ذكرى سقوط الموصل .. وحافة الهاوية
ادهم ابراهيم
في العاشر من شهر حزيران 2014 سقطت المدينة العراقية العريقة ذات التاريخ المجيد ، موصل الحدباء بيد اعداء الحضارة والانسانية ، داعش المجرمة . او ماسميت بدولة
الخلافة على نهج النبوة . والتي بشر بها قبل عامين من هذا التاريخ دعاة مقربين من الاخوان المسلمين ، وهم ليسوا بعيدين عن القاعدة وداعش . سقطت المدينة على حين غفلة من اعيننا . وربما لم تكن كذلك بالنسبة للجالسين على مقاعد الحكم في بغداد
سقطت المدينة وتلوث تاريخ العراق وجيشه ، رغم وجود خمس فرق عسكرية بكامل تجهيزاتها امام عصابات لايتجاوز افرادها بضع مئات على وفق اغلب التقديرات . . ولم تكن هذه المدينة لتسقط لولا خيانة بعض قادة العراق الجدد الذين باعوا ضميرهم للاجنبي
سلمت المدينة بكاملها الى تنظيم الدولة اضافة الى المعدات العسكرية لخمس فرق عسكرية مجهزة بالدبابات والدروع واسلحة مختلفة بملايين الدولارات ، وكذلك المطار ، والبنك المركزي ومخزوناته من سبائك الذهب وودائع بملايين الدولارت . . ومتحف الموصل الذي يضم الغالي والنفيس من الاثار ، وجامعة الموصل ومكتبتها الزاخرة وكل مرافق المدينة العامة والخاصة … وتصاعدت اعمدة الدخان في كل مكان من المدينة . وتم سبي اهلها من مسلمين ومسيحيين وايزيديين وشبك وغيرهم من الطوائف المسالمة المتعايشة مع بعضهم لقرون طويلة
وبالرغم من ان ممارسات الميليشيات الحزبية كانت تضايق اهلنا في الموصل قبل الغزو المشؤوم ، الا انهم لم يتصوروا يوما ان تسلم المدينة بهذه السهولة لاستباحتها من هؤلاء الاوباش . وكأن هناك مخطط تأديبي مدمر قد اعد للموصل واهلها ، لالسبب الا لانهم لم ينصاعوا للفاسدين والمتخلفين من ميليشيات ضالة . . وقد تسبب ذلك في تهجير ٣.٢ مليون مواطن . مازال ثلثهم يعيش في مخيمات بائسة . . كما لم يتم الى يومنا الحاضر اي اعمار لهذه المدينة
ان الفساد الذي كان مستشريا في صفوف القوات الأمنية، وعدم مبالاة الحكومة المركزية بتدهور الاوضاع السياسية والاجتماعية في البلد وخصوصا في محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى ، وتعاملهم السئ مع المواطنين في هذه المدن قد فاقم الغضب الشعبي ولم تتفهم القيادة في بغداد خصوصية هذه المدن واهلها ، مما اتاح الفرصة للدواعش لاستغلال الظروف الاستثنائية للسيطرة عليها ، وتهديد امن واستقرار العراق كله
مازالت اثار احتلال الدواعش وماترتب عليه من انهيار الجيش واحلال تشكيلات مسلحة استثنائية جديدة ، وتغول الميليشيات الحزبية ، وتدخلها في شؤون المواطنين اليومية بما فيها الدخول في استثمارات تجارية وصناعية وزراعية كما وجدناه في هيمنة احدى الميليشيات على مدينة العاب الموصل وتسببها في غرق العبارة نتيجة الاهمال وضعف الرقابة دون ان نرى اي محاسبة لها مما حز في ضمير المواطن العراقي والموصلي على وجه الخصوص . . وكذلك وجدنا هذه الميليشيات تستثمر في الزراعة والصناعة في جرف الصخر بعد تهجير اهلها وبقاء الميليشيات بدعوى محاربة الدواعش . كما نجد كثير من المجاميع المسلحة الخارجة عن القانون تعبث بالامن العام في كل ارجاء العراق تحت ادعاء الانتماء الى الحشد الشعبي او الاحزاب الحاكمة . حتى صرح رئيس الوزراء السابق ان هناك مائة تظيم مسلح خارج عن القانون . فانتشر السلاح الى خارج مؤسسات الدولة الامنية الى درجة ان رئىيس اركان الجيش الحالي قد طالب مرارا بحصر السلاح بيد الدولة دون جدوى
