مباشرة بعد سقوط مرسي تناقلت الأنباء مبادرة بعض الأشخاص الى تأسيس حركة “تمرد” تحمل نفس الاسم في كل من المغرب وتونس، وبدأت الأحلام في تكرار التجربة المصرية مما يؤشر على خلل كبير في النضج السياسي لأصحاب هاتين المبادرتين.
ومما يجعل هذه الخطوة شغبا صبيانيا أكثر ما هي حركة مدروسة سياسيا في المغرب، أن السياق المغربي وحدود سلطة الإسلاميين، وطبيعة اسلاميي المغرب الذين انخرطوا في اللعبة السياسية تختلف حد التناقض مع ما وقع في مصر.
وللمتحمسين ل”تمرد” مغربية أذكرهم أن من أسباب نقمة الشارع المصري على الرئيس المصري محمد مرسي وجماعته و أول حطب زودت به نار الكراهية التي تصاعدت ضده كان المسار الذي أخذه إعداد الدستور، ولا ينكر أغلب المتتبعين توريط حزب النور السلفي للإخوان في معركة الدستور، وبعيدا عن تفاصيل رحلة الدستور المصري التي ارتكبت فيها أخطاء قاتلة، فإن إسلاميي المغرب لم يشرفوا على اعداد الدستور الجديد ولم يكونوا الطرف القوي فيه ولم يتحكموا من قريب أو بعيد في إعداده، فقد كان تغيير الدستور مطلبا للشارع المغربي تولى مهمة الاستجابة له ملك المغرب ونفذته لجان تقنية بالتشاور مع كل الاطراف السياسية، ليس السياق هنا لتحديد موقف من الدستور وما إذا كان يرضي تطلعات الشارع أم لا ولكن المهم أنه ليس دستور حكومة الاسلاميين التي جاءت نتيجة له ولم يأت هو نتيجة لها.
المسالة الثانية التي تحتاج الى نظر المتتبعين بعيدا عن الحسابات الإيديولوجية، أن اسلاميي المغرب وتونس يختلفون منهجيا وفكريا عن جماعة الإخوان المسلمين.
ففي الوقت الذي لا تزال فيه الجماعة ترفع شعار “الاسلام هو الحل” أتذكر تصريحا قديما لعبد الإلاه بنكيران الامين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية المغربي ورئيس الحكومة، وأعتقد أن التصريح يعود الى التسعينيات من القرن الماضي طالب من خلاله بإعادة النظر في هذا الشعار ، وقد أثار بذلك موجة غضب عارمة داخل وخارج محيط انصار حركة التجديد والاصلاح، والحزب أعقبه نقاش داخلي ربما على من شاركوا فيه أن يقدموا حوله تفاصيل أكبر.
ورغم حرص حزب العدالة والتنمية المغربي على ربط قاطرته لدراعه الدعوي حركة التوحيد والاصلاح، إلا أن هناك عددا من المؤشرات التي تؤكد أن الارتباط القائم بينهما عاطفي أكثر مما هو منهجي، وهذا ما يمكن ملامسته في أدبيات الحركة التي تقترب من أدبيات الإخوان المسلمين خصوصا بعد أن غيرت تسميتها القديمة واستبدلتها بالتسمية الجديدة، في حين حين تبتعد أدبيات الحزب كثيرا، وربما هذا ما يفسر تضارب المواقف والتصريحات في بعض الأحيان، فقد خرج عبد الله بها الرجل الثاني في الحزب بعد عزل محمد مرسي بتصريحات فيها الكثير من الدهاء السياسي حين حمل جزءا من المسؤولية فيما وقع للرئيس ولجماعة الاخوان المسلمين ولفكرها الذي لم يتطور ليستوعب الآخر، فيما جاءت الردود المباشرة من داخل الحركة ..كما أن المتتبعين يقفون عند تصريح محمد الريسوني الأمين العام السابق للحركة وفقيهها الذي يعتبرونه مجددا حين لام أعضاء البرلمان من قيادات حزب العدالة والتنمية عن عدم تواصلهم بقاموس ديني متضمن بآيات وأحاديث وتسميات فقهية، فكان الرد السريع على لسان أحد قيادات الحزب الذين يحسبون على التيار التقليدي مما فاجأني شخصيا حيث رد على شيخ الحركة بأننا لا نبني دولة للفقهاء، في انحياز واضح لخطاب الدولة المدنية. وليس هذا هو الموقف الوحيد الذي يجعل أي حديث عن حكومة دينية في التجربة المغربية فيه نظر.
