لم تأت الأزمة السياسية والدبلوماسية بين الرياض وطهران من فراغ ، ولفهم طبيعتها  وأسبابها التراكمية  والتسارع الدرامي المحموم للأحداث يتطلب عمق أكثر في قراءة خارطة المصالح الإستراتيجية ومحاور الخصومة التأريخية والجيوسياسية والتحليل المتزن لأبعاد العلاقة بين البلدين قبل التسرع بإطلاق الأحكام والإتكال على ملف الإعدامات كسبب رئيسي! ، خاصة ان المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية يمارسان أحكام الإعدام ضد المعارضين المحكومين بقضايا إرهاب أو يشكلون تهديداً لنظام الحكم + .

الصراع السعودي – الإيراني قديم ويتمحور حول الزعامة على العالم الإسلامي والمصالح الإقتصادية لكلا من البلدين وصراع النفوذ والمصالح في اسيا وافريقيا وسياسات إستقطاب الدول الاسيوية ذات الهوية الإسلامية أو التي يشكل فيها المسلمون نسبة معينة ، المنسلخة من الإتحاد السوفيتي السابق فهذا المجال الجيوسياسي الكبير الغني بالنفط والطاقة والانسان والثروات والمياه يعتبر من المناطق الحساسة للغاية ضمن خارطة القوى والتحالفات الدولية “الآوراسية” أي ( أسيا وأوربا ) وهي في نفس الوقت تعتبر منطقة تنافس سعودي – إيراني ، إضافة لملفات المنطقة العربية وملفات الأزمة فيها ( العراق ، اليمن ، سوريا ، لبنان ،البحرين ، فلسطين ).

في إطار الأزمة السياسية بين السعودية وإيران على آثر إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي “السعودي الجنسية” نمر النمر مع عدد آخر من المعارضين المتهمين بالإرهاب والتطرف من قبل السلطات الحكومية ، نستعرض المواقف الإيرانية تجاه الرياض ، وإحتمالات التصعيد ضمن سيناريو درامي محتمل.

 

 

 

هيكلية خطاب الأزمة الإيراني :

جاءت تصريحات أركان النظام الحاكم في طهران متناغمة لدرجة أن من يطلع على تصريحات المسؤولين الإيرانيين لن يجد فرقاً بالشكل والمضمون ومستوى قوة الرسائل والشكل العام للموقف الايراني تجاه الرياض.

حيث أعتبر المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنائي ان إعدام النمر سيطال النظام السعودي ، مشدداً على ضرورة ” يقظة ” العالم تجاه السياسات السعودية في ( اليمن والبحرين ) ودعا خامنائي جميع البلدان الإسلامية بما أسماها ” المسؤولية ” تجاه قضية “النمر”.

كما أعتبر رئيس الجمهورية حسن روحاني ان إعدام النمر يندرج تحت إطار سياسات إثارة الفتنة وتأجيج الإرهاب والتطرف على حد وصفه.

أما وزير الخارجية محمد جواد ظريف فقد أكد ان سياسات الرياض ترمي إلى اذكاء الفتنة والفرقة ، وأشارت وكالة الأنباء الإيرانية ( إرنا ) إلى ان ظريف قد أجرى إتصالات مع عدد من وزراء خارجية دول المنطقة ، إضافة لإتصاله بالأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوربي عبر خلالها عن إدانة طهران لإعدام النمر.

وأشار الوزير الإيراني إلى ضرورة ( تعزيز المبادرات الإقليمية والدولية المشتركة لتجنيب الأقليات المذهبية أي ممارسات تحريضية مبنية على التطرف والطائفية ).

بينما قال رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني : ان إعدام النمر هو الحدث الذي هز العالم بأكمله متوقعا حدوث ( إحتجاجات شعبية ) ستشهدها السعودية ، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية ( إرنا ).

أما رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية بمجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر ولايتي فقد رأى ان إعدام النمر مؤشرا على إنزعاج الرياض من أحداث اليمن ، مشيرا الى ثقته بعدم تمكن السعودية من حسم المعركة عسكريا لصالحها في اليمن ، وجدد ولايتي أهمية دعم إيران للحوثين ، وذلك خلال إستقباله لوفد يمني.

إلى ذلك قال عضو مجلس خبراء القيادة وخطيب طهران احمد خاتمي لوكالة مهر الإيرانية ان طهران ستتخذ الإجراءات الدبلوماسية اللازمة ضد الرياض.

