أدركت من هذا القرن ما يزيد على ثمانية عقود، فأنا الآن متذكر من هذه العقود أوائل أيامها وسوابق أحداثها وملامح التطور فيها، وأنا متذكر كذلك ما تلا ذلك، ولبثت أتابع حياة البغداديين متابعة دقيقة حتى تفقهت فقه أدبهم ومن ذلك أمثالهم ونكاتهم وأغانيهم مما يدخل في إطار لغتهم ومصطلحاتهم وتابعت ما استطعت صناعاتهم وحرفهم وسننهم الاجتماعية وأعرافهم البيئية.
وقد كان مما دفعني إلى ذلك أن العهد الذي نشأ فيه كان من خصائصه نشاط مثل هذه الدراسات إذا كان في مقدمة من ظهر في الساحة يومذاك العلامة الاب انستاس ماري الكرملي وكنت قد اتصلت به وانا ما ازال طالباً في الصف الخامس الابتدائي وواصلت التردد عليه في دير اللاتين ببغداد وآخرون من رجال الصحافة الذين وجدناهم على جانب كبير من الحرص على هذا النمط من التدوين الشعبي الشامل.. ولقد كان من رأيي كثرة التجوال في احياء بغداد والتوفيق عند كل (لمة) تؤدي عملها اليومي ومن ذلك مثلا جماعة (الكندكارية) الذين لم يعد لهم وجود في الطرف الأخير من القرن.
كنت انظر بطول تأمل في اناس يحفرون بالوعة في الطريق او يبنون جداراً او يحمسون الحميس او يطفئون حريقا او ينسجون حصيرا او يحركون قماشا او يروفون ثوبا. وألاحق بنظراتي وأنا يومذاك – صبي – الحلاق والنجار والحداد وبائع الكباب والطرشجي وبائع البالوتة والعاب الصبيان والشباب والبنائين (اللمبة جية) الذين يضيئون الفوانيس في الأزقة، وكان مشهدهم مشهدا يدل على مهارة وجدية واستباق مع الزمن.. لقد عرفت كثيراً من أحوال الناس في أيام أفراحهم وأيام أحزانهم. وترددت على المحاكم فكنت أشبه ببعض المحاكمات وشاهدت (القصة خون) الذي يسرد سيرة عنتر بن شداد العبسي في بعض المقاهي في محلة الفضل ورأيت صراع الدبكة وشاهدت الدلالين يعلنون بيع البيوت وإيجاراتها في المقاهي.. ولاحظت وسائط النقل البرية والنهرية حتى أني ركبت في احد الأيام (الكاري) الذي كان واسطة نقل مألوفة بين الكاظمية وبغداد في جهة الكرخ ولم اكن اريد بذلك الوصول الى مكان ما ولكن لمجرد أن أرى مذاق مثل هذه الوسائط وما تحدثه في النفوس من نشوة وشاهدت (الزور خانات) ومصارعة الهلوانية بل أني اشتركت في زور خانة (مهدي زنو) رحمه الله في الدهانة، وصليت في معظم مساجد بغداد واخترقت بعظم الأسواق ومنها سوق (القاطر خنة) وسوق الغزل وسوق الهرج وسوق الصفافير وسوق حنون، وكنت اتبع السبايات التي كانت تمور في بغداد، وأدرك بعض حالات السفور في اول بروزه في البلد.
وإذا لم أجاوز الخامسة عشرة من سني حياتي التحقت بمجلة (الهداية الاسلامية) ومن بعض أعمالي فيها قيامي بجباية (الاشتراكات) في أماكن متقاربة ومتباعدة وعرفت الكثير من أمر الناس وطبائع السكان، وتعرفت منذ الصغر على اكبر مجموعة من علماء الدين وأئمة المساجد كل ذلك جعل ذاكرتي تزدحم بالمعلومات البغدادية الجمة الكثيرة.. وإذا كان التطور الذي حصل في بغداد سريعا غير بطيء فقد اختزن كثير من ذلك في ذاكرتي وبت استطيع الآن الرجوع إلى ما قبل ثمانين سنة لأرى كيف كانت الأشياء والأوضاع والتقاليد والمشاهد، بعد هذه المقدمة الموجزة اذكر أن أول اختراع إلى لفت أنظار الناس في بغداد في العشرينيات هو (الفوتوغراف) الذي عربه اللغويون إلى (الحاكي) وكانت الناس تستمع إليه في المقاهي وفيهم من امتلك مثل هذه الاجهزة في بيوتهم اذ كانت توضع الاسطوانة على مكان مخصص لها في هذا الجهاز وتوضع عليه الإبرة التي يسمونها (الالكنة) وهناك بوق ينبعث منه الصوت.