هذا من جهة ومن جهة اخرى فان سقوط الموصل قد ادى الى استفحال مشاكل العراق كله من خلال التدخلات الدولية والاقليمية بشؤونه الداخلية ، وخصوصا من قبل امريكا وتركيا وايران ، تحت ذريعة محاربة داعش . وكذلك عسكرة المجتمع من خلال اعطاء الشرعية لميليشيات الاحزاب الحاكمة. وتحكمها بالمجتمعات المحلية ونصب السيطرات واخذ الاتاوات والاستحواذ على المنافذ الحدودية، وتهريب النفط ، والسطو على اموال النازحين واتخاذهم ذريعة للارتزاق .. وبيع وشراء المناصب وخصوصا في المناطق المحررة ، والتنازع على النفوذ والسلطة في كل مجالس المحافظات من الشمال الى الحنوب، رغم انتهاء ولايتها وتجديده عدة مرات بمخالفات صريحة للقانون والدستور
وهذا كله لم يخرج عن مشروع تخريب العراق المتعمد ، بدءا من تصفير المعامل الحكومية والخاصة ، ثم الزراعة . وبعدها تدمير الثروة السمكية والدواجن . واخيرا وليس اخرا الحرائق المشتعلة في حقول الحنطة والشعير والبساتين لتدمير السلة الغذائية العراقية وجعل البلد عاجزا عن انتاج طعامه حتى يستورد كل شئ
وعادت اساليب القهر والتغيير الديموغرافي في سهل نينوى وديالى والضلوعية وسامراء ومنع الاهالي من العودة الى ديارهم بالقوة . واصبح جرف الصخر قاعدة للميليشيات خارج سيطرة الحكومة . كل هذه الاعمال والسلوكيات غايتها اشاعة الفوضى وخلط الاوراق لاكبر عملية تدمير لارض العراق وثرواته وشعبه
يقول الخبير والمحلل الاستراتيجي هشام الهاشمي انه على الرغم من كم التضحيات فإن أزمة الموصل لم تكن مصححة للأخطاء التي ارتكبت والتي أدت إلى سقوط المدينة ويرى أن الأسباب التي أدت إلى صعود تنظيم الدولة ما زالت قائمة ، لذا فإن نكسة الموصل وما حصل بعدها من تحرير لم تكن تصحيحا ، وقد تحققت هزيمة التنظيم دون النصر عليه ، ولا ادل على ذلك الهجمات التي يشنها تنظيم الدولة على مشارف القرى والمدن المحررة . . ويؤكد الهاشمي أنه كلما تصاعدت المظالم أدت إلى تمكين الجماعات الراديكالية في أي مجتمع من النهوض والعودة مرة اخرى للعبث بمقدرات الشعب المغلوب على امره
وقد قال ممثل المرجعية الدينية في كربلاء في خطبة الجمعة يوم14حزيران الجاري ( ان استمرار الصراع على المغانم والمكاسب واثارة المشاكل الامنية والعشائرية والطائفية هنا او هناك لاغراض معينة ، وعدم الاسراع في معالجة مشاكل المناطق المتضررة بالحرب على الارهاب تمنح فلول داعش فرصة مناسبة للقيام ببعض الاعتداءات المخلة بالامن والاستقرار ، وربما يجدون حواضن لهم لدى بعض الناقمين والمتذمرين فيزداد الامر تعقيدا ) واضاف ان تطبيع الاوضاع في تلك المناطق وتوفير الامن فيها على اسس مهنية تراعي حرمة المواطن وتمنحه فرصة العيش بعز وكرامة وتمنع من التعدي والتجاوز على حقوقه القانونية يتسم بالضرورة القصوى ، وبخلاف ذلك تزداد مخاطر عودة البلد الى الظروف التي لاتنسى الامها ومآسيها
