لفهم مايجري الآن في مصر، لابد أن يعود المرء إلى سنوات التسعينات من القرن الماضي، التي عاشتها الجزائر، فهناك تطابق عجيب، بين البارحة واليوم، يلمسه المتتبع، الذي عاش الأحداث عن قرب هنا،
ثم قارنها بمثيلتها هناك، وهو ماتطلب التذكير بالملاحظات السريعة التالية، في انتظار ماتسفر عنه سرعة الأحداث:
1. العسكر هم الذين أطاحوا بمبارك، والعسكر هم الذين أطاحوا بالرئيس المنتخب، محمد مرسي، فسمي الأول مخلوعا، وسمي الثاني معزولا. فمهة العسكر في الدول المتخلفة، تنصيب الرئيس، الذين يرضون عنه، ثم خلعه أوعزله، إذا غضبوا منه، ولايهم بعد ذلك، إن كان مستبدا، أو منتخبا.
2. إن الذي رضي بحكم العسكر بداية، واستعان بهم، لايلومن إلا نفسه، إذا طُردته الأحذية الخشنة، من أضيق الأبواب.
3. إن الحركات الاسلامية، بألوانها وأطيافها المتضاربة، لم تفرق بعد، بين الممارسات الفردية، المحدودة النتائج والعواقب، وبين ممارسات الدولة، غير المحدودة النتائج والعواقب. والتعامل مع الدولة، بمنطق الأفراد، يجعل صاحبها أضحوكة، أو دمارا يأتي على المجتمع والدولة، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا.
4. إن الولايات المتحدة الأمريكية، هدّدت المجلس العسكري، الذي أطاح بمبارك، بقطع المعونات العسكرية، وهددت المجلس العسكري الحالي، الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، بقطع المعونات العسكرية. ورضي فيما بعد، العسكر والرئيس المنتخب، بالشروط الأمريكية، ولاخير في أمة، تنام على التهديد، وتنهض على التهديد. 5
. في كل انقلاب أو تغيير حكم، تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية، إلى التهديد بقطع المعونات الاقتصادية، عن من يعتقدون أنهم حلفاءها، ثم تتخلى بسرعة عن التهديد، وتعاود المساعدات من جديد، لأن الانقلابي أوالمنتخب، على حد سواء، يقدمون لها من الولاء والطاعة، مالم تكن تحلم به.
6. إن مرسي، لم يكن ليعتلي الحكم، لولا الدعم الأمريكي له، فلا عجب بعد ذلك، أن تتخلى عنه، الولايات المتحدة الأمريكية، كما تخلت عن من كانوا، أقوى منه.
7. الغرب بشرقه وغربه، لاتعنيه الحرية ولا الانتخابات، التي تقام في الدول المتخلفة، بقدر مايعنيه تحقيق المصالح الغربية، وعلى رأسها الأمن الصهيوني. ومن تعهد بالحفاظ على معاهدة مخيم داوود، وأبقى على السفير الصهيوني، ومنحه الرعاية والحماية، وخاطب رئيس الصهاينة، بـ “صديقي العزيز !”، فلا يلومن إلا نفسه، إذا لم يلتفت إليه الغرب.
8. إن الذين تبنوا شرعية الشارع، للإطاحة بشرعية الصندوق، كان عليهم أن يمتثلوا للشارع، حين طالب بطرد السفير الصهيوني، وقطع العلاقت مع الصهاينة، وقطع المنتجات الغربية، أثناء الفيلم المسىء، وغيرها من الأحداث المماثلة.
9. إن انتخاب رئيس،لايعني إطلاقا، إمضاء على بياض، فالرئيس يحاسب ويحاكم إن أخطأ، والانتخابات ليست صنما يُعبد، وإن كانت للانتخابات قداسة تحترم من طرف المؤيد والمعارض. وفي نفس الوقت، الرئيس المنتخب، ليس لعبة، يُطرد عبر الشارع، ليأتي شارع آخر، يَطرد الرئيس الموالي، ويدخل المجتمع، فيما بعد في حرب الشوارع، وهو مالم تفعله عرب الجاهلية، فقد كانت تختار، سيّدها وكبيرها، عبر دار الندوة، وتزيحه وتزيله عبر دار الندوة.
10. إن قَطَر كانت أول من رحب بمرسي حاكما، والمملكة السعودية، كانت أول من رحب بمرسي معزولا، ومنحت على الفور، 08 مليارات دولار، مساعدة للعسكر الجدد الذين أطاحوا بالرئيس المنتخب. ويبقى الحاكم العربي، سواء جاء عبر الصناديق، أو عبر الأحذية الخشنة، رهينة هذا وذاك، في دينه ودنياه.
11. لايمكن لأحد، مهما كان مستواه ومكانته، أن يدعي أنه يمثّل الاسلام، ليحتكر الفهم والممارسة فيما بعد، ويفرضها على غيره بالحديد والترهيب .. لذلك لايوجد إخوان مسلمون، إنما الأحرى، إخوان مصر، أو إخوان سورية، أو إخوان الأردن، وهكذا. كما أنه لايوجد، إتحاد علماء المسلمين، إنما يوجد، علماء الشام، وعلماء المغرب العربي، وعلماء الهند، وعلماء الحجاز. وكل يتحدث باسمه الشخصي، ويمثل شخصه،دون غيره، ولايتحدث باسم الاسلام، ولايمثله. 12
. واضح جدا أن المعارضين لمرسي، لم يضعوا أمامه الجو المناسب، ليعمل بهدوء، لكن لابد من الاشارة، إلى أن هناك أخطاء قاتلة، ارتكبها مرسي وجماعته، المتمثلة في .. دخوله في صراع مع القضاء، حتى حوصت دار القضاء من طرف أتباعه، وهو مالم يحدث من قبل، وقطع العلاقات الدبلوماسية، في مدرجات الملعب، وتحت هتافات الأنصار، وكأنك في نهائي كأس الجمهورية، ونسي أن سورية هي العمق الاستراتيجي لمصر، فكيف يُفرّط في العمق، بهذه السذاجة والبساطة. ثم إن الحاكم العاقل، حين يشاهد 33 مليون، تخرج لتطالب برحيله، عليه أن يتعامل بما يهدأ روع هذه الأمواج الهائجة، ويغرس فيها الطمأنينة والهدوء، ولايهددها بخطاب، ويستعمل 76 مرة مصطلح الشرعية، وكأنه يشك في شرعيته، ناهيك عن صمت الرئاسة، عن قتل 05 مصريين، وسحبهم في الطرقات أمام مرأى، ومسمع من العالم.
13. إن العسكر، كانوا في غاية الدهاء والذكاء، حين وضعوا عن أيمانهم شيخ الأزهر، أحمد الطيب، وعن شمائلهم بابا الأقباط، تواضروس الثاني، وأعلنوا باسم الهلال والصليب، عزل الرئيس المنتخب .. فعزلوا القديم، ونصّبوا الجديد، باسم الدين والدنيا.
14. يخطىء من يعتقد، أن المجتمعات العربية، قيادة وشعوبا، في المشرق العربي ومغربه، دون استثناء، وصلت إلى سن يسمح لها بممارسة الانتخاب، بحرية وآمان، فأمامها أشواط كبيرة، عليها أن تقطعها، إذا أرادت وسعت لذلك.
15. الحرية روح، يعيشه المجتمع ويدافع عنه، والانتخابات وجه من أوجه الحرية، إذا وجدت الجو المساعد والمناسب، نمت وانتشرت بأمان، وحافظ عليها المؤيد والمعارض.