عندما تكون الدولة لا دولة وعندما يكون القانون لا قانون وعندما تكون الرشوة والفساد وسرقة المال العام عناوين رئيسية لسلطة غير قادرة على توفير الامن “لشعبها” كما السلطة العراقية اليوم. تبدأ حينها مرحلة الشائعات بشكل اكبر من المعتاد لتأخذ مكانها الطبيعي في المجتمع نتيجة لشحة الاخبار وتضاربها خاصة عندما تكون تلك الاشاعات متوائمة مع العقل الجمعي للمجتمع حينها، شرط ان تكون الاشاعة لها ارضية واهمية من خلال الحدث لحظتها. وقد قسّم علم النفس الهدف من اطلاق الاشاعة الى خمس نقاط وهي العدوانية “ضد شخص او مجموعة لتشويه السمعة”، التنبؤ “تهيئة المجتمع لامر ممكن الحدوث”، الاسقاط ” اسقاط الاخرين نتيجة الكذب والرشوة مثلا”، الاختبار” باطلاق بالونات دعائية لجس النبض حيال امور منتقاة”، جذب الانتباه” نتيجة عدم الثقة بالنفس والايحاء بالقدرة على معرفة معلومات لا يعرفها الاخرون “. أما انواع الشائعات فهي عديدة ولكن ما يهمنا في مقالتنا هذه نوعين منها وهما شائعة الامل وشائعة البعبع وفق توصيف بعض المدارس “النفسية” حيث تنتشر الاولى عندما يتمنى مطلقوها حدوثها فعلا أما الثانية فهي نتاج الخوف المبالغ فيه.

ولو درسنا واقع الاشاعات المتداولة اليوم في العراق والهدف من اطلاقها نراها لا تخرج عن السياق العلمي الذي توصل اليه باحثون واكاديميون كثيرون خصوصا وان التربة العراقية خصبة لاطلاقها وفي مختلف المجالات نتيجة الفساد المستشري في مفاصل السلطة كافة وعجزها عن توفير اجابات حقيقية لمئات الاسئلة التي يطرحها الشارع العراقي. ويبقى امر مقاومة الاشاعة بيد السلطة نفسها وذلك بتوفير مصادر معلومات حقيقية وصادقة وعلى درجة عالية من الشفافية لابعاد الناس عن تصديق الاشاعات وتداولها بما يضر بسير “العملية السياسية” ويؤدي الى ضبابية في اللوحة القاتمة اصلا عند الناس وثقتهم المهتزة بالسلطة ورجالاتها.

سقت المقدمة القصيرة اعلاه بعد ان تناهى الى اسماع الكثير من العراقيين اشاعات حول دور كبير يلعبه احمد نجل نوري المالكي رئيس السلطة العراقية وزعيم حزب الدعوة ودولة “القانون” في الحياة السياسية العراقية وخصوصا في جانبها الامني والاقتصادي حيث اثيرت العديد من الشائعات حول امتلاكه لعقارات واموال ورساميل داخل وخارج العراق وشركات أمنية وغيرها، اضافة الى دوره المتنفذ الى جانب زوج شقيقته اسراء “ابو رحاب” في ادارة مكتب ابيه والذي يسيطر من خلاله على الكثير من الامور الحساسة والمهمة في البلد خصوصا في جانبها الامني. وتبقى هذه الامور بأكملها في باب الاقاويل والاشاعات لعدم ظهور ما يوحي الى صحتها خصوصا وان احمد ابن لرئيس سلطة له من الاعداء الكثير ومن الطبيعي ان تتناوله الاشاعات والاقاويل، ولان هناك من يتمنى حدوثها فعلا لابتزاز السلطة واظهارها ضعيفة وهناك من يطلقها خوفا. ولكننا لو تركنا علم النفس وانتقلنا الى الفقه القانوني والجزائي في القضاء والمحاكم بشكل مجازي وبحثنا عن دليل يثبت هذه الاشاعات سنكون حينها بحاجة الى دليل مادي، وقد توصل فقهاء القانون الى ان اقوى ادلة الادانة هو الاعتراف دون اي اكراه او تعذيب فصاغوا العبارة القانونية التي تقول بأن ” الاعتراف سيد الادلّة”.

وقبل أيام ومن على شاشة السومرية الفضائية قدّم لنا نوري المالكي سيد الادلة حول دور مخفي “مافيوي” لنجله احمد عندما اعترف من ان ابنه فوق القانون وفوق السلطات ان لم يكن هو السلطة والقانون! فالمالكي المنتشي بالسلطة والمتأكد على ما يبدو بالبقاء بها الى اجل غير مسمى قال بعظمة لسانه ان نجله احمد توجه بعد حصوله على امر قضائي بمعية قوة من افراد الشرطة الى احدى الدور في المنطقة الخضراء لاعتقال مقاول فاسد وسارق وارهابي”لوجود مئات قطع السلاح مع كواتمها بحوزته”، دون ان يشرح لنا الوالد المحترم عن مركز ابنه في جهاز الشرطة، معترفا بالوقت نفسه بفشل وبؤس اجهزته الامنية التي يقودها “ابو حسنين” وجبنها بالقبض على المقاول المذكور.