كما أن طبيعة التشكيلة الحكومية تجعل الاسلاميين مجرد أطراف فيها، ولو توجه أي مراقب للشارع المغربي وساله عن اسماء الوزراء الذين أثاروا بعض الغبار وصاروا معروفين لدى الرأي العام أكثر من غيرهم لاكتشف أن الناس يعرفون بعد عبد الاله بنكيران، الحسين الوردي وزير الصحة وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية اليساري، ومحمد الوفا وزير التعليم و القيادي في حزب الاستقلال اليميني، ونبيل بنعبد الله وزير السكنى والقيادي اليساري (حزب التقدم والاشتراكية) ومحند العنصر وزير الداخلية والقيادي في حزب الحركة الشعبية المحسوب على الوسط وغيرهم من الوزراء غير الاسلاميين أكثر مما يعرفون غيرهم من وزراء حزب العدالة والتنمية.
والمفارقة الأخرى التي تبعد تجعل تجربة الاخوان فريدة، هي أنهم “تورطوا” في التحالف مع حزب النور السلفي في البداية مما كانت له تداعياته الخطيرة داخليا وخارجيا وعلى مستوى الأداء أيضا، في حين أن سلفيي المغرب التحقوا باللعبة السياسية متأخرين عن نظرائهم في مصر، وتوزع ظهورهم في المشهد العام غالبا في مقابل حزب العدالة والتمنية وليس في صفه.
وفي الوقت الذي حرص فيه بنكيران على التقاط صور في حفل “خميسة” مباشرة بعد وصوله الى الحكومة، والمشاركة في تكريم فنانين، بل إن فريقه النيابي كان ولا يزال أحد أعضائه ممثلا شابا لا تزال تعرض أفلامه، دخلت حكومة محمد مرسي في عداوات مع الوسط الفني أججتها تصريحات متطرفة لشيوخ السلفية مما جعل يوم عزل مرسي عيدا لدى العديد من الفنانين والفنانات..
كما أن صلاحيات الجيش المصري وصورته تختلفان كثيرا عن جيشنا الذي يرأسه الملك، وتنشغل قياداته بعد الرمال والأسماك، نتيجة للسياسة التي انتهجها الراحل الحسن الثاني بعد الانقلاب العسكري الأخير عليه، حيث مكن جنرالات الجيش من عدد من الامتيازات مقابل اخلائهم النهائي للساحة السياسية مع ابقاء قيادتهم المركزية في يد القصر.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن الحاكم الفعلي في المغرب هو النظام الملكي الذي يملك تجربة سياسية تمتد لقرون وليس نظاما لا يزال يحبو ولم يتجاوز عمره بضعة أشهر.
وإذا كان اكبر مناصر لحركة “تمرد” المصرية هو جماعة الاخوان المسلمين ومواقف الرئيس المتخبطة وخطابه الذي ابتعد كثيرا عن خطاب رجل الدولة مما أحرج المتعاطفين معه، فإن اكثر ما يجعل “تمرد” المغربية مجرد نكتة عابرة هو التصريحات الأولى التي صدرت عن الداعين لها، حيث انهم لا يعرفون ماذا يريدون بالضبط، فهم يدعون لملكية برلمانية دون أن يفهموا في الغالب معناها، وفي نفس الوقت يردون على سؤال مدى أمكانية التحاق أطراف اسلامية معارضة بحركتهم أنهم يرفضون ذلك لأن هدف حركتهم هو إسقاط الحكومات الإسلامية. __._