يقول الأمين العام للأمم المتحدة السابق السيد “كوفي انان”: إن حقوق الإنسان ملك للجميع، ولا يحق لأي حكومة أو دولة أن تمنحها للبعض وتمنعها عن البعض الآخر؛ وحقوق الإنسان ليست أجنبية عن أي بلد ومتأصلة في جميع الثقافات؛ فهي كونية ومدنية وثقافية واقتصادية واجتماعية. ولا يمكن أن تخضع حقوق الإنسان للتراتبية أو تُطبق بطريقة انتقائية؛ فهي مترابطة وغير قابلة للتجزئة.
يمكن تعريف حقوق الإنسان تعريفاً عاماً بأنها تلك الحقوق المتأصلة في طبيعتنا والتي لا يمكن بدونها أن نعيش كبشر. فحقوق الإنسان والحريات الأساسية تتيح لنا أن نطوّر بشكل كامل وأن نستخدم صفاتنا البشرية وذكاءنا ومواهبنا ووعينا، وأن نلبي احتياجاتنا الروحية وغيرها من الاحتياجات.
وتستند هذه الحقوق إلى الطلب المتزايد من جانب البشرية على حياة يُكفَل فيها الاحترام والحماية للكرامة المتأصلة والقيمة الذاتية لكل إنسان. وإنكار حقوق الإنسان والحريات الأساسية ليس فقط مأساة فردية وشخصية بل إنه يخلق أيضاً الأوضاع المسببة للقلاقل الاجتماعية والسياسية ويبذر بذور العنف والنزاع داخل المجتمعات والأمم وفيما بينها.
في هذا الإطار يشكل تعليم حقوق الإنسان واحد من أهم الأنشطة الرامية إلى تعزيز حقوق الإنسان. حيث تؤكد المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، 1948 أن: 1. لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً، وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة.2. يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملا، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بني جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.
فمنذ اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والجمعية العامة تدعو الدول الأعضاء وجميع قطاعات المجتمع إلى نشر هذه الوثيقة الأساسية وتعليم الناس محتواها. كما أن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المعقود في عام 1993 قد أكد من جديد أهمية التعليم والتدريب والإعلام العام. وقامت الجمعية العامة في عام 1994، استجابة للنداء الموجه من المؤتمر العالمي، بإعلان الفترة 1995 إلى 2004 عقد الأمم المتحدة للتثقيف في مجال حقوق الإنسان (تعليم حقوق الإنسان). فقد أكدت الجمعية أن التثقيف في مجال حقوق الإنسان ينبغي أن ينطوي على أكثر من مجرد تقديم المعلومات وأن يكون عملية شاملة تستمر مدى الحياة، بها يتعلم الناس، على جميع مستويات نموهم وفي جميع شرائح المجتمع، احترام كرامة الآخرين ووسائل وطرق كفالة هذا الاحترام في جميع المجتمعات.
وتنص خطة العمل على وضع تعريف لمفهوم تعليم حقوق الإنسان كما اتفق عليه المجتمع الدولي، أي بالاستناد إلى أحكام الصكوك الدولية لحقوق الإنسان ووفقاً لتلك الأحكام، يمكن تعريف تعليم حقوق الإنسان على أنه “الجهود المبذولة في مجالات التدريب والنشر والإعلام الرامية إلى إيجاد ثقافة عالمية لحقوق الإنسان عن طريق نقل المعرفة والمهارات وتشكيل المواقف، والموجّهة نحو:(أ) تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية؛ (ب) التنمية الكاملة لشخصية الإنسان وإحساسه بكرامته؛(ج) النهوض بالتفاهم والتسامح، والمساواة بين الجنسين، والصداقة فيما بين جميع الأمم والشعوب الأصلية والمجموعات العرقية والقومية والإثنية والدينية واللغوية؛ (د) تمكين جميع الأشخاص من أن يشاركوا بصورة فعالة في مجتمع حر؛(هـ) تدعيم أنشطة الأمم المتحدة الرامية إلى صون السلم.
