وقف أمام الثانوية، ينتظر خروج من قَدِمَ لأجله، وحين علم أن الانتظار سيمتد ويطول، إلى مابعد صلاة العصر،اشترى قلما وكراسا، وركن السيارة بقرب المدخل. وبعد ساعة من الزمن، انتهى من كتابة اسطر حول خبر سار، اخترق الآذان صباح هذا اليوم، عبر الإذاعة الوطنية، وهو قادم لمقرعمله. ثم أقبل على مواصلة قراءة كتاب:”قليلا من الأدب”، للأستاذ:عادل بن احمد با ناعمة، فانتهى من قراءته، وكأنه لم يقرأه من قبل. وحين فرغ من هذا وذاك، شدّه منظر الطلبة، الخارجين من امتحان شهادة البكالوريا، فاستضاف الحاضر الماضي، ليطيرا معا، إلى هناك .. هناك حيث الآخرة. قِسم من التلاميذ، انتهى قبل ساعة من الزمن، وهو الذي يملك بين يديه ساعتان، تكفيه للمحو والكتابة، ثم قال في نفسه.. إن الامتحان يوم القيامة، معلوم عند ربك، لايملك المرء بدايته ولا نهايته، ولا يمكنه الخروج منه سالما، إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا. الإجابة الصحيحة هناك، تكمن في العمل الصالح، الذي يتقدّم المرء، فإما أن يوضع عن يمينه فيرفعه، وإما عن شماله فيرديه. يُصحّحُ الامتحان في الدنيا، ويمكن للممتحن أن يعترض، وقد ينال حق غاب أثناء الجمع، أو نسيه صاحب القلم الأحمر. لكن هناك، لن ينال المرء، فرصة التصحيح، فقد مُنحت له طيلة العقود، التي تمتّع بها في دنياه. فاغتم تصحيح اليوم، لغياب تصحيح الغد. سمع بعض التلاميذ، يتحدّثون عن بكالوريا العام الماضي، فعلم أنهم يعيدون الامتحان للمرة الثانية. وبعدما تمنى النجاح للجميع، راح يكرر على مسمعه، أنه لا إعادة هناك، فهناك عودة دون رجعة. فالدنيا لإعادة الفرص، والعاقل من يغتنم فرص الإعادة في دنياه، لفرصة آخرة، وأخيرة في أخراه. وبعد أن كثر عدد التلاميذ، اجتمع الأقران، وراح كل منهم، يفتخر بما قام به من كسب غير مشروع. فهذا يستهزئ بالأستاذ، الذي لم يتفطن لِحِيَلِهِ، وذاك يلعن ويشتم، كل من حال بينه، وبين السطو على الحقوق بالعقوق. وبعد أن طلب الهداية للبراعم اليانعة، قال ياليت البراءة، تعلم أن الغش، يهلك صاحبه، ويرديه المهالك. والعاقل يعمل ليوم لاينفع فيه، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، والذكي من نال راية الأمان، والبليد من انتزع بيديه راية الغش والخذلان. وفي الأخير، ودّع كل منهم صاحبه، وضرب له موعدا في اليوم التالي، فأثارت صورة توديع التلاميذ لبعضهم بعضا، أن هناك يوم دائم مستقر، لايودع أصحابه بعضهم بعضا، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، لايودعها ولن تودعه. وحين وصل بيته، رفع يديه، تحت جناح الليل، ودعا بالنجاح لكل مقبل على الامتحان، وأن يخفّف عنه الامتحان.