لم يكن ممكنا أن يغير الرئيس باراك أوباما من أسلوب معتاد في الغرب عموما، والولايات المتحدة خاصة وهو مرتبط بطريقة تعامل لاتخضع للعواطف وتطبعها البروتوكولات والقضايا والمصالح عندما أدار ظهره للرئيس العبادي ومساعده سلمان الجميلي في إحدى الحدائق الألمانية، فهو كان يناقش مع مسؤولين أوربيين قضايا لاعلاقة لها بالعراق، وكان إنتهى بالفعل من إجتماع مع رئيس الحكومة العراقية في وقت سابق، وحين إجتمع الرئيس أوباما بالسيد العبادي في ميونخ على هامش مؤتمر السبعة الكبار خرجت تصريحات عن دعم أمريكي، ورسائل من أوباما موجهة الى العالم بعضها كان لتقوية التحالف الدولي ضد داعش، ومنها ماكان نوعا من التأكيد على قوة أمريكا وعزيمتها الراسخة في مواجهة التحديات الصعبة في مناطق النفوذ التي تتصاعد فيها حمى المنافسة السياسية والإقتصادية والعسكرية لتصل الى أعلى مستويات الخبث بين المنافسين الغربيين والشرقيين على حد سواء، وكان واضحا إن واشنطن أعربت عن إلتزام نهائي بمساعدة العراق خلال الفترة المقبلة حتى مع علمها بعدم قدرة العبادي على تحدي القوى السياسية الشيعية الرافضة لأسلوبه، وتلك التي ترى في التحالف مع إيران خيارا نهائيا، وتعتمد الحشد الشعبي بديلا عن الجيش الذي لم يفلح في وقف تمدد داعش، فهي تعرف إن داعش بحاجة الى معادل نوعي حتى لو كان ممهورا بختم الولي الفقيه.

       حين يدير لك أحدهم ظهره فيمكنك النظر الى الجهة المقابلة لتعرف كم من الناس يمكنهم أن يبتسموا بوجهك، وعندما رأى المصريون كم الحمق الغربي في التعاطي معهم لم يترددوا في إتباع إستراتيجيات يعرفها تاريخ السياسة المصرية من أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وعلى الفور كانت موسكو مشرعة الأبواب للرئيس السيسي، بينما رحبت القاهرة بكل بادرة من الرئيس فلاديمير بوتين الذي زار العاصمة المصرية معلنا دعما مفتوحا وبلا شروط في مواجهة التمنع الغربي والتردد الواضح في سياسة واشنطن وحليفاتها الغربيات بعد أن أعتبرت ماحصل في الثلاثين من يونيو إنقلابا على شرعية الإخوان، وهو مايصلح مثالا جديرا بالإهتمام في الحالة العراقية التي تعددت المشاكل فيها، وصار التنازع على البلاد بين دول إقليمية وعربية مثارا لتساؤلات حول قدرة بغداد على تخطي الأزمات الناتجة عن التدخلات المريبة في الشأن المحلي مع وجود رغبة امريكية دائمة في الحفاظ على مصالح تصطدم غالبا برفض المحيط الذي يرى فيها تقويضا لحضوره، ونوع المنافسة بين أقطابه على خلفية الصراع القومي والطائفي والتزاحم السياسي، وكان ذلك سببا دفع واشنطن الى التردد في تقديم الدعم للعراق، فهي ترى في بغداد عاصمة محتملة للطموح الإيراني.

     مصافحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعبادي كانت ساخنة مع إبتسامة واثقة بلاخشية فالغرب يخشى، بينما الشرق يريد ولايخشى. مايخشاه الغرب هو توجه العراق الى إيران وروسيا، ولذلك يتردد في الدعم، وصار لزاما على الحكومة العراقية أن لاتتردد في طلب العون من أي بلد كان في الشرق، أو في الغرب.