جلستْ على صخرة بالقرب من شاطئ البحر والحيرة تسبقها، تفكر ولا تحس بماء البحر وهو يضرب نفسه بقدميها من أجل أن يفيقها من السفر البعيد الذي هي فيه! تمدُّ بنظرها للأفق البعيد في فجر يوم صيفي، ما تزال فيه الشمس لم تشرق وما تزال هي من نومتها لم تستفيق …. يا ترى لما ذاك الشرود ولما تلك النظرة الحزينة في العيون؟! لما الصمت مخيم عليها؟! وما الشعور الذي يعتريها في تلك اللحظة وهي تتأمل في شيءٍ لا نعرفه؟! قد يفيد السؤال حينما نستفسر وقد يكون في الرد على المحير البعض من النفض عما هو جاثم، وقد تكون هناك ردة فعل قوية تجاهي …. لا أعلم فكل شيء وارد ومتوقع! ولكن أيًا كانت الردة سوف أذهب وأجلس بقربها وأسألها، ما الذي يوجد في الحياة ويستحق كل هذا الثقل والتفكير العميق؟
تقدمت بخطواتي تجاهها ووصلت قربها وألقيت عليها التحية وقلت لها:” منعشة هي نسائم الفجر والأجمل صوت البحر وكأنه لديه حديث كثير، أحيانًا تجدينه سعيد وهادئ وأحيانًا أخرى حزينًا ويثور”. فأجابت:” معكِ حق هكذا أجده مثلما أجد نفسي ما بين هذا وذاك، فتجعلني في حيرة وارتباك”، فقلت وما الذي يجعل نفسكِ تتهاوى وتتأرجح هكذا، وهل دائمًا ترغبين حضرة البحر؟”. 
وبجواب سريع قالت لي:” وأنتِ ما الذي أتى بكِ في هذا الوقت المبكر من الصباح”؟ قلت لها:” أنا تستهويني الكتابة في صباح مفعم بنسائم الندى ولكي أشارك الطبيعة هدوئها، أحبّ زقزقة العصافير في الفجر وهي فوق الأغصان وأحبُّ منظر الشمس وهي تخرج من الأفق وتسترسل بأشعتها فوق مياه البحر لتلونه بالأحمر وتلقي عليه تحية الصباح. أحبُّ الطبيعة بكل ما فيها وخصوصًا جمالها ونقائها وصفائها، وأحبٌّ لون السماء في الأفق”. نظرت إليّ وبدأت تعزف لحنها قائلة:” ذكريات عابرة في الزمان تحمل أجمل نسمات العمر ، وذكريات باقية تفتك بالباقي من سنين العمر، كنتُ منتظرة حلمًا وأتمنى أمنية لكن لا الحلم حضر ولا الأمنية تحققت وما زلت من يومها منتظرة ومتأملة. 
هناك مواقف لا يمحوها النسيان، حاولت مرارًا لكن دون أن أفلح لا سبيل لمحوّ ما طبع في الذاكرة، ما زالت الكلمات تردد نغمها وما زال المطر كلما يهطل على زهرات الزنبق بتناغم أتذكر ما هو مسافر مع الايام بلا رجعة. ما زلت أتأمل الغروب وأعيش الشروق وأرى الحياة وهي تمارس الاعتياد في معظم ما موجود. ما في الأيام يبعثرني وما في نفسي يقلقني والشمس تدفئني ولكن لا تطمئنني”!   
قلتُ لها:” أعجز الناس من عجز عن فهم نفسه، أنكِ تائهة عن ذاتك ولكي تنتصري على ظروفكِ وما يتأجج داخلكِ عليكِ أن تنتصري على نفسك أولا وتلجميها وتبقيها تحت يديك. في داخلك الكثير ولكي تنجزيه عليكِ بالكثير مقابله، أنه التعادل والتوازن وبث الابتهاج في النفس. لا تثوري على نفسك ولا تدعيها هي بالمقابل تثور عليك، كل ما في الحياة مهما كبر أو صغر لديه حل وباب للدخول أو الخروج منه … ما قولك في كلامي؟!
قالت: نعم … إدرك هذا ولكن ما أدراكِ ما يجتاح داخلي ويجعلني ابحث عن أبعد مكان لكي أجلس فيه! أصم أذاني عن صوت البشر، فما يخرج من أفواههم حتى الحجر الذي لا ينطق يتحول إلى تراب ويتبعثر! فما بالك بكائن مثلي لا تقوي ألا على نفسها ويجعلها بدون إرادة تعيش في قوقعة الزمن الغاضب! قد يكون العكس ولكن أنا من أجده الغاضب.
قلت: الإنسان يفعل ويستغرب والحياة تتقبل وتمنح والغيبوبة تلعب دورها، كلٌ يعطي ويأخذ، كما هي الشجرة تستنفذ التربة الراسخة فيها من أجل أن تعطي الأفضل إن وجد.  
أحيانا كثيرة لا ينفع فيها الجلوس وخصوصا أن الأرض تدور دورتها الكاملة كل يوم …. أليس كذلك؟! كثيرين يقولون ويوعدون ولكن لا يفعلون وكثيرين تجدينهم يعيشون اللامبالاة. هل هو الغض أم النسيان أو يكون عدم الاهتمام وإعطاء الأمور والأشياء المهمة أولوياتها؟! هناك أوقات في حياة كل إنسان تجعله يرى ما يحيطه مُملا، أوقات تتملك نفسه وتجعلها تنبش في الذكريات القديمة وتبحث عن اصدقائها في زمنًا لم يعد زمانهم …  
لنتذكر أن الورود إذا تركناها بلا ماء تذبل وتموت، كذلك معظم ما في الحياة إذا تركناه بلا اهتمام فأنه يلغي الكثير من المتحقق في حياة كل فرد.
 
 كل ما في حياتك وما يحيط واقعك في تغيير متواصل سواء كنت السبب فيه أو أتاك على غفلة، لا تستغرب ولا تحزن فالربّ يريد لك أن تتبدل أحوالك، له حكمته ومشيئته في كل الأشياء ولا تحزن لشيء ضاع منك بل حافظ على نفسك حتى لا تضيع منك وهذا هو الأهم.