المتتبع لتاريخ العلاقات الدبلوماسية، العربية العربية، يلمس بوضوح، أنها تُقام لأسباب شخصية، عائلية، ذاتية وآنية، وتُقطع لذات السبب، ودون أيّ سبب. والملاحظ للطريقة التي أعلن فيها، الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، المتمثلة في استعمال ملعب كرة القدم، لإعلان قطع العلاقات مع سورية، يدرك جيدا،

أن الامة مازالت تخوض قضايا حاسمة خطيرة، كقطع العلاقات الدبلوماسية، وماينجر عنها، في أماكن الهزل واللعب. الامة التي لاتُحسن التفريق بين الأماكن، وتستعمل الجد، في أماكن الهزل واللعب، وتجعل من العلاقات الدبلوماسية، لعبة تُمارس فوق الملاعب، لامحالة يُفرض عليها المكان غير اللائق. دبلوماسية بلقيس حين وصل كتاب سيّدنا سليمان عليه السلام، لبلقيس عليها السلام، جمعت على الفور قادتها، ولم تخف عنهم شيئا، وخاطبتهم قائلة: ” قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ”،

النمل – الآية 29. وقرأت على مسامعهم، محتوى الكتاب، الذي تميّز بلهجة عسكرية، لم تعهدها من قبل: ” أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّوَأْتُونِي مُسْلِمِينَ”، النمل – الآية31. ظهرت حكمتها السياسية، حين طلبت من قادتها العسكريين، الرأي والمشورة: ” قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ”، النمل – الآية 32 . ومثل هذا الخطاب، يغرس الثقة بالنفس، ويجعل صاحبه يُقبلُ ولا يُدبر. فجعلوا الأمر بين يديها، لما لمسوه من كياسة وحكمة، في تسيير ملف شائك، يتعلق بالسلم أو الحرب، وقالوا بلسان الواثق: “قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ”، النمل – الآية 33. لم تستعجل قرار الحرب، رغم أنها تسلمت إشارة إعلان الحرب من قادتها العسكريين، ولم تستسلم لأول كتاب، رغم لهجته العسكرية الشديدة، فاستعملت دبلوماسية الهدية، في انتظار أن يُقدّم لها الرسول الذي أرسلته، تقريرا ميدانيا ومفصلا، عن صاحب الكتاب، وهو سيدنا سليمان عليه السلام، ” وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ”، النمل – الآية 35. استطاعت بدبلوماسيتها المتمثلة خاصة في قولها المشهور: ” قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ”، النمل – الآية 42، أن تجنب شعبها دمارا محدقا، وخرابا لامرية فيه، وجيشا جرارلاقبل لها به،

وربحت بالتالي، ملكا قويا عزيزا، ونبيا صادقا كريما. وعاش شعبها مهابا مصانا، في ظل دبلوماسية بلقيس، التي أحسنت اختيار المكان المناسب، لطلب المشورة من قادتها، واتخاذ القرار المناسب، مع من لم تعرفه من قبل. والهدوء والروية، حين وقفت على قوته العسكرية الخارقة. والعزة والأنفة، حين علمت أن الذي رأته ولمسته، يتعدى طاقات البشر، فلم ترضخ ولم تستسلم، وإنما أعلنت ولاءها لرب العالمين، وأمام سيدنا سليمان عليه السلام، الذي يملك ما لاتملك، ولا تحلم به، قائلة: ” قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚقَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَقَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ “، النمل – الآية 44. إن عظمة المرأة بلقيس، عليها السلام، تمثلت في كونها، لم تتخذ قرار الحرب في الملاعب،

ولم تعلن عن محتوى الرسالة العسكرية الشديدة اللهجة في الملاعب، وأقامت العلاقات الدبلوماسية في مكانها المناسب، وحرصت على أن تكون بعيدة عن الملاعب، فذكرها التاريخ، واحترمها الحاكم والمحكوم، واتخذها القادة وأهل الرأي، مثالا يُقتدى، وأمست قُدوة لكل دبلوماسي، يسعى للنجاح، لنفسه ولأمته.