قضت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة في البحرين، بسجن 57 متهماً بإحداث أعمال شغب في سجن جو 15 عاماً وألزمتهم بدفع 580 ألف و187 دينار و970 فلساً عن قيمة التلفيات. مع أن جميع المتهمين هم من المعتقلين على ذمة قضايا سياسية، اتهمتهم السلطات لاحقاً بإحداث شغب في سجن جو المركزي في 10 مارس/آذار 2015، وهو اليوم الذي حدثت فيه مواجهات بين قوات الأمن ومعتقلين”
السؤال هنا، ماذا نعني بأعمال الشغب؟ وما هي أسبابه ونتائجه؟ ومدى تأثيره على حقوق الإنسان، وما هو التكييف القانوني لما يحدث في البحرين الآن؟
يُعرف الشَّغَبُ في اللغة بأنه “تهييجُ الشَّرُّ وإثارة الفتن والاضطراب” وأعمال الشَغَب هي أعمال الفوضى والمخالفات التي يقوم بها أشخاص مشاغبون يتعرّضون لحقوق الغير والمصلحة العامّة. وقد عرف فقهاء القانون الشغب بأنه (استخدام أي قدر من القوة أو العنف للإخلال بالأمن العام أو التهديد باستخدامها إذا كان هذا التهديد مصحوبا بإمكانيات التنفيذ الفوري عندما يقع من شخص أو أكثر دون سبب مشروع)، كما عرفه آخر (تظاهر أو تجمهر أو تجمع عدد كبير من الأشخاص يكونون عن طريق الاتفاق مصدرا لإشاعة العنف والفوضى والتخريب والإخلال بالأمن العام)، وأفضل تعريف للشغب من قبل فقهاء القانون هو (احتشاد عدد من الناس سواء في صورة تجمهر أو تظاهر أو إضراب أو اعتصام أو في أي صورة أخرى، وتحت تأثير الانفعال، حيث يختل اتزان صواب الجموع، ويفقدون احترامهم للنظام العام والقانون، فيندفعون إلى ارتكاب أعمال العنف والاعتداء وجرائم التدمير والتخريب).
من البديهي أن جميع الدول في شتى إنحاء العالم تؤمن بمبدأ أن جميع الناس سواسية وقد ولدوا أحرارا، فليس هناك سبيل لامتهانهم وظلمهم وسلب حقوقهم أو مصادرة آرائهم. وهناك العديد من الإعلانات والمواثيق الدولية التـــــي أكدت على حـرية الـرأي والتعبيـر إلى درجة أصبح حق التعبير عن الرأي مرتبطا ارتباطا وثيقا بفكرة الحكم الصـالح والسـلم الأهلي، حيث لا يمكن تصــــــــور وجود حكم صالح في غياب حرية الرأي والتعبير، بل يصـــــعب الدفاع عن أي حق من حقوق الإنســــــان الأخرى إذا غابت حرية الرأي والتعبير.
ومع اعتقاد المجتمع الدولي بهذا المبدأ، ورغم أن كل الدول الديمقراطية تسعى لتوفير سبل العيش الكريم غير أن هذه الدول لا تستطيع من الناحية الواقعية أن تلبي مطالب جميع أفراد الشعب لوجود اختلاف بين مصالح فئات الشعب. فالسياسات والأنظمة التي تسير الأعمال الحكومية قد تقبلها فئات اجتماعية معينة كونها تنسجم مع مصالحها وقد ترفضها فئات أخرى كونها تضر بمصالحها. وبالتالي، ربما تلجأ الفئات المتضررة إلى استعمال طرق ووسائل مختلفة بهدف الضغط على الحكومة لتحقيق مطالبهم الخاصة، مثل اللجوء إلى التظاهر أو الاحتجاج أو التجمهر أو الإضراب أو أي وسيلة أخرى اقرها القانون أو لم يقرها والتي قد تتحول فيما بعد -تحت دوافع وظروف شتى- إلى أعمال تسبب ضررا بالأملاك العامة والخاصة وتقوض الأمن والنظام العام، وتعرف تلك الأعمال الضارة من الناحية القانونية والسياسية بـ”أعمال الشغب” وهي صورة من صور الخروج عن النظام العام.