من جهته طالب المتحدث الرسمي باسم الخارجیة الایرانیة حسین جابر انصاری فی مؤتمره الصحفي الاسبوعي باتخاذ حكومات دول المنطقة سیاسات تضع حدا لسیاسات السعودیة ، مشیرا إلی أن طهران ( أقدمت علی العدید من الخطوات فی هذا الاطار).

من جانب معنوي آخر أطلقت السلطات الإيرانية اسم نمر باقر النمر على الشارع الذي تقع فيه السفارة السعودية بطهران.

 

قراءة في مضمون الخطاب الإيراني :

تميز الخطاب الرسمي بالتوتر والآخذ باتجاه التصعيد الإعلامي والدبلوماسي وفيه إشارات إلى ان السياسة الإيرانية ستستخدم ورقة ” العالم الشيعي ” في هذه الحرب المتصاعدة وتيرتها ، وأنها ستلجأ لتحريك الشارع الإسلامي الشيعي في جميع دول المنطقة والعالم . تبين ذلك ايضا من خلال الحشد الواسع للمواقف السياسية والإعلامية المتحركة في مجال النفوذ الإيراني ضد الرياض . كما تميز الخطاب بالإشارة الواضحة لملفات البحرين والمناطق الشرقية في المملكة العربية السعودية، تلميحا لرغبة طهران دعمها للعنف وتأجيج الشارع العربي الشيعي  ، والتحرك نحو إفشال أي محاولة لتسوية سياسية بين اليمنين.

توقعات للداخل الإيراني :

في حال تصاعدت الأحداث سريعاً بين الطرفين دون وجود رغبة وتحرك حقيقي لإحتواء الأزمة  فمن المتوقع  أن تنشأ خلافات و ينقسم الموقف الايراني من داخل مؤسسة النظام الحاكم دون ان يظهر ذلك سريعاً ، الى قسمين : جماعة ستطالب بتصعيد إيراني ضد السعودية وإستثمار الغضب الشيعي المُصدر إيرانيا ، وجماعة اخرى ستطالب بعدم التصعيد لصعوبة إدارة الأزمة والجماعات الشيعية على نطاق واسع والدخول في مواجهة مباشرة مع الدول الخليجية والتحالفات العربية والدولية  التي شكلتها مؤخرا ، خاصة مع إستمرار طهران بالوقت نفسه في إدارة الملفات السياسية والامنية والمعارك القتالية في العراق وسوريا واليمن .

خطاب الأزمة لحزب الله :

يعتبر مشروع حزب الله رأس الحربة لإيران بالمنطقة العربية ، ولا يصح عمليا تسميته باللبناني ،نظرا لانتشاره  ونشاطاته العسكرية والامنية وخطاباته السياسية تتخطى الجغرافية اللبنانية ، مُتناغم كليةً مع الخطاب الايراني في ملفاته العربية المعقدة ، وذراعا تنفيذيا لمخططاته السرية والعلنية.

تميز خطاب حزب الله  بالحدية المتوقعة من موقعه كذراع تنفيذي لسياسات طهران التوسعية بالمنطقة العربية ، فقد طالب أركان الحزب علناً بأسقاط النظام الحاكم في السعودية ، حيث قال الأمين العام للحزب حسن نصر الله خلال كلمة له : ان إعدام النمر سيكتب نهاية النظام السعودي ، محرضاً على الوقوف بوجه النظام السعودي الحاكم على اعتباره الطاغوت.

بينما قال نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم : وصلت السعودية إلى أقصى الضعف وهي تحفر قبر نظامها بيدها.

مع إستمرار التصعيد ضد السعودية سيتحرك الحزب تماشياً مع  مضمون الخطاب والموقف الايراني من الناحية العملية التنفيذية ، سواء عبر ضرب المصالح السعودية في لبنان أو المناطق العربية أو بمحاولة تأجيج العنف وتحريك الشارع الشيعي في الدول العربية .

