وهي الصراع الذي يتميز بعدم المركزية بين أسس أو عناصر الدول المتحارَبة من قِبل دول أخرى . استٌخدم هذا المصطلح لأول مرة في عام 1989 من قبل فريق من المحللين الأمريكيين، من بينهم المحلل الأمريكي ويليام ستِرگِس ليند لوصف الحروب التي تعتمد على مبدأ اللا مركزية .

يعود تاريخ الحديث عن «الجيل الرابع من الحروب» إلى 25 عامًا، ورغم مرور النظرية بعدة تغييرات، إلا إنه يمكن تلخيصها في نقطة أساسية تقول فيها، ينقسم تاريخ الحروب إلى 4 أجيال . .

– حروب الجيل الأول ..

يقوم على حشد الجنود والقوات، مثلما نشاهد في أفلام حروب المسلمين والكفار أو الفرس والروم .

– حروب الجيل الثاني . .

حيث المدافع البدائية التي يتم فيها قتل وتدمير جيش العدو عن بعد، قبل حدوث أي اشتباكات مباشرة .

– حروب الجيل الثالث . .

التي أصبح فيها الاعتماد على التكنولوجيا والطائرات والدبابات والتجسس والمناورة العالية والسرعة الفائقة والهجوم من الخلف، بدلاً من المواجهة المباشرة والاستفادة من المعلومات التي توفرها الأقمار الاصطناعية .

– حروب الجيل الرابع . .

والتي تعتمد على نوع من «التمرد» الذي تستخدم فيه مجموعات غير نظامية كل الوسائل التكنولوجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، بهدف إجبار العدو (قوة عسكرية نظامية) على التخلّي عن سياساته وأهدافه الاستراتيجية .

تنتقل الحرب في هذه المرحلة من صراع مُسلح بين قوتين عسكريتين نظاميتين، إلى صراع بين «دولة» ومجموعات غير نظامية لا تستهدف تحطيم القوة العسكرية للدولة، بل إجبارها على الدخول في حالة من عدم الاستقرار وضعف السيطرة، والفشل في النهاية .

ونظرية الجيل الرابع ما هي إلا تبرير للفشل المخابراتي والعسكري الأمريكي، وتعبير عن عدم الاعتراف بحقيقة تطور الفاعلين من غير الدول، وضعف قدرة الدولة على احتكار وسائل العنف التقليدية وغير التقليدية أمام عالم متعولم وشبكات علاقات بين فاعلين قادرة على تخطى الحدود التقليدية، تم ترديدها كما هي للتخلص من أي مظاهر تعددية وديمقراطية، والتخلص من الخصوم السياسيين والحركات الثورية .

وقد حذر مسؤولون ومختصون في شؤون الدفاع من «حروب الجيل الرابع» التي وصفوها بالغامضة والمهددة لسيادة الدول دون الاحتكام لأي أخلاقيات، واعتبر المسؤولون والمختصون أن الخصم في هذا النوع من الحروب يختلف آيديولوجيًا وقيميًا، ويوسم بـ «اللامركزية» من حيث تغير أسس الحرب وعناصرها، وهو ما يعني تجاوز المفهوم العسكري الضيق للحروب إلى المفهوم الواسع، فضلا عن تسخير إرادات الآخرين في تنفيذ مخطَطات العدو .

وإن هذا النوع من الحروب ليست حربًا بين جيوش نظامية تخضع لاتفاقيات دولية ولقواعد القانون الدولي وأخلاقياته، وإنما هي حروب تتم فيها مواجهة خصم يختلف آيديولوجيًا وقيميًا وأخلاقيًا، ونشير إلى أن مايحدث في المنطقة من قبل المجموعات الإرهابية هو دليل على الدخول إلى مرحلة جديدة من حروب الجيل الرابع، بعد أن أصبحت الجماعات الإرهابية تسيطر على مساحات من الأراضي، وتملك الكثير من الموارد، وتعمل على نقل عملياتها عبر الحدود .

ونشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط تشهد حروبا وصراعات متعدِدة قادت إلى انهيار الدولة الوطنية وتفكُك مؤسساتها، كما يتزامن مع تصاعد خطر العمليات الإرهابية في معظم أنحاء العالم . وتحول الإرهاب ليكون الخطر الرئيسي الذي يهدد الأمن والسلم العالميين، موضحًا أن هذه النوعية من الحروب تستهدف في الأساس تدمير النظام السياسي للدولة وزعزعة تماسكها الاجتماعي .

ونرى ان هناك ضرورة لاستخلاص الدروس والعِبَر من الماضي لمواجهة هذا الخطر ومنع تهديد سيادة الدول والحفاظ على وحدة أراضيها، وإن هذا يتطلَب منا فهم الكيفية التي يجب أن تعمل بها القوات العسكرية الوطنية في ظل هذه المخاطر والتهديدات، كما يجب الاستعداد لحماية البيئة المعلوماتية والعمل في الوقت نفسه على تطوير عقائدنا واستراتيجيتنا لمواجهة هذا الخطر . وعلى المجتمع الدولي أن يتحمَل مسؤولياته تجاه الدول التي تتعرض لهذه النوعية من الحروب ويحول دون تعرُضها للانهيار، وذلك بمنع تحكم المجموعات الإرهابية فيها .