ولاشك أن أسباب الشغب تختلف وتتفاوت من مجتمع إلى مجتمع أخر، ومن دولة إلى أخرى، ومن أهم الأسباب، هي:
1- العوامل الاقتصادية: غالبا ما يؤدي التخطيط غير السليم وتبني السياسات الاقتصادية الخاطئة وغير المدروسة إلى نتائج سلبية وإضرار وخيمة تنعكس سلبا على المواطن. مثل أزمة الإسكان وارتفاع أسعار بعض السلع الضرورية أو عدم توفر السلع الغذائية الضرورية، وسوء حال المرافق والخدمات العامة أو منح بعض الامتيازات للمناصب الإدارية المعطاة لبعض الفئات مما يولد الإحساس بالظلم وعدم تحقيق العدالة.
ومن الصور التي تعبر عن الآثار السلبية بسبب العوامل الاقتصادية ما يحدث من نزاع دائم بين العمال وأصحاب الأعمال بسبب الأجور أو ساعات العمل أو وسائل الرعاية الصحية والاجتماعية. وتوجد لدى الدول النامية والفقيرة الكثير من المشاكل الاقتصادية التي تؤدي إلى حدوث أعمال الشغب منها شدة الفقر والبطالة وسوء توزيع الدخل والشح في الموارد الاقتصادية.
2- العوامل الاجتماعية: تعتبر العوامل الاجتماعية سببا حيويا للشغب؛ وليس هناك سببا اجتماعا محددا، ولكن ربما تلعب الاختلافات الدينية والمذهبية دورا في إثارة أعمال الشغب والفوضى، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر كما يحصل في جمهورية العراق من صراع ما بين الأديان والمذاهب المختلفة، وخاصة ما بين المذهب السني والشيعي، والذي يتسبب في عمليات قتل وجرح وتهجير عدد كبير من السكان المدنيين من كل الأديان والمذاهب. وكما يحصل في الهند من نزاع طائفي بين المسلمين والهندوس، كما يحصل من اضطرابات عنصرية كتلك التي تنشب بين البيض والملونين في الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب إفريقيا.
3- العوامل السياسية: تعد العوامل السياسية من أهم العوامل التي تؤدي إلى حدوث الاضطراب والتظاهر وأعمال الشغب، فغياب السلطات الشرعية أو إخفاقها في معالجة موقف معين بعدم اتخاذ القرار المناسب وفي الوقت المناسب يؤدي إلى تأجيج مشاعر الجماهير تجاهها، كما أن تردد السلطات وعدم تجاوبها مع مطالب وعواطف الجماهير بشكل مباشر حيال مسائل تهم المجتمع، كل ذلك يؤدي إلى جرح شعور الرأي العام وعدم ثقته بهذه السلطة. وقد تقابل بعض القرارات الحكومية بالرفض وعدم القبول من قبل الرأي العام مما يؤدي إلى خروج الجموع الحاشدة على شكل مسيرات وتظاهرات للتعبير عن عدم الرضا والرفض العلني تلك السياسة أملا في إلغاء القرارات أو تعديلها..
ولا ريب في أن عدم وجود القنوات الشرعة والمؤسسات الفعالة والتي تسمح للإفراد في إبداء الرأي المعارض في حدود النظام والقانون، واحدة من أهم أسباب الخروج عن النظام العام للدولة. فإذا لم تجد الجماهير المعارضة لبعض هذه السياسات هذه القنوات فان ذلك سيدفعها للتعبير عن رأيها بطرق ربما تكون غير مشروعة. وفي العادة يعبر عن رأي المجتمع شريحة منه مثل طلاب الجامعات أو النقابات العمالية أو بعض الأحزاب السياسية المتنافسة والتي قد تستغل أي هفوة أو قرار سياسي خاطئ لإثارة عواطف الجماهير ضد النظام السياسي أو ضد الحكومة.
ما حدث ويحدث في البحرين من تظاهرات واعتصامات واحتجاجات تعود بالأساس إلى وجود مطالب مشروعة لشرائح اجتماعية وسياسية واسعة. حيث تتمثل مطالب المتظاهرين السلميين في إقامة الملكية الدستورية عن طريق صياغة دستور جديد للمملكة يتم بموجبه انتخاب الحكومة من قبل الشعب على غرار الديمقراطيات العريقة بدلا من النظام الحالي الذي ينتخب بموجبه برلمان له سلطات محدودة. وقد طالب المشاركون في المظاهرات بدستور عقدي وبإسقاط دستور 2002 م، الذي أقره العاهل البحريني بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني في فبراير/شباط 2001 م. وكذلك الإفراج عن النشطاء السياسيين الشيعة ورجال الدين الذين احتجزوا منذ أغسطس/آب من عام 2010 م، إضافة إلى حل مجلس النواب المنتخب وإلغاء الصلاحيات التشريعية لمجلس الشورى المعين، وضرورة تداول السلطة التنفيذية بواسطة الانتخابات الحرة، وحرية تشكيل الأحزاب وإطلاق حرية الرأي والتعبير، ووقف التجنيس السياسي.
