حين يتابع المرء مراسيم تسليم واستلام السلطة لا يسعه إلا أن يهنئ المجتمع الغربي لأنهم يفرحون باستلام وتسليم السلطة كل فترة زمنية معلومة محددة سلفا لا يتجاوزها السّابق ولا يقتحمها اللاّحق.

سبق لصاحب الأسطر أن تابع مراسيم اعتلاء أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سدة الحكم سنة 2009، وكتب من يومها مقالات ضمن العناوين التالية.. “أوباما المواطن”، “الأول والأخير في تنصيب أوباما”، “معذرة أوباما”، “العرب بين عنصرية المتنبي  وحكم أوباما”.

واليوم وهو يتابع من جديد مراسيم تسليم واستلام السلطة بين أوباما السابق الذي كان منذ لحظات الرئيس الحالي إلى ترامب الحالي وسيمسي السابق بعد أربع أو ثمانية سنوات معدودات معلومات.

ترامب وهو يحلف على الإنجيل الذي حلف عليه الرئيس الأمريكي الأول أبراهام لينكون ، هو أقل الرؤساء الأمريكيين شعبية بـ 40 %، لكن ظل الأمريكي يحترم رئيسه الأقل شعبية لأن الصندوق اختاره ولو بنسب قليلة.

حقّ للمجتمعات العظمى أن تفتخر بمراسيم انتقال السلطة بسلاسة ويسر، بينما المجتمعات المتخلفة مازالت تفتخر بكونها تتشبث بمقاليد الحكم، ولو أبادت البشر، ونسفت الحجر،  وأحرقت الشجر.

رغم أن أوباما يختلف عن ترامب في قضايا وطنية ودولية كثيرة عديدة، إلا أنه سلّمه الكرسي عن طواعية ، وتلك من المظاهر التي تميز المجتمعات الكبرى رغم النقائص التي تشوبها وتعتريها.

وقد حضر مراسيم تسليم واستلام السلطة الرؤساء.. كارتر، وبوش الإبن، وبيل كلينتون، وأوباما، وبوش الأب الذي لم يستطع الحضور لشدة المرض وكبر السن، لأن الكبار لهم رئيس حالي، ورئيس سابق، ورئيس مرشح للقادم. وإنها للحظة تتميّز فيها المجتمعات الزاهدة في الكرسي عن المجتمعات المتشبثة بالكرسي.

شعر الرؤساء الأمريكيين الذين حضروا المراسيم كان أبيض اللون، لأن رؤساء المجتمعات الكبرى يشيب شعرهم خارج الحكم، ولأن مدة حكمهم قصيرة جدا لاتسمح للشعر أن يشيب، وفترة بقائهم خارج الحكم طويلة جدا فيشيب شعرهم حينها ولا يشيب شعرهم وهم يحكمون.

تمت المراسيم بالحلف على الإنجيل، وصلاة ترامب في الكنيسة، وأغاني دينية، ومواعظ دينية من طرف قساوسة مسيحيين وحاخام يهودي. وهذه الرمزية الدينية لها مدلولها لدى الرئاسة الأمريكية والمجتمع الأمريكي بشكل عام، وتبقى مسألة درجة توظيف الجانب الديني في الحياة السياسية تحتاج للوقوف عليها من جديد لعلّ المرء يستخرج منها بعض الملاحظات التي  تمكّنه من معرفة المجتمع  الأمريكي.

لم يكن ترامب دبلوماسي في كلمته التي ألقاها، فقد وعد وتوعد، وهاجم ودافع، وتباهى كثيرا بأمريكيته وهذا شأنه ، وبأنه سيحدد مصير العالم كل أربع سنوات. تقدم بالشكر للرئيس أوباما وزوجته، وهاجم بشدة النخبة الأمريكية الحاكمة بدليل أن أول قرار اتخذه هو إلغاء قرار اتخذه أوباما بشأن كيفية العلاج، ما يدل فعلا على نقمته على النخبة الحاكمة، بغض النظر عن موقفنا من هذا وذاك، وكان بهذا الفعل في غاية التخلف. وعد الأمريكيين أن تكون  الولايات المتحدة الأمريكية فوق الجميع وقبل الجميع، وستتوقف .

ما يمكن الاحتفاظ به بعد عملية تسليم واستلام السلطة، أن أوباما عاد إلى منزله كما  جاء أول مرة، مواطنا عاديا يخدم أمته كما كان يخدمها من قبل، وسيعود ترامب إلى منزله بعد أربع أو ثمانية سنوات، وستستمر الحياة في ظل السابق واللاحق وفي جو كله احترام لإرادة الصندوق وإرادة المجتمع ولوكان أقل النسب والأقل شعبية.