أن «الجيل الرابع من الحروب» مفهوم يعبِر عن الصراع الذي يتميز بعدم المركزية من حيث تغيُر أسس الحرب وعناصرها ما يعني تجاوز المفهوم العسكري الضيق للحروب إلى المفهوم الواسع، حيث تُوظَف «القوى الناعمة» في هذه الحروب إلى جانب الأدوات العسكرية «القوى الصُلبة»، فهناك الدولة التي تواجه ميليشيات عسكرية ومجموعات إرهابية، وهناك وسائل الإعلام والقنوات التي تخدم التنظيمات والميليشيات، بحيث تعمل هذه الوسائل على إنهاك الخصم وتدميره بشكل منهجي وتعمل على تشتيت الرأي العام حتى يتمكن الطرف المسيطر على الوسيلة الإعلامية من تحقيق أهدافه وتحطيم الخصم تماما .

كما أن هذه الحروب لا تستهدف تحطيم القدرات العسكرية فحسب، وإنما تعمل على نشر الفتن والقلاقل وزعزعة الاستقرار وإثارة الاقتتال الداخلي أيضا . وفي تعريف أوضح، يمكن القول إنه جيل تسخير إرادات الآخرين في تنفيذ مخطَطات العدو .

كما أن الحاجة لدراسة مفهوم الجيل الرابع من الحروب تتعاظم بشكل كبير في ظل تغيُر طبيعة الصراعات الدولية والإقليمية واحتدام التنافس الدولي والرغبة في الهيمنة على العالم، وتضخُم شبكة العلاقات الدولية مع ظهور فاعلين جدد يتجاوز تأثيرهم الحدود الوطنية التقليدية، مستغلين تقدم وسائل الاتصال الحديثة والتكنولوجيا المتطورة .

ونلفت النظر إلى أن «الجيل الرابع من الحروب» جعل الصراعات الراهنة التي تشهدها بعض دول المنطقة أكثر تعقيدًا من ذي قبل لأن القائمين بهذه الحروب يكونون في بعض الأحيان أطرافًا غير منظورة، تسعى إلى إثارة الفوضى وعدم الاستقرار داخل الدول والمجتمعات، ولهذا كان من الضروري تسليط الضوء على سمات هذه الحروب وأدواتها المختلفة واستشراف آفاقها المستقبلية من أجل الاستعداد الجيد لمواجهتها بشكل فاعل وبنَاء .

إن موضوع حروب الجيل الرابع يعد من الموضوعات البالغة الأهمية في الدراسات الاستراتيجية، حيث إنه ينفرد من حيث هو صنف مختلف لاينفي أشكال الأجيال السابقة بل يستوعبها كلها، فإذا كانت الحروب في الجيل الرابع تنطوي على تراجع دور الجيش والقوات المسلحة مقابل تداخل عوامل أخرى، فإنه في المقابل لايستطيع القيام بها إلا عدد قليل من الدول، أي تلك الدول التي تملك القدرة على خوضها بأقل خسائر ممكنة .

كما أنها تتجاوز ساحة الحروب التقليدية من معارك برية وبحرية وجوية لتشمل نطاقات جديدة تدار على مختلف الصعد المتاحة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو إعلامية .

وأن «هذا الجيل من الحروب يهدف إلى الدفع بالدولة نحو التآكل البطيء والانهيار الداخلي والتفتت إلى الحد الذي يسمح بالسيطرة عليها وفرض واقع جديد على نظامها الحاكم مع تأزيمه وتشويه صورته، كما أن هذه الحروب تعمل على تجنُب السلبيات التي تخلِفها عادة الحروب التقليدية ولاسيما مشاعر العداوة التي تنتاب شعب الدولة المغلوبة تجاه الدولة الغالبة، وللوصول إلى هذه الغاية يتم استعمال جملة أدوات داخلية وخارجية والاستعانة بوسائل الاتصال الحديثة ويقع توظيف التطور التكنولوجي لتشديد الخناق على الدولة المستهدَفة وحرمانها أي مساعدات إقليمية أو دولية، وتبقى أهم تلك الأدوات ماثلة على مستوى تأجيج مشاعر الغضب وإثارة العمليات الإرهابية والنعرات الطائفية لتشجيعها على رفع المطالب الانفصالية بمسوِغ مزاعم تعرُضها للاضطهاد والتمييز، وكذلك إثارة القضايا المثيرة للرأي العام بشكل منحاز وغير واقعي حول حقوق الأقليات والمرأة ونمط أداء مؤسسات الدولة، والتشكيك في نيات الحكم .

أن مراكز الفكر والجمعيات التي تعنى بإقامة الديمقراطية وحقوق الإنسان تلعب دورًا مؤثرًا في إثارة القلاقل الداخلية وقيادتها عبر مختلف الوسائل المتاحة كأدوات التواصل الاجتماعي لإثارة الشائعات ونشر الدعوات المناهضة للحكم، ولا تتردَد الدول الكبرى حينها في توظيف «مجلس الأمن الدولي» لفرض عقوبات على الدولة المعنية والتلويح بتطبيق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح استعمال القوة ضدها وهي مساعٍ تستهدف العزل والاحتواء إما بشكل انفرادي باستصدار قرار من دولة كبرى، وإما بالتنسيق مع حلفائها، وإما بشكل جماعي عن طريق العمل على اصطفاف الدول التابعة لها .

وأن التاريخ المعاصر يقدم نماذج للجيل الرابع من الحروب، حيث تتم إدارة الحرب عن بعد ومن أهمها تفكُك الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، وفي الوقت الحالي يلمس تنامي احتمالات تقسيم دول أخرى منها ما هي موجودة في العالم العربي، وهي تلك التي تأثرت بموجات أحداث ما يُسمَى «الربيع العربي» .

أن أهمية موضوع «الجيل الرابع من الحروب» لا تقتصر على استعراض توصيفاتها، وإنما تتجلَى في بلورة رؤية واقعية وفعَالة تمكن من مواجهة هذا النوع من الحروب

وللموضوع بقية . . .

بقلم / د. نبيل أحمد الأمير

والله من وراء القصد