لم يكن مستغربا ما حصل من أعمال عنف عصفت في أيام عاشوراء في المملكة العربية السعودية في منطقة الإحساء والتي استهدفت مراسيم العزاء للطائفة الشيعية في وقت يتزايد فيه الشد الطائفي في المنطقة، ويرتفع فيه مستوى القمع الطائفي الذي تمارسه السلطات السعودية ضد الطائفة الشيعية.
وبغض النظر عن الدوافع الأسباب التي شكلت الحدث فانه يمثل بلا شك خروجا عن سيطرة الحكومة السعودية، فالأخيرة وان كانت لا ترحب بأي توسع او نشاط شيعي على أراضيها إلا إنها لا ترغب في ان يخرج الصراع من نطاق سيطرتها ليتحول بين أشخاص او عناصر او جهات تمارس العنف ضد هذه الطائفة، كونها (اي حكومة المملكة) تدرك جيدا إن مثل ذلك العنف سيتوسع فيما بعد ليشمل طوائف أخرى او قد يمتد ليسبب مشكلة امنية كبيرة للحكومة الحالية.
جرس الإنذار قد قرع في السعودية وهذا ما قد كنا ذكرناه سابقا في مقالات عدة حيث توقعنا نهاية المعركة التي تدور الآن في سوريا والعراق بين عناصر الدولة الإسلامية او ما يعرف بـ(داعش) بشكل أسرع مما توقعه الغرب لأسباب عدة أهمها ان الوضع الاجتماعي العراقي والسوري لا يرغب بوجود مثل هكذا تنظيمات بشكل عام وان وجودها كان نتيجة اما لأخطاء حكومة البلدين او بمخطط خارجي تعاطف او تعاون معه بعض الأطراف الداخلية، وان عودة عناصر هذا التنظيم بعد نهاية معركة العراق وسوريا (كما توقعنا سابقا) سيكون باتجاهين.
أولهما منطقة الخليج، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي، على نحو ما تعكسه الخريطة الجديدة للتنظيم التي نُشِرت أخيرا من قبله، والتي شملت حدودها دولة الكويت، مما دفع وكيل وزارة الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، بالتعليق على هذه الخريطة بقوله (….لقد أشرنا إلى خطورة الموقف في العراق سابقا، وداعش لا تستهدف الكويت فقط، وإنما المنطقة بأكملها، والخريطة التي نشرت تؤكد هذا الكلام”، مؤكدا أن ”الخطر موجود، وعلينا الحذر،…).
الاحتمال المتوقع لمهاجمة التنظيم لمنطقة الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ناشئ من أسباب عدة يتمثل أهمها في:
1- الصراع الطائفي في المنطقة عموما وما عكسه سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية وتدخل دول إقليمية وعالمية لجانب الحكومتين العراقية والسورية اللتان تحسبان على طائفة معينة من قبل المتطرفين، شكل احتقان مضاعف في الدول التي تشغلها غالبية سنية وخصوصا المملكة يدفع باتجاه التمرد على حكوماتها، حيث وقفت بشكل متفرج (حسب وجهة نظر التنظيم) ولم تتخذ إجراءات لحماية الطائفة السنية في تلكما الدولتين.
2- شوق سيطرة عناصر الدولة الإسلامية على اكبر المدن العراقية في حزيران الماضي وبسرعة مذهلة، المهمة للكثيرين خارج العراق في الدول المجاورة لتكرار العملية على أساس إقامة دولة خلافة تتقارب وتتواشج لتتصل بدولة خلافة (العراق والشام)، ولاسيما بوجود خلافات كثيرة في داخل الحكومات والعوائل المالكة في دول الخليج.
3- وجود ملفات الفساد الكبيرة التي قد تفتح في بعض هذه الدول والتي تشمل غسيل الأموال وتمويل الجماعات الإرهابية والمتطرفة في العالم من قبل بعض المتنفذين في الحكومات، والخوف من كشفها يدفع باتجاه إثارة الاضطرابات تمهيدا لإتلافها وإذابتها في فوضى عارمة.
