سبق لصاحب الأسطر أن كتب بتاريخ: الأحد6 صفر 1438، الموافق لـ 6 نوفمبر 2016 ، مقال بعنوان ” المعرض الدولي للكتاب 2 .. شخصيات المعرض “، يعرض فيه لقاءه مع شخصيتين جزائريتين، منها الفقيه شمس الدين حول كتابه “جذور البلاء”، والذي لم يستطع الحصول على نسخة منه بسبب نفاد نسخ الكتاب كلها. وقد كنت شاهدا حين طلب الشيخ من القائمين على دار النشر التي تكفلت بكتابه، فلم يستطيعوا تلبية رغبته ورغبة القراء، بسبب نفاد كل المخزون من الكتاب.
وما كان من صاحب الأسطر إلا أن اشتراه بثمن 1300.00 دج، وهو الذي بيع في المعرض الدولي للكتاب في حدود 1000.00 دج، وانتظرت أسبوعا لاقتناء كتاب “جذور البلاء”، للفقيه شمس الدين، دار المعرفة، الجزائر، السداسي الثاني 2016، من 560 صفحة.
وبمجرد ما أن تحصلت البارحة على النسخة ، عكفت على قراءتها، ووقف القارىء المتتبع على جملة من الملاحظات السريعة جدا، ومنها..
بسيط جدا، وبعيد عن التعقيد والمصطلحات العلمية الصعبة، ويمكن للقارىء فهمه بسهوله، ونقده إذا شاء .
وقد سبق للشيخ أن عرض مجمل ما جاء في الكتاب عبر الفتاوى التي كان يكتبها عبر أسبوعية “العربي” الجزائرية منذ سنوات. وما ميّز الفتاوى التي كان يكتبها يومها أنها كانت تعتمد على أمهات الكتب والتي أراها الآن مذكورة في الكتاب. وطيلة السنوات وهو يتحدث عن مشروع الكتاب. وقد سمعته خلال هذا الشهر يقول.. أنفقت 30 سنة من حياتي في إعداد كتاب ” جذور البلاء “.
لا تخلو صفحة من الكتاب تقريبا إلا واعتمد الشيخ شمس الدين على كم معتبر من المراجع، والتي تعتبر من أمهات الكتب والتي لا يمكن الاستغناء عنها في فهم القضايا التي طرحها عبر كتابه.
إعتمد بشكل كبير على المراجع التي اِنتقد أصحابها والتي يعتمدون عليها، أي نقل من مراجعهم التي يعتبرونها المرجع الأم .
أسماء المراجع مذكورة عبر صفحات 544-556، أي 11 صفحة مخصصة للمراجع فقط. وعددتها بنفسي واستغرق مني ذلك وقتا، فوجدتها 294 مرجعا في مختلف العلوم التي لها علاقة بالموضوع، وشملت القديمة منها والمعاصرة. ويمكن للقارىء أن يتأكد بنفسه.
فالكتاب بحد ذاته مرجعا لمن يريد أن يقف على مختلف المراجع، سواء أمهات الكتب القديمة التي لا يمكن الاستغناء عنها بحال، أو المراجع المعاصرة .
اِعتمدت طريقته في عرض الكتاب على التالي.. ينقل حرفيا ودون زيادة ولا نقصان، ومشيرا إلى الكتاب والصفحة بالضبط التي اعتمد عليها المخالف . ثم يأتي بمن يخالف القول من نفس الفئة التابعة للمخالف، ودائما معتمدا على المرجع والصفحة. فيكون بهذا قد عرض رأي المخالف من مصدره، وكأنه يقول للقارىء.. لست أنا الذي يرد عليه، إنما أهله وأصحابه من نفس الفكرة ، فانظروا واحكموا.
ثم يختمها برأي علماء المسلمين في العقيدة، والتفسير، والحديث، والأصول، والطبقات الأوائل منهم والمعاصرين في قضية معينة من قضايا الكتاب، فيطرح رأيهم المخالف، معتمدا دائما على كم هائل من أمهات الكتب ، والعلماء المعاصرين. وكأنه ينبه القارىء.. هذا هو رأي العلماء المسلمين من أهل السنة والجماعة في هذه المسألة، وهؤلاء هم العلماء الذين تعتمد عليهم الأمة في فهم دينها وشريعتها، ويمكنكم أن تتأكدوا من المرجع الموضوع بين أيديكم.
محتوى الكتاب.. يعتمد الكتاب على فكرة جوهرية، مفادها أن هناك صراعا قائما بين المفهوم الحقيقي للإسلام، والمفهوم المشوه للإسلام ويطلق عليهم اسم الحشوية.
