كان الأمل والود أن تنجح حكومة العبادي في إنقاذ العراق بالخروج من الدائرة الطائفية المغلقة التي أحاطت به، والخلاص من مستنقع الفساد المالي والإداري الذي ضرب السمكة من رأسها حتى ذيلها، ولاسيما بعد التفاؤل بالتصريحات التي جاءت على لسانه وتعهده بمحاسبة المقصرين، والسير وفق سياسة متوازنة، وكنت من بين المتفائلين رغم التشائم الذي أبداه الكثير من رفاق العبادي القدامى ممن يعرفونه جيدا واتهامهم له بالضعف فتصورنا أنها مزايدات حسد، ومرت الأيام ونحن بين التمني والأمل حتى أصبحت الوعود أضغاث أحلام، ولم يجد تأييد المرجعيات ولا البرلمان ولا زخم التظاهرات المطالبة بالتغيير في دفع العبادي وحثه على السير بخطوات جريئة في الإصلاح والتصالح، وتراخت جهوده فساءت الأحوال بل بدأت تتفاقم عما كانت عليه، وباتت الشواهد على سوء الأداء تستعصي على العد.
فقد العراق سيادته تماما، الجيش التركي موجود في العراق منذ سنوات ولا يزال ولا يغرك الحديث عن مهمات تدريب المقاتلين ضد داعش فهناك مأرب وأطماع قديمة، والمال السائب يعلم السرقة، وما يتداول اليوم في الإعلام مسرحية سيئة الإخراج، ومنذ الاحتلال البغيض ولجيش القدس الإيراني والحرس الثوري حضور مكثف في العرق ويقومون بعمليات عسكرية، والمليشيات الفارسية تسرح وتمرح وتقوم بعمليات خطف وقتل ونهب وسلب وتفجير، وقاسم سليماني رجل إيران القوي في العراق يتنقل بين المحافظات ويتدخل في الصغيرة والكبيرة، الأمريكان موجودون في قاعدة الحبانية وفي قاعدة عين الأسد، ورحلات المسؤولين الأمريكان في وزارتي الخارجية والدفاع مكوكية، وطائرات التحالف الغربي وبعض الدول العربية وربما الإسرائيلية لا تنفك عن القيام بعشرات الطلعات اليومية تقصف بلا تحفظ، أما حدود العراق ومنافذه فصورية وشكلية مفتوحة لمن هب ودب يدخلها من داعش إلى الزوار الأفغان والباكستانين والإيرانيين يخترقون المنافذ والمعابرعنوة على عينك يا تاجر ولا من يردعهم، والسماء مستباحة فالصواريخ الروسية تعبر من الشرق إلى الغرب والأغرب ان تهبط طائرات نقل محملة في المطارات وتفرغ حمولتها ولا أحد يعرف من أين أتت ولمن أفرغت حمولتها!
وأمن العراق منذ الاحتلال مخترق فالمخابرات الإسرائلية والجماعات الصهيونية كثيرا ما اغتالت العلماء والطيارين، وبعثاتهم التجسسية تجوب البلاد طولا وعرضا، يشترون الأراضي والعمارات ويدربون المقاتلين الأكراد، وما عاد انتشارهم خافيا، والعدالة مفقودة فأحكام الإعدام تصدر وتنفذ بلا تثبت ولا توثيق، وتبرئة الفاسدين مما يوجه لهم من تهم حدث ولا حرج، والأخوة الكرد يلحقون المدن والأراضي التي يستولون عليها من داعش بإقليم كردستان، والفساد كما هو بل اشتد واتسع ليشمل صغار الموظفين، فلا تصدر بطاقة أحوال مدنية، ولا شهادة جنسية، ولا جواز سفر، من دون توريق دولارات للسماسرة والضباط.
المليشيات بالاعشرات وبدأت تمول نفسها من نفسها بعمليات فرض الأتوات والاغتصاب والنهب والسلب وابتزاز أهالي المخطوفين، لا يصدها حاجز ولا يمنعها مانع إذا لم يعجبها مركز للشرطة ولم يسهل عملياتها حاصرته وهددته، وإذا غضبت على مسئول دائرة لم ينفذ أوامرها منعت الموظفين من الدوام، وبالأمس القريب اختطفت عمالا أتراك يعلمون بمشاريع تنموية لابتزاز حكومتهم، واليوم تحتجز أمراء قطريين دخلوا العراق بصورة مشروعة لممارسة صيد الصقور لمساومتهم وابتزازهم، أما ما تفعله المليشيات بالمناطق المحررة من داعش فيفوق ما فعله الصهاينة في فلسطين، آخر ما وصلني بالصوت والصورة أن المليشيات ربطت إمام جامع في إحدى مدن ديالى بقمة المأذنة ثم فجرتها بدوافع طائفية فأين العالم مما يجري في العراق؟
ومنذ سيطرة داعش على بعض المحافظات نزح منها مئات الآلاف هربا من العمليات العسكرية إلى مخيمات عشوائية هزيلة غير مجهزة لا تقي من البرد والمطر شتاء ولا من الحر صيفا وخزينة الدولة خاوية وأحوالهم بائسة، باتوا يستجدون لقمة العيش والملابس القديمة التي تجمع من الخارج وترسل اليهم، وبعضهم أكل الحشائش واقتات على ما تجود به القمامة من السغب، وخزينة العراق خاوية وما تجود به من معونات يسيرة يسرق ولا يصل إلى المحتاجين، فوالله إن الإنسان ليخجل أن يتكلم عن بلده المعروف بالأمجاد واليسر والتميز بما حل فيه، لكنه الواقع المر في حكومة ماتت سريريا وبدأت تتوسل وتنتظر من يجهز عليها بإطلاق رصاصة الرحمة. ويبقى التخيل أن القادم أسوأ.