لاتعبر واشنطن عن إرتياح بالغ لمايجري في العراق، فالجمهوري جون ماكين جاء الى بغداد لا ليعبر عن التضامن وحسب، بل زاد على ذلك بالتحذير من إيران ونفوذها الواسع فيه، وعلاقاتها الشبكية مع أطياف سياسية مهمة في الدولة، ويريد ماكين أن يحذر القيادة الشيعية من الإنزياح تجاه إيران، وهو يفهم طبيعة الضغط العربي الذي يريد جر العراق وسحبه عنوة من دائرة التأثير الإيراني، والتناغم مع أصوات سنية عالية تقول بتفريس بغداد، وصفونة العاصمة الأثيرة، وهذا مايفسر في الغالب تردد العرب بعدم إتخاذ خطوات إيجابية تجاه العراق، والسعودية مثال مهم في ذلك، فهي الراعية الأولى لمشروع إستعادة هذا البلد من قبضة الإيرانيين حسب التصور العربيالقاصر.
الشيعة متماسكون، ولكن ليس على الدوام، والسنة ممسوكون، فالشيعة هم كتلة كبرى، ولاشك في أنهم الغالبية من العدد المفترض من السكان، غير إن هذا التماسك ليس مؤكدا ما إذا كان سيدوم الى مالانهاية مع كم الخلافات، وتقاطع المصالح، ووجود ضغط غير مسبوق إقتصادي وأمني وسياسي وطائفي، ولعدم كفاية الإستجابة العربية والإقليمية للتغيرات فيه، وحتى إيران ليست خالصة لهم فهي عرضة لضغط مماثل، كما إن مصالحها قد تتماهى مع دول ومجموعات سياسية ودينية تتقاطع مع الشيعة في العراق، والسنة ممسوكون من بيئة عربية قوية محيطة بهذا البلد، وتهدد بحصاره بأشكال مختلفة، وواشنطن التي ترى في إيران عدوا حقيقيا لاترغب بمنحها المزيد من المكاسب، ولهذا ستعمد في المرحلة المقبلة الى إتخاذ تدابير لإضعاف الشيعة، ودعم تشكيل قيادة سنية موحدة وتوفير، وستجهد في تحرير مناطق السنة من داعش، وتمكين قوات عسكرية وقوى سياسية معتدلة من الإمساك بالأرض في الغرب والشمال.
هناك تصور مهم للغاية عن نوايا واشنطن المبيتة والمستقبلية، فهي ستقوم بدور أكثر قوة في العراق، وستحاول تقليل النفوذ الإيراني، وضرب المجموعات الشيعية الموالية لها، وإرغام الحكومة على القيام بخطوات في هذا الإتجاه، ولعل وجود ضابط مثل خالد العبيدي على رأس أخطر وزارة في العراق هي الدفاع، وفرضه نموذجا إداريا متماسكا يعد مثالا مهما لتلك النوايا التي تتلائم وطبيعة العراق الذي يحتاج الى قوة سياسية حازمة، فهذا الوطن لايمكن إلا أن يعيش نموذجين مستقبليين، أولهما التقسيم، وإذا لم ينجح، فالنموذج الأقرب يتمثل في تسليط قوة دكتاتورية سنية فاعلة تمسك بالسلطة، وتضمن مصالح أمريكية بالتوافق مع الدول العربية الحليفة، إلا إذا كان من إتفاق إيراني أمريكي في الملف النووي، وتسوية لملفات اليمن وسوريا ولبنان بطريقة تتيح مصالح أكبر لواشنطن، وتضمن نفوذها لفترة قادمة.
فهل يكون خالد العبيدي رجل المرحلة المبهمة القادمة؟