لقد قرأنا هذه الأيام تعريفات كثيرة للعولمة هذه الظاهرة التي تلف العالم اليوم وذهب الدارسون والباحثون في تفسيرها والحديث عن آثارها كثيراً، ولا شك أن اللغة عنصر من عناصر الذات ومكون من مكونات الشخصية ولكل أمة من الأمم لغة تتميّز بها بين الأمم الأخرى، وفي ظل العولمة الباسطة نفوذها اليوم على المجتمع الدولي كيف يمكن التوفيق بين الخصوصيات الروحية واللغوية والثقافية والحضارية وبين متطلبات العولمة.
للعولمة تأثير سلبي في الهوية والسيادة معاً، والهيمنة الثقافية هدف مقصود لظاهرة العولمة، وإن اللغة والثقافة لكل أمة هي التي تحدد ملامح هويتها وتراثها، وتعد اللغة من أهم الملامح التي تكون هوية الأمة وتميّزها عن غيرها، فاللغة هي العنصر لأي ثقافة أو حضارة، واللغة العربية اليوم تواجه تحدياً قوياً في عصر العولمة، فالعولمة كما نراها اليوم تسير نحو التأثير السلبي في الهوية والسيادة وتذويبها وطمس معالمها وابتعد الناس عن اللغة العربية ليزدهر التغريب وتتحقق التبعية.
إن لغتنا أمانة في أعناقنا والحفاظ عليها مسؤولية مشتركة بين جميع فئات الأمة وتراثنا وهويتنا هما مصدر تميّزنا عن الآخرين ومبعث فخر ومصدر اعتزاز لنا، فالحفاظ على ذلك ضرورة حياة، فالأمة العربية والإسلامية تملك ثقافة عربية إسلامية ورسالة حضارية خالدة وهي اليوم تواجه حرباً شرسة تستهدف لغتها وتاريخها وتراثها وهويتها والتراث العربي الإسلامي ثروة إنسانية حضارية أغنت المعرفة الإنسانية عبر العصور.
ترتبط اللغة بالهوية ارتباطًا واضحًا وجليًا، ووضع الأمة العربية جغرافيًا، وتأثيرها في الاقتصاد العالمي، سببا في أن تكون مطمعًا للدول الأخرى، أو هدفًا للاستحواذ أو التخريب. وقد نال اللغة العربية نصيبًا كبيرًا من هذا كله.
إننا نشاهد اليوم التحدي السافر للغة العربية في المجتمع بفعل العولمة الذي يمس الوضع السيادي للغة العربية، فلنحرص على أن تأخذ اللغة العربية مكانها وقوتها والشعور بقدرتها على استيعاب المنجزات الحضارية، ولتكن نظرتنا إلى المستقبل في عصر العولمة أكثر ثقة، وأن تبقى اللغة العربية حيَّة ومنتجة وفاعلة وصامدة أمام قوى العولمة المختلفة وقادرة على استيعاب المنجزات الحضارية وفاعلة في المجتمع ومقبولة في المجالات المختلفة من صناعة وتجارة ووسائل إنتاج وصياغة المواد العلمية والإعلامية وغيرها.