وقد ساعد الحاكي هذا على نشر المقامات العراقية في مختلف الاوساط وانما كان يسعى بالاسطوانة لم يكن الا قرصا مستديراً بحجم الرغيف الصغير وجرت تسميته بالاسطوانة لأنه كان عند اول اختراعه اسطواني الشكل. لدي هذا الجهاز القديم ومعه عدة اسطوانات تصنع من الشمع وتسجل عليها الأغاني وغيرها محليا فلما تطور هذا الجهاز صارت الاسطوانة قرصا يصنع من مادة خاصة وانتقل اسم الاسطوانة إلى القرص ومضى الأمر على ذلك.
لقد كان أهل بغداد يجتمعون حول (الحاكي) وهم يتعجبون كيف يخرج هذا الصندوق الصغير اصواتا لأناس كثيرين وكان بعضهم يدور حول الصندوق ليرى ماذا بداخله، وفي تلك الايام نظم بعض الشعراء قصائد في وصف هذه الأعجوبة النادرة ثم مضت الأيام فإذا بالراديو يظهر في بعض البيوت فتستمع الناس إلى أصوات ينطق بها الناطق في مصر ويسمعها السامع في بغداد وكنت في أواخر العشرينيات امشي مع صديق فمررنا ونحن في محلة (دكان شناوة) ببيت فقال لي انظر إلى هذا الشباك فان فيه سلكا ظاهرا على الطريق يجلب الاخبار من مصر فكذبته وأسكته إذا كان ما قاله مما لا تصدقه العقول يومذاك، وكان عبد العزيز البغدادي وهو صاحب محل للسجائر يمنح جوائز لمن ينجح في سباقات كان ينظمها فكان يقم له هدية واحدا من هذه الراديوات وذاك قبل انتشارها في الأسواق، ثم ظهر الراديو في بعض المقاهي، وقالت العامة في بغداد أن هذا من عمل الشيطان فلما سمعنا القرآن الكريم يتلى من اذاعة مصر عدلت الناس عن نسبة الأمر إلى الشيطان وانتشرت الراديوات في البلد وقل انصراف الناس إلى (الفن غراف) وبعد مرور عدة عقود من الزمن ظهر التلفزيون الذي كان يعمل على شاشة غير ملونة وإنما كانت المشاهد فيها تبرز بيضاء وسوداء ثم تطور الأمر وظهرت التلفزيونات الملونة على نحو ما يسعنا نراه ونشاهده في آخر العشرينيات.
لقد ذكرنا اسم شركة عبد العزيز البغدادي لصنع السجائر اذ كانت هذه السجائر تصنع في علب صدفية تحفظ في الجيب وهو تطور ظهر في عالم التدخين اذ كان المدخنون اوائل هذا القرن يدخنون السجائر المزبنة التي فيها زبانات اي يكون للسجارة عقد مبروم من الورق وكان المدخنون يضعون سجائرهم في علب معدنية تفتح وتسد يدسونها في جيوبهم لا وجود لها اليوم وكانت السجائر تباع من قبل (التتنجية) فما من سوق في بغداد الا وفيه اكثر من (تتنجي) يبيع هذه السجائر ويبيع انواع من التتن الهندي والشيرازي وكان هناك من يستعمل (السيلان) جمع سبيل وهو ما طوره الغرب وسموه (البايب) وباعة السجائر يصفون هذه السجائر الى ما كان نمرة 2 ونمرة 3 ما يوصف بانه (كاسكين ) وكانت صناعة السجائر في بغداد غالبا ما ينهض بها اناس في بيوتهم وهناك مصطلحات كثيرة جدا في هذه الساحة وهي اليوم لا وجود لها.