وقد خصص في صفحة 111 فصلا سماه ” ماهو الحشو؟ ومن هم الحشوية؟ ” في صفحة 111 وما بعدها. وأفرد في صفحة 117 فصلا كاملا بعنوان ” نصوص العلماء في تحديد وتعريف الحشوية”.
ووصفهم بكونهم يقدمون أنفسهم على أنهم هم الإسلام وما هم بالإسلام. معتمدا في ذلك على أمثلة ذكرها الشيخ وبالتفصيل، ويبيّن من خلالها خاصة فيما تعلّق بالعقيدة الإسلامية، رأي كبار علماء المسلمين من أمثال سادتنا الأئمة الأربعة، وعلماء التفسير، وعلماء الأصول، وكبار من كتبوا في الطبقات والرجال لمختلف المذاهب الإسلامية.
ويتطرق إلى فهم كل من علماء المسلمين والحشوية لبعض القضايا المتعلقة بالعقيدة الإسلامية، ويذكر منها.. التفويض، وأن سادتنا السلف رضوان الله عليهم جميعا والخلف متفقان على التأويل. ويذكر أن الحشوية يزيدون على النص في صفحة 88 وما بعدها، ويخوضون في المتشابهات في صفحة 98 وما بعدها . وذكر في صفحة 105 أن الحشوية يقودون حملة شرسة ضد تفويض سادتنا السلف رضوان الله عليهم. وفي صفحة 131 عنوان “خلاصة القول في تعريف الحشوية “، يعود من خلاله لتعريف الحشوية من جديد، لمن أراد أن يعود للتعريف.
وفي صفحة 126 يعرض كيف استطاع سيّدنا الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كشف حقيقة الحشوية. وتطرق في صفحة 133 إلى مسألتين خطيرتين، الأولى ذكرها في صفحة 133 بعنوان ” من ليس حنبليا فليس بمسلم !!“، ثم قدّم أمثلة عن كبار العلماء المسلمين الذين تضرروا من دعاة الحشوية .
وعبر صفحات 149- 218 أفردا فصلا كاملا بعنوان ” من مشايخ الحشوية “، ومنهم.. مقاتل بن سليمان كان يأخذ عن اليهود . محمد بن السائب الكلبي من أصحاب اليهودي عبد الله بن سبأ. إبن بطة العكبري . الدارمي السجزي. الهكاري شيخ إسلام الحشوية . الحافظ محمد بن عثمان بن ابي شيبة عرف بالكذب منذ كان صبيا.الحسين بن علي بن ابراهيم الاهوازي وكان يكذب في الحديث والقراءات. القاضي أبو يعلى بن الفراء الحنبلي. غلام خليل الذي يرى جواز وضع الحديث. فرج الله الكردي من دعاة البهائية. يحي الحجوري. عبد العزيز بن الحارث التميمي وضع حديثا أو حديثين.. ويذكر أخطاء وعيوب كل واحد التي ارتكبها في حق العقيدة الإسلامية.
وبالموازاة يخصص عبر صفحات 219 – 324 فصلا بعنوان “من هم أهل السنة ؟ “، لأنه في نظر الشيخ لكي يفهم المرء الحشوية على حقيقتها، لا بد أن يفهم أهل السنة ومن يمثلهم. وقد ذكر قائمة طويلة من علماء الأولين والمعاصرين، ومفهوم كل منهم لأهل السنة، باعتبار هذا المفهوم معيارا ثابتا، ونقيا، لأهل السنة والجماعة، ومما تواترت عليه الأمة مذ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويختم كتابه بفصل عنوانه ” صفات الله تعالى عند الحشوية ” ، وعبر صفحات 325- 643، ويعرض بالتفصيل لكل صفة من خلال شيوخ الحشوية ، ومعتمدا على مراجعهم ، ومشيرا إلى الصفحة بالتدقيق، ومنها أقوالهم المدونة في كتبهم عن الله تعالى ..
الله له جهة . الله تعالى يجلس ويركب على سحابة . الله تعالى يجلس على حوت . إثبات الحد وأن الله قاعد وجالس على عرشه. الملائكة تحمله تعالى على العرش. الله تعالى جسم ثقيل ينتفخ إذا غضب ويزيد وزنه . رأس الجبل أقرب إلى الله تعالى من أسفله.الله لم يكن وحده في الأزل. المخلوقات لا بداية لها. العالم حديث وليس قديما. الله تعالى له جنب. بعض صفاته تعالى مخلوقة !! . لله تعالى عينان وهي من اختراع الحشوية . اختلاف الحشوية في عدد عيون الله تعالى. الله تعالى له داره ومسكنه . الله له ساقان وليس ساقا واحدة. لله تعالى ذراع. وله نعلان من ذهب. الله يلبس الملابس الخضراء والحمراء. الله تعالى له أذن، ولسان، وحنجرة .