اعلنت هيومن رايتس ووتش في تقريرها الاخير الصادر في يونيو ان هناك 1.8مليون نازح غير قادرين على العودة الى مدنهم المحررة خوفا من تعرضهم لعقاب جماعي . . ويشير الوضع الحالي في ديالى وكركوك وبيجي الى تصاعد الازمات ، والتي تشكل كل واحدة منها تحديا كبيرا للحكومة المركزية . حيث تطغى الاحزاب والفصائل المسلحة على المشهد العام في البلد . مشهد تقاسم السلطة والثروة . التي تشمل كل موارد الدولة المباشرة وغير المباشرة ومنها الوظائف الحكومية وسرقة النفط والمعابر الحدودية وتجارة السلاح والادوية المغشوشة . في ظل قوى امن فاسدة او مهددة بعدم التدخل . واستفحال الفصائل المسلحة من كل الاحزاب والتكتلات المشاركة في العملية السياسية ، او من خارجها . ونتيجة لذلك نجد انعدام الامن والفوضى . مما عزز نفوذ داعش واذرعها ، وربما سيعودون الى احتلال مدن مرة اخرى . لبقاء الاسباب التي ادت لهذه الخروقات
ان هناك مؤشرات الى ان امريكا وايران وهما يتنازعان حول النفوذ في المنطقة سيستغلان وضع العراق الحرج ، وضعف الحكومة ، لتنفيذ اجنادتهما باحداث فوضى عارمة . كل لمصلحته . وسنشهد مزيدا من القذائف والتفجيرات تساهم فيها ميليشيات تابعة لايران . واخرى مجهولة ، قد تؤدي في النهاية الى انقسام المجتمع الواحد واعادة رسم خارطة جديدة العراق
واذا كانت داعش وافكارها المتطرفة تعتاش على انقسام المجتمع وتستغل نقمة فئات عديدة من المجتمع ، فان الواجب الوطني يقتضي العودة عن سلوك التفرقة والتغيير الديموغرافي
ومعاملة المواطنين على قدم المساواة بغض النظر عن الدين والقومية والطائفة
كما ان مبادئ العدلة توجب احالة المتسببين في سقوط الموصل ، وكل من ساهم بصورة مباشرة او غير مباشرة بهذه الانتكاسة الى القضاء بالاستناد الى نتائج التحقيق في جريمة سقوط الموصل الذي وضع تقريرها في الرفوف العالية والمعد من قبل اللجنة التحقيقية لمجلس النواب ، اضافة الى مسؤوليتهم المباشرة في مجزرة سبايكر التي ذهب ضحيتها المئات من شباب العراق اليافعين
كما يقتضي الامر تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة الفاسدين الذين تسببوا بفسادهم انهيار مؤسسات الدولة العراقية واضعاف الجيش وقوى الامن الداخلي وسقوط المدن العراقية بيد الدواعش
وكذلك حصر السلاح بيد الدولة . والقضاء على الميليشيات التي بدأت العبث بشؤون البلد ومستقبله باوامر من اسيادها من خارج الحدود عن طريق اشاعة الفوضى برمي القذائف والهاونات على مناطق عسكرية واقتصادية مهمة
وبعكسه فان الاوضاع سوف لن تبشر بخير وسيسير العراق نحو الهاوية بعودة العناصر والتظيمات الارهابية تحت مسميات اخرى ، اضافة الى تناحر الميليشيات الحزبية الحاكمة في صراعها على السلطة في هذا الوقت العصيب . . وهذه كلها ستؤدي الى الفوضى وربما تمزيق العراق الى دويلات طائفية وقومية متناحرة فيما بينها الى اجل غير مسمى. وقد بدأ العد التنازلي فعلا . ولايمكن وقف التداعي هذا الا من قبل رجال مخلصين يتصدون لانقاذ البلد قبل فوات الاوان
ادهم ابراهيم