يتساءلون عن سر إهتمامي بالحمير، ويودون معرفة الحقيقة في ذلك الإهتمام ؟ ويجهلون إنه نوع من التأمل في مخلوقات الله، ومحاولة لفهم طبيعة الكائنات الحية المختلفة عنا ،والتي تعيش معنا، وتشاركنا عذابات هذا العالم الموبوء بالخوف والمرض والصراعات القذرة والعداوات والثأريات المتوارثة ،وفي الغالب تكون الحيوانات تلك تحت الضغط ،ولعل الحمار في المقدمة منها برغم إنه حاز على درجة ( أذكى الحيوانات ) في أحدث التقارير التي صدرت عن مراكز علمية مختصة، وهو مايدحض النظرية السائدة التي تصفه بالأغبى في العالم حتى صار الناس يتندرون بعذاباته، ويضربونه بقسوة ويدمون جسده حتى يسيل الدم منه دون رحمة أو شفقة أو تذكر لحساب الله، وعقابه خاصة وإن الإسلام دعا الى الرفق بالحيوان، وأصر على ذلك بل وتوعد بعقاب من يتجاوز في سلوكه تعاليم السماء بخصوص الحيوانات . وقد إشتهرت قصة المرأة التي حبست قطة فلاهي أطعمتها ،ولاهي تركتها تسيح في الأرض، وتعيش في ظل الخالق العظيم، وتوعدها الإسلام بالنار شفقة بالحيوان الضعيف ،ولعلي لاأنسى كيف إني وعند موت قطتي الأثيرة ذهبت بها الى تلة مرتفعة قريبا من دارنا، وفي تشييع مهيب، وقد وضعت جثمانها في عربتي الصغيرة التي ألهو بها وحولتها الى سيارة جنائزية ،ثم حفرت لها في الأرض، ولففتها بقماش ناعم ثم أرقدتها الحفرة، وأهلت عليها التراب ، وهذا هو طبعي مع سائر الحيوانات والبشر. فلم أعد أدرك هل إني تعلمت الرفق بالبشر من رفقي بالحيوانات أم إني تعلمت الرفق بالحيوانات من رفقي بالبشر ؟ لكني أستدرك وأقول ،إن نبي الإسلام العظيم قد أمر بالرفق بالحيوان ،وكان تعود رعي الأغنام في صباه في مضارب بني سعد عندما كان في كنف مرضعته حليمة السعدية، وكان يرعاها بحنو ويخفف عذاباتها ،وكان ينظر الى السماء ويتأمل ،فلاتظنن أنك تستطيع أن تلج عوالم الرحمة بأخيك الإنسان مالم يكن لديك رفق بالضعيف من الحيوان. مررت بأرض مفتوحة ،وهي سفح لمرتفع ليس بجبل ولاهو بالتل المنخفض، وقد رأيت قطيعا من الماشية لأناس يرعون ويعيشون ،وكانت الأغنام ترتع في الخلاء المغطى بالخضرة الممتدة نتاج مطر غزير هطل في تلك الأنحاء ،وكنت سائحا جهة البحر البعيد، ونظرت من خلال زجاج السيارة المسرعة في ذلك الأفق البعيد فرأيته يقف بثقة لايهتم لشئ ولايعنيه من أمر العالم شئ وكان ينظر بهدوء الى جهات الأرض الأربع والى الماشية الراتعة من حوله ،إقتربت منه ،وقفت الى جواره،مال عني بعنقه كأنه يستهجن ذلك، وكأنه عرف مقصدي ونية السوء في نفسي ،فهذا أنا الموبوء بالشر أريد أن ألتقط صورة للذكرى معه، فصار يحاول منعي من إظهار وجهه ،وقد نجح حين مال برقبته بقوة لكنها كانت صورة جميلة حيث أضحك للكاميرا بينما يدير وجهه عنها ،،بالأمس فقط مررت في ضواحي بغداد، ورأيت حمارا بائسا يجر عربة يقودها شيخ طاعن بائس، رفقة إبنته الصغيرة ،صعدت العربة وإلتقطت الصورة ،كان الفرق كبيرا بين حمار الطريق السياحي في ذلك البلد البعيد ،وبين هذا الحمار العراقي الذي يعيش بين الأزبال، ويتعرض الى ضرب مبرح على أنحاء من جسده …أترك لكم التأمل في ذلك.