لم يعد خافيا إن الأتراك كما العراقيون والسوريون والإيرانيون لايرغبون في قيام دولة كردية ستجعل من بلادهم تلك مجموعة كانتونات ضعيفة، ويبدو المنظر العراقي مروعا كما هو في سوريا، ولأوردوغان أن يتخيل قيام كيان في جنوب بلاده يضم ملايين الأكراد مع خروج مدن كبرى عن سيطرة أنقرة، ثم قيام دولة كردية كبرى تهدد وتقسم تلك البلدان التي عملت عبر قرون طويلة على وأد الحلم الكردي. يرغب الأتراك بمنطقة عازلة، ويريدون من داعش أن تواصل المهمة، وهناك رغبة في الحصول على موافقة أمريكية لإنشاء المنطقة العازلة على الحدود التركية السورية والتوغل منها الى العمق السوري، تجئ بعد إصدار قرار من البرلمان بالسماح للجيش بالتوغل في الأراضي العراقية والسورية حماية للأمن القومي ولمواجهة خطر حزب العمال الكردستاني الذي أعلنت واشنطن إلقاء القبض على مجموعة من عناصره حاولوا الدخول الى الأراضي الأمريكية! تركيا تطمح في تقطيع أوصال الحلم الكردي، وفصل أكراد سوريا عن أكراد تركيا، وأكراد العراق عن أكراد تركيا، وأكراد سوريا عن أكراد العراق، وصولا الى المنطقة التي تتولى إيران مهمة عزلها بين أكرادها وأكراد العراق. يبدو إن الأيام القادمة صعبة على شعب كردستان.
يقاتل مسلحو الدولة الإسلامية بشراسة، بينما يجلس الرئيس التركي رجب طيب أوردوغان مسترخيا في مواجهة المندوبين الأمريكيين الذين يحاولون الحصول من أنقرة على تعهدات بدعم الجهد الدولي لمحاربة تنظيم داعش الذي يتمدد رويدا بإتجاهات مختلفة في العراق وسوريا، ويثير الرعب في دول عدة، ويهدد حكومات ومنظومات قومية ومذهبية. لكن لماذا يجلس أوردوغان مسترخيا؟ ولماذا ترك مقاتلو دولة البغدادي جبهات حلب وإدلب ودرعا ودمشق وجرود القلمون ليركزوا على مدينة كردية صغيرة لاتتوفر فيها ثروات النفط، وليست سببا محتملا لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد؟ ويحاولون منذ أسابيع إقتحام تلك المدينة بكل وحشية وقسوة دون أن تحرك تركيا قواتها فعليا لتسمح بمرور مقاتلين أكراد، ويخشى المجتمع الدولي والأمم المتحدة من مجازر وجرائم ضد الإنسانية في حال السيطرة الكاملة شبه المؤكدة التي ينويها داعش، بينما الامريكيون يقولون، إن السيطرة على كوباني لاتشكل عامل قلق ولاتهدد الإستراتيجية الامريكية ضد التنظيم المسلح، وكانهم يغازلون طرفا ما يريد لداع شان تستمر في مسلسل إذلال الأكراد سواء في العراق أو في سوريا حتى لو أظهرت واشنطن تعاطفها معهم، فأكراد العراق ليسوا كأكراد سوريا، هم في العراق حلفاء لواشنطن لكنهم وفي سوريا حلفاء لجهات لاتدعم المشروع الأمريكي في تلك البلاد وهم أعداء لحليف إستراتيجي تعول عليه الولايات المتحدة ليكون جزءا من الجهد الدولي( تركيا).