ان اعتراف المالكي هذا يقودنا بالضرورة الى فساد السلطة القضائية وعدم نزاهتها مما يجعلها في موقف لا يحسد عليه من حيث انها تأتمر بأمر حزب الدعوة الحاكم وسيده القائد، وان لم يكن القضاء فاسدا ومرتشيا فهل يستطيع وزير العدل العراقي ان يوضح لنا كيفية منح شخص مدني مهما كان مركزه امرا قضائيا باعتقال مجرم ما، واين هو دور الشرطة والاجهزة الامنية الاخرى؟ هذا من جهة ومن الجهة الاخرى فان تصرف السلطة القضائية بهذا الشكل المريب ورضوخها لنزوات شاب ليس لشيء الا لكون اباه على رأس السلطة التنفيذية، فانه يؤكد على ان الفصل بين السلطات الثلاث وعدم رضوخ الواحدة للاخرى ليست في النظام الديموقراطي الاسلامي والدعوي تحديدا الا اضغاث احلام.

من الطبيعي جدا في دول ومجتمعات العالم الثالث وعلى الاخص بالدول العربية ومنها العراق ان يلعب ابناء رؤساء الدول دورا كبيرا في الحياة السياسية “لبلدانهم” حتى وان كانوا “اطفالا رضّع!!” ومنهم على سبيل المثال اولاد حافظ الاسد والقذافي وعلي صالح والحريري ومبارك وغيرهم، اما في العراق فلم ينقل لنا التاريخ لليوم ان احد ابناء زعماء العراق عدا صدام حسين قد تدخلوا بشكل واضح في السياسة العراقية مستغلين نفوذ والدهم، فنوري السعيد الذي ترأس الوزارات العراقية 14 مرة وكان رجل بريطانيا الاول في العراق ان لم يكن في المنطقة ، لم يتدخل ابنه في الاجهزة الامنية والعسكرية على رغم انه كان طيارا. وحتى ابناء احمد حسن البكر فاننا لم نسمع عنهم تدخلهم بالشأن الامني كما اولاد المجرم صدام حسين وكذلك ابناء زعماء العراق الاخرين.

الا اننا لو اردنا الحقيقة كاملة ومنصفة في كتابة التاريخ فأن المجرم صدام حسين لم يتطرق على حد علمي “كوني خارج العراق منذ ما يقارب 34 عاما” في اي لقاء تلفزيوني عن اي دور لولديه في الشأن الامني كما صرح المالكي بحق نجله، على الرغم من ان الطاغية كان قد منح قصي خصوصا عددا من الاوسمة في مناسبات مختلفة اثناء الحرب الصدامية الخمينية، وعلى الرغم كذلك من معرفتنا الاكيدة عن دور قصي القذر في عملية تطهير السجون التي راح ضحيتها الالاف من خيرة ابناء شعبنا قبل الاحتلال بفترة وجيزة.

لكن المالكي الذي تحدث لنا عن بطولاته وهو يافع ومحاولته تأسيس تنظيم لاسقاط الحكم البعثي، اكد لنا ان ما تناقله الناس عن اموال ابنه وعقاراته وشركاته لم تكن اشاعة، فالشخص القادر على اعتقال ومصادرة اموال مواطن لم تتهمه المحكمة بعد وبأمر قضائي سليم وبأمرته مثلما قال المالكي العديد من افراد الشرطة يجب ان يكون ذو سلطة حقيقية. واذا كان طاغية حزب البعث صدام حسين لم يجرؤ او خجل من هكذا تصريح بحق ولديه، فان طاغية حزب الدعوة نوري المالكي يجرؤ ولا يخجل من هكذا تصريح مشين.

ان الرأي العام العراقي وقواه السياسية “الحية” و منظمات المجتمع المدني عليها ان تطالب المالكي بتوضيحات عمّا جاء في مقابلته التلفزيونية تلك، كون الامر يشكل بادرة خطرة ذات ابعاد اكثر خطورة تريد ان ترسخ في العقل الجمعي اشاعة البعبع وهذه المرة من السلطة وليس من الناس لزرع الخوف في نفوسهم في طريقة لا تختلف كثيرا عن اسلوب البعثيين.

رابط فلم بطولات احمد نوري المالكي “ابو طبر”
http://www.youtube.com/watch?v=xGg7jWqyS_8 .

الذين لا يتراجعون عن رأيهم يحبون انفسهم اكثر مما يحبون الحقيقة جوزيف جوبير