ان عشرات الالفاظ التي كانت تستعمل في هذه الصناعة لم تعد من ألفاظ التداول اليومي في ايامنا منها كلمة (اصبع، بقجة، خردة، ملاين) وغيرها.. ومازلنا نحوم في حومة التدخين والتتن فان المناسبة تدعونا الى ان نذكر (النواركيل) وكانت منتشرة في المقاهي ولكل نركيلة توابعها ومفرداتها ومنها (المربيج) وهو انبوب لطيف الصنع يضعه المدخن في فمه يستخرج الدخان من الماء الذي في قعر الشيشة، والمجال الذي يكون الامتصاص منه يسمى (تخم) او (امزك) . وكان اصل النركيلة وسبب تسميتها بذلك انهم كانوا يصنعون من جوز الهند وعاء لها وقد شاهدته في الصغر ومما كان يشيع بين الناس في اوائل هذا القرن من هذه المكيفات (البرنوطي) وهو مسحوق التتن يعطرونه بالعطور ويجعلونه في علب صغيرة لطيفة مفضضة يخرج منها الرجل شيئا بين اصابع يده (السبابة والابهام) ينسه في انفه فيستنشقه ويقدمه للضيوف وكانوا يقولون ان البرنوطي يفتح افاق المخ لانه يجر الى العطاس في غالب الاحيان وكلمة البرنوطي اصلها (برن اوت) اي حشيشة الانف وقد اثبت على وصف صنع البرنوطي في كتاب الصناعات والحرف البغدادية) ومن المكيفات التي تستخرج من التتن ما يسمى (السويكة) وما يسمى كذلك (تتن سنون) وهو شيء واثق لمنظر يدسون منه شيئا قليلا في بطن الشفة وهذه المكيفات في اخر القرن الذي نحن فيه لم يعد لها وجود ظاهر.. ان تطوير صناعة السجائر ادى الى التقليل من حدوث الحرائق اذ كان شيء من النار يقع من السجارة القديمة على غفلة فيحترق ما تقع عليه فلما صارت السجائر تصنع بالمعامل الحديثة لم يقع منها شيء يحرق الثياب وغيرها.
وبعض المدخنين في تلك الايام كانوا يشترون دفترا يسمونه (بابرة) يقطعون منه الورقة ويضعون فيها التتن ويلفونها ويدخنونها وكانوا يستعملون الوسائل في اشعال النار كأنها الأصل الذي اخذت منه (القداحة) وهذه الطريقة قد تكون ما تزال موجودة في البوادي والأرياف.
ان ما ذكرته من امر التدخين وشؤونه على الوضع الذي سردته فيه كان متفشيا في سائر أنحاء بغداد وليس من الامور الخاصة ببعض الناس غير ان النركيلة ما تزال موجودة في بعض المقاهي البغدادية وكذلك يرى بعض ذوي المكانة ان شخصيات البلد يستعملونها حتى اليوم والى معلومات أخرى في عدد قادم.
2
ادركنا بغداد وهي تتحرك نحو التغيير في أزقتها وأحيائها اذ كانت لهذه الأزقة والأحياء أبواب تغلق بعد صلاة العشاء فلا يدخلها داخل ولا يخرج منها خارج إلا في ليالي رمضان فأنها تبقى مفتوحة حتى الفجر، وقد شهدت هذه الأبواب في بعض مواقعها أن بغداد كانت مدينة مسورة ذات أبواب فخمة منها الباب الذي يقع في منطقة باب المعظم كما شهدت الباب الذي يقع في جهة الباب الشرقي ومكانها اليوم ساحة التحرير وما تزال هناك باب في جهة الشيخ عمر اما الباب الرابعة وهي باب الطلم فقد أزيلت أواخر العهد العثماني إذ كانت مستودعا للبارود وقد نسف بالبارود الذي فيه خشية ان يستولي عليه المحتلون الانكليز وكانت هناك باب الخامس تقع على النهر في جهة الجسر العتيق وكانت تسمى باب الاغا وقد ازيلت من زمن بعيد، وكان لبغداد سور يحيط بها من جهاتها الاربع ومن ذلك جهة النهر ، جاء على ذكر ذلك بعض السياح الاجانب والان منهم من حدد طوله بالمشي حوله ساعتين ومنهم من استعمل في قياس طوله الياردات ومنهم من استعمل الخطوات وكانت بغداد محاطة بخندق ضيق وذي عرض ظاهر شاهدت منه ما كان بين المعدان والسور والمستشفى المجيدية الذي هو في كلية الطب اليوم كانت بغداد بدءا من مدخلها في باب المعظم كثيرة المقاهي ووجدنا منها كهوة البلدية وكهوة ابن كلك وكهوة لطيف وكهوة الوقف التي كانت عند جامع الميدان (جامع الاحمدية) ويتجمع الناس في المقاهي ليلا ونهارا وتدار عليهم اشربة متنوعة من ضمنها القهوة العربية والمقاهي التي نراها هنا لا وجود لها اليومز.. ولم يكن لوزارة الدفاع باب على الشارع.