4- تصنيف المملكة الأخير لتنظيم داعش في سوريا كجماعة إرهابية– ضمن جماعات أخرى شملها هذا التصنيف- وحاولت من خلاله إضعاف هذا التنظيم في الداخل السوري في مواجهة جماعات المعارضة السورية الأخرى “الأكثر اعتدالاً”، جعلت التنظيم يضع المملكة نصب عينه لنشاطه القادم، وبشكل أكثر وضوحا التهديد الذي أطلقته، في مايو الماضي 2014، مجموعة من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش”- وهددت من خلاله بالتمدد إلى الدول الخليجية، ردا على الإجراءات الأخيرة التي أقرتها بعض الدول الخليجية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، لمكافحة الإرهاب بشأن العائدين من سوريا.
5- كثرة المقاتلين السعوديين في صفوف هذا التنظيم حيث أشارت إحدى تقديرات وزارة الداخلية السعودية، في إحدى إحصائياتها إلى أن نحو 1200 سعودي انضموا إلى متشددين إسلاميين في المعارك الدائرة في سوريا، من ضمن نحو 11 ألف مقاتل أجنبي ينتمون لنحو 70 دولة.
6- الوضع الهش والمربك في اليمن تحديداً بحكم الجوار الجغرافي، وتماس الحدود بين الدولتين، إضافة الى الأجواء السياسية المشحونة بين الحكومة السعودية والكثير من الجهات المتنفذة في اليمن خصوصا حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
7- تركيز الدول العالمية في الوقت الحالي على تنظيم الدولة الإسلامية، سهل الحركة لتنظيم القاعدة الأم للتحرك لتنفيذ ضربات مستقبلية في مناطق مهمة ومن ضمنها مناطق الخليج مما قد يوحد التنظيمات الأخرى معه لخلق إرباكا يمكنها للنفوذ منها للمنطقة.
إن الخطر الحقيقي من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية لا ينحصر في مسكه الأرض بمنطقة معينة فقط وإخراجها من سيطرة حكومة ما، وإنما يمثل نموذجا واضحا لسعى بعض الجماعات الدينية الراديكالية لفرض سيطرتها على مناطق جغرافية بعينها عبر رفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، وفقًا لتفسيراتها المتشددة، وجعلها مسرحا لنشوء مافيات الحرب وتجارة البشر وإذكاء الفتنة بشكل مروع.
فانتشار هذا النمط في أي منطقة يفرض تهديدات عديدة، ليس فقط بسبب تداعياته السلبية على بنية الدولة التي ينشأ فيها، وإنما أيضًا بسبب الأثر الاجتماعي الذي ينشا عنه حيث تشير بعض التقارير الأولية إلى أن أكثر من150,000 شخص قد غادروا مدينة الموصل وحدها، بعد سيطرة تنظيم داعش عليها في حزيران الماضي، إضافة الى الأثر الانتشاري الذي قد يحدث نتيجة نجاح تجربة تأسيس إمارة ما دون تمكن الدولة من مواجهتها وفرضه قوانين وإجراءات خارجة عن المألوف.
رؤيتنا في منطقة الخليج في المرحلة القادمة تتراوح في حدوث تداعيات بالنسبة لدولها مفتوحة على احتمالات عديدة، قد يكون من بينها سعي هذا التنظيم إلى خلق ظهير قوي له في إحدى هذه الدول، عبر آليات مختلفة منها التجنيد او التحشيد عن بعد، او الضرب من الداخل بهزات قوية.
ورغم ان الكثير من المحللين مازالوا يستبعدون سيناريو (غزوة الخليج) حاليا على اقل تقدير، بالنظر إلى الإجراءات الأمنية الاحترازية التي اتخذتها دول المجلس أخيرا بشأن انخراط المواطنين في القتال بالخارج، أو بشأن عودة المقاتلين من سوريا أو العراق، الا انه يبقى سيناريو قائما وغير مستبعد بشكل نهائي.
فصاعقة حزيران 2014 العراقية التي حلت وتمكن من خلالها تنظيم داعش من السيطرة على ثاني كبرى المدن العراقية، وبعدد قليل جدا من القوات في مواجهة أضعاف هذا العدد من القوات الحكومية، تنبه وتوضح أن ثمن تجاهل احتمالات حدوث ما لا يمكن تصديقه منطقياً قد يكون مدمرا، خاصة أن الأمر هنا يتعلق بجماعات مسلحة تتبني نهجا طائفيا وأيدلوجية دموية في أكثر مناطق العالم حساسية للتجاذب الطائفي، وهو أمر يحمل معه تداعيات محتملة على دول تعيش صراعا داخليا في حكوماتها وخارجيا مع أطراف متعددة، وان أي ضربة داخلية لها ستكون بمثابة رصاصة الرحمة.