خطبة الجمعة ..ودورها في إصلاح البلاد والعباد!
احمد الحاج
مررت خلال العيد بالقرب من أجمل مساجد بغداد “جامع بنية” ووجدت نفسي لا اراديا وأنا ادعو بالخير لكل من صلى ، وأمَّ ، وخطبَ ، وأذنَّ ، وخدمَ ، وحرسَ ، وحاضَر ، وتعلمَ ، وعلمَّ في هذا الجامع الكبير منذ تأسيسه .
وقد خصصت بالدعاء شيخنا الفاضل محمود غريب المصري رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته ، هذا الجامع الرائع والذي كان في يوم من الأيام الغابرة بحق منارا من منارات الوعظ والارشاد والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فمنه إنطلقت مسيرة دورات تعليم وتحفيظ القرآن الكريم الصيفية في العراق وقد خصص الشيخ الفاضل باصات خاصة لنقل التلاميذ من والى الجامع في سابقة لافتة لم تتكرر ..في هذا الجامع أستخدمت ولأول مرة في العراق شاشات عرض ما قبل إختراع الداتا شو للشرح والتوضيح والتعليم …في هذا الجامع كانت تقام المحاضرات التي تربط بين العلم والدين بطريقة محببة تستهوي الشباب قبل ” الشياب ” ، تلكم الممازجة والمزاوجة التي حطمت أسطورة تعشعش في أذهان كثير من المتدينين والعلمانيين على حد سواء ومفادها ،بأن”العلم والدين نقيضان وضدان لايلتقيان ” .
ولولا تدخل السلطات آنذاك لعزل خطيبه الازهري المفوه ، وجل خطباء بغداد الفاعلين والمؤثرين والمفوهين فيما بعد كانوا من تلامذته النجباء ، ولولا تحجيم دور الجامع في الدعوة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة على بصيرة نهاية السبعينات..لكان نصف شباب العراق إن لم يكن اكثر من أهل الصلاح والقرآن، لا أقول ذلك مبالغة ولا تضخيما ولا تهويلا وانما عن قناعة تامة، بل وأجزم بأن تحجيم الجامع وعزل خطيبه كان خشية من أن يؤثر ايجابا على كل شباب العراق يومئذ ومن دون استثناء.
كان بعض الشباب الوجوديين واليساريين والملاحدة من مناطق بغداد الراقية”شارع فلسطين ، المنصور ، اليرموك ، زيونة ، المسبح ، الوزيرية …الخ ” يتهافتون على خطب الشيخ وينصتون لها ويخرجون من الجامع وقد تغيرت أحوالهم وتبدلت قناعاتهم 180 درجة وابتسامات الرضى والاعجاب تعلو محياهم !
آآآآآه ما أعظم دور الخطيب المفوه اذا أحسن إختيار المواضيع ، وأجاد توقيتاتها، وأبدع في أسلوب الطرح والتوجيه والدعوة والارشاد بعيدا عن الخرافات والاساطير ، وأحاط علما بواجب العَصر والمِصر ، ولاحق المستحدثات والمستجدات،ووفق لجلب المصالح ودرء المفاسد ،وسُدد الى فقه النوازل والواقع والموازنات ..
آآآآه لو علم يقينا بأن بناء الساجد ، لايقل أهمية عن بناء المساجد ..لكنا في خير كبير وعميم !
ودعوني أستثمر الدعوات الى اقامة الجمعات المباركات لأضع بين يدي الخطباء الافاضل مقترحات لمواضيع بما ينفع البلاد والعباد وأقول :
– عندما يصنف العراق على انه الاكثر فسادا وللمرة الـ 15 على التوالي على مستوى العالم والمنطقة فأول سؤال يتبادر الى الاذهان هو “أين خطباء المساجد والوعاظ والدعاة والمصلحين ؟”
– عندما يعلن عن وقوع 375 حالة انتحار في العراق خلال عام واحد وبواقع 168 حالة انتحار لذكور، و153 لإناث، بعضهم دون سن 18 عاما ،فلابد من الوقوف عند الظاهرة الخطيرة طويلا والتحذير من تداعياتها والنصح والتوجيه بشأنها لأن أسبابها ودوافعها عديدة .
– عندما تحول الكفر اللفظي وسب الذات الالهية وشتم الرسل والانبياء والمقدسات والكتب السماوية وآل البيت والصحابة والاولياء والصالحين الى ظاهرة يومية وعلى مدار الساعة من دون حسيب ولا رقيب فلابد من وقفة جادة .
– عندما يعلن عن إن جرائم القتل في العراق قد زادت بنسبة 12 % خلال عام 2020 مقارنة بالعام الذي سبقه وبواقع 4 آلاف و700 جريمة قتل مقارنة مع 4 آلاف و180 جريمة قتل في 2019 ،فعلى الخطباء والوعاظ التأهب والدخول في حالة استنفار قصوى للتصدي لتلكم الظاهرة البشعة والتحذير من سفك واهراق الدماء الزكية المعصومة والتحذير من تداعياتها واسبابها ومآلاتها مع وضع السبابة والابهام على دوافعها للحيلولة من دون وقوع المزيد منها مستقبلا .
– عندما تسجل المحاكم العراقية 8245 طلاقاً خلال شهر واحد فقط فعلى الجميع أن يترك فراشه ووسادته،ليتفرغ كليا لعلاج الظاهرة قبل وقوع المزيد منها وإستفحالها أكثر.