ومن مواقع الترفيه في بغداد دور السينما وهذه نشأت أوائل القرن أو كان كل من هنالك من وسائل الترفيه ما يسمى بالقرقوز الذي يقال له بالفصحى (خيال الظل) ولم ادركه، ومن اسباب الترفيه التي كانت شائعة لدى الناس ترقيص الشوادي (القردة) او يحاكيها من يقوم بهذه المهمة فيسألها كيف تنام العجوز وكيف يمشي الراعي خلف شياهه ويقول للشادي اذا اعطاك المتفرج بعض النقود فماذ تصنع فانه يمد يده على رأسه تحية وتسليما على الرجل وسأله فان لم يعطك شيئا فماذا تصنع فانه يضع يده على عجيزته ولا وجود لهؤلاء اليوم وكانت الالعاب السحرية ذات وجود مشهود.. وللمطيرجية في بغداد أجواق من الطيور تطير هنا وهناك ولأصحابها أبراج يقيمونها على سطوح البيوت والمنازل ووجود المقاهي في بغداد يرجع إلى ما قبل مئة عام إذ كانت القهوة قد عرفت في تلك الفترة وللمقاهي تخوت عالية ذات طراز خاص ويفرش عليها حصران من الخيزران تنسج محليا بالحجم المطلوب.. ويسمى جلاس المقاهي القهوة المرة واشربه أخرى من مثل شراب الورد والدارسين وتعرف استعمال الشاي في المقاهي منذ القرن الماضي اذ كان الشاي قد ظهر في وقت غير بعيد منذ اواخر القرن التاسع عشر رغم انه كان يستورده التجار في شراءه عبر محلي بالسكر على عادتهم التي لا يزال عليها أهل الصين وكان سعره غالبا جدا إذ كان أهل بغداد لا يعرفون استعمال الشاي في الصباح إنما كانوا يستعملون أنواعا من الشوربة كالهرطمان والعدس.
وكان قصابو بغداد يرمون العظام للكلاب ولم يكونوا يبيعونها ولا كان احد يشتريها وأول ما رأيت ذلك في القاهرة سنة 1929 إذ كان الجزار المصري يفرض عليك قطعة من العظم يضعها في الميزان حين يبيعك اللحم الذي نشتريه منه.. كان بقالو بغداد يبيعون كل شيء بالعدد إلا النومي حلو فأنهم كانوا يبيعونه بالميزان !! وكان الطبخ على المواقد يستعمل فيه حطب الطراقة والبرماجة والعاكول والتوك والسعف.
لم تعرف بغداد أول هذا القرن انتشار المطاعم والتي تبيع التمن والمرق وما إلى ذلك إنما كان الموجود في بغداد من المطاعم كان الكبابجي والباجة جي كما أن هناك من باعة العريسة يصنعونها في الصباح وعرفت بغداد باعة الخميس يجلسون على الأرض وبين أيديهم طاوة كبيرة واسعة يقلون فيها الحلافيظ والمصارين ورديء اللحوم وكان الخميس مما يرغب فيه أكلته لطيب رائحته عند قلية فاذا مر عليه الوقت الطويل صار اشبه بالجلود.
