تجده حريص على الصلاة، كثير الصيام والحج، لكنه لايضحي عن نفسه، وينتظر الأب، أو الأخ الأكبر، أو الإخوة، أو الأم ليضحوا عنه، ولا يكترث لعمله هذا.
إن سألته لماذا لاتضحي عن نفسك وأنت القادر؟. يجيب ببردوة وابتسامة. وهل أنا أضحي، أنا أعزب مسكين، يضحي الأب والمتزوج ومن له المال الكثير.
لابد أن يعي المرء جيدا، أن الأضحية عملية فردية ذاتية، شأنها في ذلك شأن الصلاة والصيام والحج وإن لم تكن من الأركان الخمسة، و تشمل القادر عليها، سواء كان أعزبا، أو متزوجا، أو إمرأة، أو رجل.
ولتوضيح هذه الظاهرة يستحسن الوقوف على بعض العينات التي يعيشها المرء يوميا مع أحبابه وجيرانه وعائلته..
في اللحظة التي أقول فيها لموظف بسيط، هل تضحي هذا العام. يجيب بابتسامة استهزاء وكأنه لم يكن ينتظر وقع السؤال..
وهل الأعزب مثلي يضحي. يضحي الكبار، والمتزوج، أما أنا فلست معنيا لا من قريب ولا من بعيد بالأضحية.
أقول له، هل ذهبت للحج هذا العام وأنا أعرف الإجابة. يجيب بلهفة وشوق، نعم إعتمرت هذا العام. أقول ألست الأعزب غير معني بالحج. يستنهض ويجيب كلا، أنا معني بالحج. أكرر بهدوء، ألست الأعزب غير المعني بالحج. يصمت ولا يتحرك، وينتظر فصل الخطاب.
الصلاة والصيام والحج لاتمعنها الحالة العائلية التي يمر بها الفرد، من عزوبية وزواج وطلاق، وكذلك الأضحية لايحول دونها الحالة الاجتماعية من عزوبية وزواج وطلاق وغيرها من الحالات المعروفة وغير المعروفة.
إن المرأة تدخر لابنتها الذهب لتعده ليوم زفافها، ويستغرق منها ذلك السنوات والأيام، وفي سبيل الحصول على الذهب تضحي بمالها ومدخراتها، وتمنع عن نفسها الأكل والشرب وزينة الحياة الدنيا. لكنها بنفس الجهد والادخار والتضحية من أجل أن تشتري الأضحية، وتتظاهر أنها غير معنية، بحجج ذكرت في الأعلى.
إن المرء يتربى على ثقافة الأضحية منذ الصغر وفي البيت والمدرسة. فيتعلم أن اليد العليا خير من اليد السفلى مهما كانت طبيعتها الاجتماعية ، فيسرع ليكون الأعلى حين يضحي وحين يتصدق على غيره. والبيت الذي يخرج منه أربعة كباش أو خمسة، أفضل بكثير من بيت يخرج منه كبش واحد، ولأن تطعم أهل الحي بخمسة كباش لخمسة أخوة، أفضل بكثير من أن يشترك خمسة أخوة في كبش واحد، فلا يستطيعون إطعام أنفسهم وأهليهم وأبنائهم، فكيف بالأحباب والجيران.
إن الثقافة التي تجعل المرء من رجل وامرأة، يدخر ليشتري مايحتاجه من عتاد ولوازم وعقار، هي نفسها التي من المفروض أن يتحلى بها المرء، ليشتري أضحية العيد عن نفسه، فيدخل الفرح والسرور على الفقراء والمساكين والجيران والأحباب.
الغرض من الأضحية أن يضحي المرء بما يملك من أجل شراء كبش، ويضحي لأجل الناس من أجل إدخال السرور عليهم ليلة العيد بما استطاع من لحم أو كبش.
إن سيدنا إبراهيم عليه السلام، حين إبتلاه ربه بذبح سيدنا اسماعيل عليه السلام، كان صغيرا أعزبا. أفلا يضحي عن نفسه الأعزب القادر، والمتزوج القادر والأخ القادر، والمرأة القادرة.
منذ قليل يجيبني محدثي المتزوج، أنه لايضحي لأن أمه تضحي، فيكتفي بأضحية الأم. أقول له، أيرضيك هذا؟. وكان من المفروض أن تضحي عن نفسك وعن زوجك وأبناءك.
عجبت لمن يدعي الرجولة في كل شيء، والاعتماد على النفس إلا في الأضحية، فإنه يفضل الانسحاب وينتظر صدقة الأب والأخ والأم والإخوة، بحجج وأهمية، وينتظر صدقة من اليمين أو الشمال.
إن الأضحية لاعلاقة لها بالقوامة، أي ليست حكرا على الرجل دون المرأة. والمرأة تضحي إن كانت قادرة. والرجل إن إمتنع عن الأضحية وهو قادر، فإن ذلك مما يخدش الرجولة والقوامة.