ولكن ومع سلمية الحراك الشعبي البحريني، إلا أن السلطات البحرينية قررت مواجهة شباب ثورة فبراير 2011، وأمرت بإطلاق النار على المتظاهرين في ميدان اللؤلؤة، وتبع القرار قرارات هي الأعنف في مسار تطور العملية السياسية في البحرين، كالقتل والتعذيب واقتحام المستشفيات ودور العبادة والمعاهدة التعليمية، واستباحة القرى والأرياف واللجوء إلى الفصل التعسفي من العمل والاعتقالات العشوائية بما في ذلك اعتقال النساء. ومع اتساع رقعة الثورة البحرينية استعانت المملكة البحرينية بقوات درع الجزيرة وكان التدخل العسكري المباشر للقوات السعودية مما سبب في المزيد من الانتهاكات والتعديات على المواطنين.
وتأسيسا على ذلك، صدر قراران عن البرلمان الأوروبي ينتقدان بقوة سجل البحرين في حقوق الإنسان، وكذا بيان مشترك بدعم من 47 دولة صدر في سبتمبر/أيلول 2013 في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف. وانضمت كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة –وهما حليفان أساسيان للبحرين– إلى بيان مجلس حقوق الإنسان.
وطبقا لتقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” 2014، فقد تدهور سجل حقوق الإنسان البحريني، ولم تحرز الحكومة تقدماً حقيقياً يُذكر على مسار الإصلاحات التي ادّعت أنها تسعى لتحقيقها. واستمرت قوات الأمن في القبض على العديد من الأشخاص تعسفاً في البلدات التي تشهد بشكل منتظم المظاهرات المعارضة للحكومة. ولم يقم نظام القضاء –الذي يرأسه أفراد من العائلة الحاكمة– بمحاسبة أي من كبار المسؤولين على انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي وقعت منذ عام 2011، بما في ذلك الوفيات رهن الاحتجاز على صلة بالتعذيب. وما زال منتقدو الحكومة وراء القضبان في تهم لا تتعلق سوى بممارستهم حقهم في حرية التعبير وفي التجمع. ويشتكي العديد من المحتجزين من المعاملة السيئة رهن الاحتجاز والتي ترتقي في كثير من الأحيان إلى درجة التعذيب. كما احتجزت السلطات العديد من الأطفال جراء مشاركتهم في احتجاجات معارضة للحكومة خلال عام 2013 وتحتجزهم بشكل منتظم في مراكز احتجاز برفقة بالغين وتستمر السلطات في التضييق على حرية تكوين الجمعيات من خلال الرفض التعسفي لطلبات تسجيل المنظمات المعنية بالحقوق المدنية والسياسية، وبالتدخل في شؤون المنظمات المستقلة.
يوثق تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2015 الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، ويوصي بسلسة من التدابير التي ينبغي على الحكومة القيام بها كونها أقرت غير مرة في الأمم المتحدة والمنابر العالمية الأخرى أنها ملزمة بوضع حد للانتهاكات وعازمة على صون حقوق جميع البحرينيين دون تميز وضمان تحقيق المساءلة لدى وقوع انتهاكات ممثلة. وبغية التصدي للازمة الراهنة على صعيد حقوق الإنسان يتعين من باب الأولوية على السلطات البحرينية القيام بالخطوات التالية:
1- جعل القوانين البحرينية الراهنة أكثر اتساقا مع القانون الدولي ومعاييره وضمان احترامها وتطبيقها عمليا؛
2- والإفراج عن جميع الذين احتجزوا لا لشيء سوى لممارستهم المشروعة للحق في حرية التعبير عن الرأي أو تشكيل الجمعيات أو التجمع السلمي؛
3- والشروع بإجراء إصلاح قانوني كامل وشامل للسلطة القضائية بما يكفل حياديتها واستقلاليتها بشكل كامل وعدم تدخل السلطة التنفيذية فيها؛
4- وضمان إجراء تحقيقات شاملة في جميع قضايا التعذيب وغير ذلك من ضروب سوء المعاملة والوفاء في الحجز والقتل التي ارتكبتها قوات الأمن بما في ذلك إعادة فتح التحقيقات في القضايا التي أغلقت ملفاتها إذا اقتضت الضرورة من اجل التوصل إلى الحقيقة وإقامة العدل وتوفير التعويض الملائم للضحايا وقرباهم.