ولم يكن الناس في بغداد ولا ذوو البيوت يأكلون المعلاك (الكبد والقلب والرئتين) اذ كان مما يستوجب السخرية ان ياتي الرجال اهله بمعلاك يحمله معه كما ان المعلاك لم يكن مما يبيعه القصابون انما كانوا يتركونه للزنابير والقطط … والمعلاك اليوم من المآكل الغالية المرغوب فيها وكذلك القول في الفشافيش فانها لم تكن تعرف في بغداد اول القرن. وظهرت في بغداد اوائل ايام القرن اكلة تعرف بالابيض وبيض وهو ان يجلس في السوق رجل اماه منضدة صغيرة واطئة عليها كؤوس الطرشي واوعية البيض المسلوق الذي يقطعه ويقدمه مع الخبز لأكليه الجالسين على كراسي صغيرة تكاد تكون لصق الارض. ولم تكن في بغداد اول القرن دكاكين لبيع البقلاة والزلابية انما كانت البقلاوة واخواتها تظهر الى الساحة في رمضان فقط اذ تباع على رؤوس الازقة فاذا انتهى رمضان لم تعد الناس تشاهد هذا النمط من الحلويات.. والزلابية الموجودة الان ليس بغدادية وانما هي تركية اما الزلابية البغدادية فقد انقرضت من وقت بعيد وكنا ادركناها ببيعها باعة من اليهود.
ومن مآكل الناس اليومية في بغداد الباكلة التي ينقعون فيها أرغفة الخبز لقاء قليل من النقود. وكانت باعة الباكلة هم من النساء يجلسن عند رؤوس الأزقة ومما اشتهرت بذلك امراة في الاعظمية اسمها (سعدة) وقد سمي الزقاق باسمها وصارت الباقلاء هذه اليوم تباع في مطاعم معروفة في بعض الاسواق وكذلك كان هناك من يقلي الكبة في الطاوات الواسعة. وكذلك من يقلي السمك في الاسواق لتأكل منه الأكلة.. اما الدجاج فلم تعرفه بغداد معروضا في مطاعم خاصة هنا وهناك .. وتطورت أكلة الأبيض بيض اليوم الى ما يسمى بالفات والسندويش والفلافل، وفي الصباح كان باعة الشرابت من مثل شربت الزبيب والتمر هند يبيعونها لمن يفطر عليها في الصباح .. وكان باعة الكبة يبيعونها في سلال خاصة ويتخذون لهم مواقف في السوق قبيل الغروب كما كان باعة الباجة الباردة يتخذون لهم مقاعد في السوق بين الغروب ليقبل عليهم من يتعشى بذلك.
مطابخ لبيوت كانت تتألف من ثلاثة احجار يركب عليها قدر الطعام ومن هنا جاءت تسميتهم للطبوخات بالتركيب تقول (اشركبت اليوم) فيرد عليك من يقول لك انهم “ركبوا البيتنجان والبامية” وغير ذلك ثم دخلت الى المطابخ ادوات تعمل بالنفط والفتائل ثم ظهرت البريمزات وهي تعمل بالضغط ثم تطورت وسائل الطبخ فصارت راقية وحسنة المنظر ثم ظهرت الطباخات التي تعمل بالغاز كما ظهرت انواع من الطباخات الكهربائية بعد ان شاع امر استخدام الكهرباء، وكانت غالب القدور من النحاس وهم بين حين وآخر يذهبون بها الى من يسمى مبيض الجدور ليبيضهن بالقصدير ثم شاعت قدور الفافون التي لا تحتاج لتبييض.. وكانت القدور النحاسية اذا اهمل تبيضها تسبب التسمم الذي وقع غير مرة.. وكانت للناس في مطابخهم قدور ذوات اشكال وتسميات منها الجدر العرابي والكمحدون والفوشخانة وانواع الطاوات التي تستعمل لقلي اللحم والعروك وكانت عندهم لطبخ الرز طريقة تركت في ايامنا اذ كانوا “يفركعون الدهن بالطاوة ويسكبونه على قدر التمن” وهذا مما تناساه الناس اليوم.
مجلة التضامن 1988