ملاحظات القارىء.. ومن خلال قراءة كتاب ” جذور البلاء “، يبدي القارىء المتتبع جملة من الملاحظات الشكلية وهي ..
تصحح بعض الأخطاء المطبعية التي أساءت كثيرا للكتاب.
الكتاب من الناحية الشكلية ضخم، وربما يعيق القارىء المعاصر، ويحرمه بالتالي من قراءة الكتاب، ونقده ، والانتفاع به، ولذلك يقترح القارىء المتتبع ، تقسيم الكتاب إلى قسمين..
قسم يضم الجانب العلمي ، والذي يصلح أن يكون مادة لأهل العلم، والتدريس، والتنقيح والإثراء فيما بعد، خاصة وأنه اعتمد على أمهات الكتب، والمعاصرين، وتطرق لقضايا دقيقة جدا تتعلق بالعقيدة الإسلامية.
وقسم يخصصه لما تبقى من الجانب العلمي، كالجانب السياسي، والحوارات، والمناظرات، وما تعلق ببعض الأشخاص الذين ذكرهم.
وددت من صاحب الكتاب لو ابتعد عن استعمال بعض الألفاظ التي تعمدنا عدم نقلها، وأرى أنها وإن كانت تناسب السامع عبر المشهاد، فلا تناسب أبدا القارىء عبر الكتاب، وكم أتمنى أن يتخلص منها في النسخ القادمة.
كتاب “جذور البلاء”، كغيره من الكتب السابقين واللاحقين، تخضع للإثراء والنقد مهما كان صاحبها. والنقد يكون في مضمون الكتاب وما جاء به الكتاب، خاصة المراجع الكثيرة التي اعتمد عليها الشيخ شمس الدين. وبهذا تكون المكتبة الإسلامية استفادت من المراجع الثمينة التي اعتمد عليها صاحب الكتاب، وتستفيد المكتبة أيضا من خلال النقد الموجه للكتاب، وليس لشخص الكاتب.
ساهم الشيخ شمس الدين بكتابه “جذور البلاء”، في إزالة الخوف والفزع الذي أصاب الناس من التطرق لهذا الموضوع. وهذه النقطة تحسب له، وسيفتح الباب لاحقا ، فطوبى لمن أحسن فتحه، وساعد على فتحه، وأزال الخوف والهلع من عدم التطرق إليه. وهذه هي النقطة الجوهرية التي خرجت بها وأنا أقرأ الكتاب الذي سبق لي أن قرأت عينات منه من قبل. ويبقى بعدها أهل الفقه، والتفسير، والعقائد، والتاريخ، والرجال أن يناقشوا الكتاب وينتقدوه، وكل في تخصصه، ولهم الحق المطلق في ذلك .
بعد الانتهاء من كتابة المقال، أقرأ ثلاثة تدخلات حول كتاب “جذور البلاء ” ، الأولى لإمام فقيه، والثانية والثالثة لأديبين متخصصين في اللغة العربية والأدب. وعرض كل منهم بعض إيجابيات الكتاب وبعض السلبيات التي طغت على الكتاب، وأقول على إثرها.. هذا عين الصواب ومن شيم الكبار، فالفقيه ينتقد، والشيخ ينتقد ، ولا يستثنى أحد مهما بلغ من الدرجة في العلم والاجتهاد.
وفي الأخير، مبارك للمكتبة الجزائرية ، والعربية ، والإسلامة على المولود الجديد “جذور البلاء”. وأناشد الأئمة والفقهاء على اقتنائه ، ودراسته ، وتدريسه، خاصة في المجال العلمي المتعلق بالعقيدة الأسلامية، فقد أشبعها الشيخ شمس الدين أدلة من مصادرها الأصلية، وبحثا منذ 30 سنة، ومقارنة بين القديم والجديد . وهي فرصة للأئمة، والفقهاء، والقائمين على وزارة الشؤون الدينية لقراءة الكتاب، وتنقيحه، ومراجعته، وإثرائه، ونقده، ثم تقديمه في ثوب صغير ، وجميل، وأصيل ، يستفيد منه الجميع في تثبيت العقيدة الإسلامية .