متطلبات الرد العربي :

طهران لن تتمكن بالوقت الحاضر من تهدئة حدة خطابها أو سياساتها التصعيدية العدوانية ، حفظاً لماء الوجه وسمعة إيران في العالم الاسلامي الشيعي ، خاصة بعد أحداث إستهداف السفارة والقنصلية السعودية بإيران  في مشهد أعاد للاذهان الهجوم على السفارة الامريكية بطهران عقب الثورة الخمينية فيها ، أما الهجوم على المصالح السعودية في ايران  أعقبه طرد الرياض للدبلوماسيين الايرانيين وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، الأمر الذي أعتبره مساعد وزير الخارجية الايرانية للشؤون العربية والافريقية حسين امير عبد اللهيان بـ”الخطأ” الاستراتيجي من جانب الرياض ، وأشار  في تصريحاته الى ان هبوط قيمة النفط عالمياً بسبب السياسة النفطية السعودية ، متهماً الرياض بلعب دوراً تخريبياً في المفاوضات النووية الايرانية.

ما يتطلبه الرد العربي يستوجب عدم ترك السعودية تتصدر المشهد منفردة عن أشقائها العرب ، لأن إنفراد السعودية في هذا الظرف الحرج سيرفع من فرص السياسة الإيرانية في تسويق مفهوم ان الاعتداء جاء من قبل السعودية على الشيعة  وهم ” رعايا ” إيران!، كما أن إنفراد السعودية في إدارة الأزمة سيجر الدول العربية نحو مزيد من التوترات الطائفية الداخلية تستثمرها طهران في اللعب على الوتر الطائفي وخطابه التحريضي ، لذا فأن الإطار العام لمتطلبات الرد العربي على الشكل التالي:

  • إعتماد السياسة العربية على الخطاب القومي العربي في إدارة الأزمة ومخاطبة الشارع العربي خاصة في دول الخليج العربي واليمن والعراق ولبنان وفلسطين ، والتأكيد على وحدة الموقف السياسي والاخلاقي العربي ، وأن خطوة تشكيل تحالفا عربيا مقره الرياض انما جاء من منطلق الحرص والدفاع عن الجسد العربي الواحد . إنصهار مواقف القيادات العربية في بودقة عمل عربي مشترك لمواجهة تحديات الامة العظيمة ضد المشاريع الاستعمارية والأطماع الأجنبية أي كان جنسها أو هويتها.
  • إعادة إنتاج القضايا العربية المُتنازع عليها مع إيران ، وإطلاق موقفا عربيا موحدا وحازم، واضح الأهداف والرؤية ضمن الإطار العربي المشترك تجاه ملفات ( العراق ، اليمن ، سوريا ، لبنان ، فلسطين ، الأحواز ،البحرين ، الجزر الاماراتية العربية الثلاث ) .
  • التأكيد على ضرورة تبني قضية عرب الأحواز ودعم مساعيهم للحصول على الاستقلال عن الدولة الفارسية ودعم الكفاح العربي الاحوازي بكافة السبل والأشكال وتبني القضية العربية على الصعيد الدولي .كذلك  ضرورة فتح ملف الجزر العربية الثلاث ورفعها للتحكيم الدولي وإستخدام كافة الوسائل الدبلوماسية والسياسية العربية للضغط.
  • إتباع سياسة ” التعامل بالمثل ” مع إيران عربياً ، عبر صياغة سياسة عربية منفتحه على القوميات والأعراق غير الفارسية المضطهدة المتواجدة ضمن الجغرافية الايرانية ، وتقديم الدعم لقضاياهم العادلة ، خاصة القضية الكردية يفترض على المجموعة العربية ان تقدم كل سبل وأشكال الدعم لها .
  • تحرك الدبلوماسية العربية والمنظومة الخليجية نحو إستخدام الملف الاقتصادي والنفطي مع الدول والأطراف المشترية للنفط الايراني بهدف عقد تفاهمات معها من شأنها التأثير مع العقوبات المفروضة دولياً على طهران في الملف الاقتصادي الايراني.

 

عدم القدرة على إدارة الأزمة عربياً بالشكل المناسب أو إنفراد السعودية بها أو عدم تمكن جميع القيادات العربية من الإتفاق على قرار المواجهة مع إيران ستكون له عواقب وخيمة لا تحمد عقباها على العرب ومستقبل المنطقة ، بالتالي ستدخل المنطقة العربية في حالة فوضى عارمة أكثر مما هي فيه الآن، لذا يتطلب الظرف الراهن إتخاذ مواقف تأريخية جريئة ، فالتهديد أصبح وجودي بالنسبة للعرب ومستقبلهم على قضايا الهوية والسيادة والحرية والأمن.