إن تعليم حقوق الإنسان هو في الجوهر مشروع لتمكين الناس من الإلمام بالمعارف الأساسية اللازمة لتحررهم من جميع صور القمع والاضطهاد، وغرس الشعور بالمسؤولية تجاه حقوق الأفراد والمصالح العامة. كما أن ثقافة حقوق الإنسان تشمل مجموعة القيم والبنى الذهنية والسلوكية، والتراث الثقافي والتقاليد والأعراف التي تنسجم مع مبادئ حقوق الإنسان، ووسائل التنشئة التي تنقل هذه الثقافة في البيت والمدرسة والهيئات الوسيطة، ووسائل الإعلام.
وما لا شك فيه أن لتعليم حقوق الإنسان لكل فرد من أفراد المجتمع وإدخالها في ثقافته وتحويلها إلى واقع، مردودًا كبيرًا في تعزيز فهم حقوقه أولاً، واحترامها والحفاظ عليها والشعور بالكرامة والحرية ثانيًا مما يدفعه إلى المشاركة بفعالية في تنمية وطنه ورفاهية مجتمعه وحفظ السلام. وهذا ما أيدته التجربة.
نعم، فلكل شخص الحق في معرفة المعلومات المتعلقة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وطلبها وتلقيِّها، وفي الحصول على التربية والتدريب على حقوق الإنسان.. كما أن الحكومات ملزمة بضمان تمكين مواطنيها من تعلم حقوقهم الإنسانية، وهو أمر يكفله العديد من الصكوك الدولية والإقليمية والوطنية.
علاوة على ذلك، يعد تعليم حقوق الإنسان أمر أساسي للتصدي للأسباب التي تكمن خلف انتهاكات حقوق الإنسان. فمن خلال خلق البيئة المناسبة للتفكير الخلاق، يتم فسح المجال للأشخاص للتعبير عن قيمهم ومواقفهم الخاصة، وبالتالي تغيير سلوكهم الخاص. وهذا من شأنه أن يمنع ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، ويكافح التمييز ويعزز مشاركة الأشخاص في عمليات صنع القرار.
مما تقدم، نرى أن تعليم حقوق الإنسان مع ما نشهده من حالات الفقر والجوع والنزاعات والحروب هو ضرورة لا غنى عنها، وهو على المستوى الاستراتيجي يمكن يحقق جملة من الأهداف أهمها:
1- تنمية الشخصية الإنسانية وازدهارها بأبعادها الوجدانية والفكرية والاجتماعية، وتجذير إحساسها بالكرامة والحرية والمساواة والعدل الاجتماعي والممارسة الديمقراطية.
2- تعزيز وعي الناس ـ نساء ورجالاً ـ بحقوقهم بما يساعد على تمكينهم من تحويل مبادئ حقوق الإنسان إلى حقيقة اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية، ورفع قدرتهم على الدفاع عنها، وصيانتها والنهوض بها على جميع المستويات.
3- توطيد أواصر الصداقة والتضامن بين الشعوب، وتعزيز احترام حقوق الآخرين، وإغناء ثقافة الحوار والتسامح المتبادل ونبذ العنف والإرهاب، وتعزيز اللاعنف ومناهضة التعصب.
وبالتالي، یحتاج تعليم وتعلم حقوق الإنسان إلى أن تأخذ جميع العناصر الاجتماعية الفعالة من مؤسسات حقوق الإنسان الحكومية وغير الحكومية دورها في التركيز على احترام حقوق الإنسان وحمایتها والوفاء بها وإعمالها وممارستها والعمل على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من وسائل الإعلام في نشر ثـقافة حقوق الإنسان بما في ذلك إنشاء منابر وبرامج خاصة، واستخدام التقنيات الحديثة لهذا الغرض، وبواسطة تعزيز أواصر التعاون مع أجهزة الأمم المتحدة المعنية والمعاهد والمراكز الدولية لتعليم حقوق الإنسان.