– عندما يعلن عن ان أعداد المدمنين والمتعاطين للمخدرات في العراق بانواعها “كرستال ،حشيش،ترياق (افيون)،حبوب الهلوسة ..” قد ازدادت بشكل مخيف واكثر من ثلثيهم في الخامسة والعشرين من العمر فما دون وجلهم من العاطلين عن العمل بما يرافق ويتبع التعاطي من جرائم ليس اولها القتل والاغتصاب وزنا المحارم وضرب وشتم الامهات والاباء والحوادث المرورية المروعة والسرقة ،ولا آخرها السطو المسلح ،وعندما يقال بأن العراق قد صار ممرا للمخدرات بأنواعها فلابد من وقفة جادة ازاء الكارثة ،على ان يُلحق بها كارثة الادمان الدوائي والكحولي -الخمر أم الخبائث بأنواعها – ايضا .
– عندما تنتشر ظواهر الاتجار بالبشر وتجارة الاعضاء البشرية بملايين الدنانير وما يترافق معها وينجم عنها من بيع ابناء وبنات صغار من قبل أسرهم التي تعاني الفقر المدقع والفاقة،او الى عمليات اختطاف تقودها عصابات جريمة منظمة ،فلابد من حملة توعوية ودعوية كبرى .
– عندما تستشري ظواهر الوشم والتاتو والبيرسينغ والتزلف والتخنث والجنس الثالث والرابع وعمليات تحويل الجنس بصورة مخيفة بوجود السوشيال ميديا ووسائل التواصل والاتصال الذي تغزوه منظمات الميم والجمعيات النسوية والفرق الغنائية الكورية والحركات الشيطانية والتي تشجع جميعها على تخنث الرجال واسترجال النساء على مدار الساعة ،فلابد من نهضة شاملة من الغفوة والاهتمام بشريحة الشباب لتوجيههم ونصحهم أكثر فأكثر !
– عندما يعلن عن ارتفاع وتيرة لعب القمار والروليت والمراهنات المحرمة،وكثرة الملاهي الليلية ، واستشراء ظاهرة الرشوة ،التهريب، الابتزاز الالكتروني ،الاختلاس ،التطفيف في المكيال،الغش في الميزان ،التزوير ، ارتفاع معدلات القروض والاقراض الربوي،النزاعات العشائرية الدامية شبه اليومية وبمختلف انواع الاسلحة ،فلابد للخطب المنبرية والدروس الوعظية من أن تنحى منحى آخر وتهتم بما ألم بالمجتمع العراقي من إنهيار خطير ينذر بأسوأ العواقب وبما يسترعي الانتباه …!
– عندما يعلن عن عشرات الحالات اليومية للعنف الاسري والتعذيب العائلي ، رمي الاباء والامهات في الشوارع وعلى الارصفة أو في دور المسنين ،فلابد من وقفة جادة والحديث عن بر الوالدين وآفات عقوقهما في الدنيا قبل الآخرة في كل وقت وحين .
– عندما يعلن عن وجود 3 ملايين ارملة،وخمسة ملايين يتيم،ومثلهم من المطلقات والعوانس فلابد من نهضة مجتمعية شاملة لمد يد العون لهذه الشرائح قبل أن تضيع في وسط مدلهم الخطوب ومزدحم الآفات ولات حين مندم .
– عندما يعلن عن وجود 1.5 مليون معاق من ذوي الاحتياجات الخاصة يشكلون مانسبته 5% من مجموع السكان فلابد من الالتفات الى هذه الشريحة الكبيرة وحض الناس على احترامهم ورعايتهم وتوقيرهم وعدم التعرض لهم بسوء .
– عندما يتم الحديث عن ارتفاع معدلات نبش القبور والسحر والكهانة والتنجيم وتصديق الناس بالسحر والابراج والعرافة وقراءة الطالع وتأثير الاحجار الكريمة وتعليق الخرق والتمائم والخرز والسبعة السليمانية وحدوة الحصان وقرن الغزال وسن الذيب لتحصيل البركات ودفع الحسد والعين والشرور بالتزامن مع كثرة الدجالين والمشعوذين ممن صارت لهم مكاتب ومؤسسات وجمعيات ..فلابد من وقفة جادة ازاء ذلك كله وتحذير الناس من اخطارها الهائلة .
– عندما يعلن عن ارتفاع سعر صرف الدولار وانهيار قيمة الدينار، واستشراء ظاهرتي الجشع والاحتكار ، وارتفاع اسعار المواد الغذائية والادوية والمستلزمات الطبية والمنزلية ، اضافة الى ارتفاع وتيرة الفقر والجوع والبطالة والمرض والنزوح والتهجير فلابد من وقفة لتشجع الناس على اخراج الزكاة ودفع الصدقات واطعام الطعام وكسوة العراة وايواء ومساعدة المشردين والنازحين والمهجرين وحفر الابار، وخفض الايجار،ومناهضة الجشع والاحتكار والتكافل الاجتماعي بكل اشكاله وصوره وكل بحسب امكاناته .
-اذا كنت خطيبا كرديا أو تركمانيا أوعربيا أو من أية قومية أخرى، فإياك إياك أن تثير النعرات القومية وتحرك برك الشوفينية الراكدة خلال خطبك ومواعظك ودروسك”دعوها فإنها منتنة” وضع نصب عينيك على الدوام قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ان الله عليم خبير”،ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ ، ولا لأبيضَ على أسودَ ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقوَى ، النَّاسُ من آدمُ ، وآدمُ من ترابٍ” .
– اذا كنت خطيبا فإياك إياك أن تنشغل وتُشغل من حولك بإثارة الفتن والقلاقل والخلافات وتأجيج الصراعات واذكاء نيران الأحقاد وصب النار على زيتها وإحفظ عن ظهر قلب قوله تعالى في محكم التنزيل” وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ “، وقوله تعالى “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا”، وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم ” إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا. فيرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا، ولا تَفرَّقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال”.اودعناكم اغاتي