رحيم الخالدي
يُحكى أن هنالك طفل في منطقة مكتظة بالسكان سوقها مزدحم، وكان من أسرة فقيرة، وأبوه غير معروف، وليس له أخوة يعينونه على التخلص من باقي الأطفال الشياطين، الذين لا يوجد طفل في المنطقة إلا وأشبعوه ضرباً، وهو يخشاهم، وكان هنالك رجل شقي مفتول العضلات، يضرب كل من يقف بوجهه، ويضع “جراوية” على رأسه، وعندما حاصره الأطفال يوما ليسألوه عن أبوه وأصله، فكان يقول لهم خالي أبو جراوية، ضناً منه أنهم سيخشونه !.
هذه الحادثة ترتبط إرتباطاً يكاد يكون شبيه حالة العراق اليوم، وكل طرف يريد أن يكون في المقدمة مع الإختلاف في النوايا والأهداف ويرمي الآخرين بأخطائه، والعراق يمر بمرحلة حرجة في تصديه للإرهاب من جهة، والتظاهرات التي بدأت تأخذ منحى مختلف من جهة أخرى، مقارنة بالتظاهرات السابقة، بل ما نخشاه التصعيد الأخير، الذي وصل لحد إقتحام مقر الحكومة والبرلمان في المنطقة الخضراء، وبالطبع هذا ليس مبرر، ولا مسوغ بالوصل لهذه الدرجة من الخطورة .
المرجعية تركت النصح وإكتفت بالأدعية، لكن هذه الجمعة أشارت أنها قادرة على التدخل، لكن السكوت بعد أن بُحَّ صوتها لم ينفع أيضاً، والدليل أنها لا زالت العملية السياسية تراوح مكانها، دون حراك ينهي الحالة المستديمة، ولا نقول أن هذه الحكومة منزلة من السماء، بل هنالك أخطاء وتم تشخيصها، وعلى السيد رئيس الوزراء المضي وفق رؤية صحيحة، من خلال تشخيص الخلل والبدأ بالمعالجة، لكننا اليوم أمام عدو أكبر من الإصلاح، وعلينا مجابهته بكل الممكنات للقضاء عليه .
ترك الأهم والذهاب صوب المهم رؤية غير صحيحة، وإلقاء اللوم على الآخرين هو الهروب للأمام، وترك الكرة في ملعب الشركاء أمر مرفوض، وبناء الدولة لا يأتي من لغة التهديد والوعيد، ورفع السلاح والضغط بإتجاه التصعيد تنفيذ خطة الأعداء، والذهاب وفق تلك الرؤية، يعني نسف العملية السياسية برمتها، وهذا يعني إلغاء كل الوجودات والمكونات، التي تشكل أعمدة مهمة في بناء الدولة، ومن هنا يجب مراجعة الأحداث مراجعة دقيقة، لمعرفة مكامن الخلل، وتصحيح كل الأخطاء والبدأ بمرحلة جديدة ترضي كل الأطراف .
كتلة عابرة لكل التسميات من شأنها إنشاء مسار صحيح، يخدم الكل ولا يستثني أحد، بغض النظر عن الأحجام والأصوات والمكونات، واتهام الآخرين بما ليس فيهم أمر جديد على الساحة، ولا يبني دولة، وينشأ جدار عازل، والسير نحو التفكك وإلقاء اللوم على تلك الكتلة أو غيرها، ينشأ تربة خصبة للتناحر والبغضاء، وهذه الحالة لسنا بحاجة لها اليوم، بقدر ما نحتاج إلى لملمة الأوراق، والمراجعة وتشخيص كل الهفوات، والأخطاء السابقة ودراستها للاستفادة منها .
اليوم نحن على مفترق طرق، وعليه التحجج بأغلاط الآخرين أمر مستهجن، وعليه النظر إلى أغلاطنا أولاً ونصلحها، ومن ثم نشير إلى أغلاط بقية المكونات بغرض التصحيح، وطالما دعت المرجعية، ومن منبر الجمعة في كربلاء المقدسة، وأشارت إلى أكثر من موطن فيه خلل وفساد، وسرقات وغيرها ممن أشارت إليها، وآخرها كانت عملية الإصلاح، التي يقع عاتقها على رئيس الوزراء حصراً ، لأنه المكلف الوحيد بأختيار وزرائه، وليس الضغط عليه بقبول من لا يحمل المؤهل، كونه من الكتلة الفلانية!.