك ممثل عنه ، مؤكدا أنّ الملك الأردني اتصل به شخصيا لبحث مسألة عقد المؤتمر ؛ وعن الموقف الأمريكي ، وهل لواشنطن دور في المؤتمر؟ أكد النعيمي إنّ الولايات المتحدة تدعم المؤتمر لوجستيا ، ولكن لن يكون هناك حضور أمريكي )) .
تصريح النعيمي الناطق باسم ما يسمى ( مجلس ثوار عشائر العراق ) المدعوم بدولارات النفط الخليجي ، يؤكد على دور الأردن في دعم منظمات الإرهاب العاملة في العراق ، لأن هذا المجلس يضم فصائل إرهابية عديدة تعمل في الساحة العراقية وبذلك فإن الأردن وأيضا حكام السعودية وقطر والإمارات والبحرين وتركيا إضافة إلى إمريكا وفرنسا وبريطانيا ، كلهم مسؤولون عن إراقة دماء الأبرياء من أبناء الشعب العراقي ، ومسؤولون عن دماء الأبرياء في الساحات العربية والإسلامية التي ينتشر فيها الإرهاب ، لأن مصدر تمويل جميع منظمات الأرهاب العاملة في الساحة العراقية والعربية هم حكام الخليج ، وقد اعترف بايدن نائب الرئيس الأمريكي أخيرا بهذه الحقيقة عندما أعلن صراحة أن ( السعودية ودولة الأمارات وتركيا ) يدعمون الإرهاب في العراق وسوريا ، وتوجد دول أخرى لم يذكرها بايدن لأسباب هو يعرفها ، وقد انزعج أردوغان المنتمي إلى الفكر التكفيري من هذا التصريح ، فقدم بايدن اعتذاره الى تركيا ثم الأمارت والسعودية ، تصريح نائب الرئيس الأمريكي بايدن بتورط دول الخليج بدعم الإرهاب ثم اعتذاره منها سيناريو متفق عليه بين اللاعبين ، لغايات يعرفها المستفيدون من اللعبة .
هذا هو الأردن ودوره ضمن المحور الأمريكي في المنطقة ، مؤتمران عن العراق قبل احتلال الموصل وبعد الإحتلال ، لقد سقط القناع وانكشف الوجه الحقيقي ، وبعد هذا الوضوح للدور الأردني المشبوه خرج علينا وزير الخارجية الأردني ليقول إن الأردن لا علاقة لها بالمؤتمر، فهل أحد يصدق كلامه ؟
هناك مؤشرات أخرى تؤكد تورط الأردن في دعم الإرهاب ، بعد احتلال الموصل إذ شارك الأردن مع الدول الأخرى المعادية للعراق بمنع طائراته المدنية من التحليق في الأجواء العراقية ، والسبب لأنّ طائرة ماليزية سقطت في الأجواء الأوكرانية ، بالله عليكم وما علاقة ذلك بالعراق ؟
كذلك قام الأردن بإجراء آخر ضد العراق ، عندما أخذ يضغط على التجار العراقيين داخل الأردن ويحاول أن يحدّ من نشاطاتهم التجارية ، بل أخذ يهدد البعض منهم بتسفيرهم من الأردن ، رغم أنهم مقيمون في الأردن منذ سنوات ، وآخر ما قامت به الأردن من عمل حاقد على العراق ، إحتفالات التأبين للمجرم صدام بمناسبة الذكرى السنوية لإعدام الطاغية صدام على مسمع ومرأى الحكومة الأردنية ، هذه بعض الصفحات المكشوفة التي تقوم بها الأردن ضد العراق ، وما خفي أعظم .
لك الله ياعراق ، بعد كل هذه المؤشرات هل يمكن أن نصنف الأردن صديقا للعراق؟ علما إنّ العراق لايزال يقدم المساعدات ويدعم أقتصاد الأردن من خلال بيع النفط باسعار مخفضة ! واليوم بعد أن سقط القناع عن وجه الأردن ، وانكشفت النوايا الحقيقية ، على الحكومة العراقية اتخاذ الإجراءات المطلوبة للمحافظة على مصلحة العراق ، وردع الأردن عن تصرفاته المضرّة بمصلحة الشعب العراقي .
بعد احتلال الموصل أو الصحيح بعد تسليم الموصل إلى داعش سقط الكثير من الأقنعة ، ونحن بانتظار سقوط جميع الأقنعة عن وجوه حلفاء الشيطان .
بقلم: علي جابر الفتلاوي