التصحر Desertation هو مرض من الأمراض المتوحشة التي تصيب الحقل والعقل، فهو تدهور في خصوبة التربة المنتجة، وانخفاض إنتاجيتها المحصولية، ويقول الدكتور عبدالجواد حجاب: “التصحر: هو مصطلح نطلقه على الأراضي الزراعية عندما يصيبها الجفاف، أو يتم تجريف تربتها الخصبة، وتصبح غير قادرة على أي نوع من أنواع الإنتاج، سواء زراعيًّا أو حيوانيًّا، والتصحر الفكري يصيب عقول البشر فيهلكها ويُفْقِدُها القدرة على الإنتاج والإبداع، والتجديد والتطوير، وخاصة إذا أصاب عقول النخبة المثقَّفة، سواء كانت علمية، أو أدبية، أو سياسية، أو إعلامية، وهي النُّخَب التي تُمثِّل قاطرة التقدم لأي مجتمع”.

 

وكتب الكاتب العراقي “واثق الجابري” على موقع “كتابات”: “تصحُّر العقول والحقول وليد الفقر، والأمية، والهجرة، وتدني الاقتصاد، وفقدان أغلب الثروات الزراعية والصناعية؛ فالتصحُّر العقلي  أمات أشجار الوطنية بِوَبَاء “المصلحية”، ولم يدرك ويترجم لغة  التعبير عن المطالب لإحياء شجرة الوطن؛ جرَّاء جفاف العقول، التي لم تبحث عن إيجاد الحلول من الجذور، وتقديم الأولويات، فالبداية إصلاحات العقول، واستصلاح وسقاية الجذور، والعلاج يبدأ من أكثر الجروح خطورة وألَمًا، وإن لم نكافح تصحر العقول، فلن نستطيع أن نزرع ونحيي تلك الحقول”.

 

يحتفل العالم كل عام منذ عام 1994 باليوم العالمي لمكافحة التصحر، في الـ 17 من يونيو، وقد أعلنت وكالة الأمم المتحدة المعنِيَّة بمكافحة التصحر في أبريل 2013، ارتفاع عدد الدول التي أصيبت بالتصحر إلى 168 دولة في العالم، بعدما كانت 110 دولة في تسعينيات القرن العشرين، وأصبح يعاني أعراضه القاتلةَ نحوُ مليار شخص؛ حيث يخسر العالم سنويًّا 120 ألف كيلو متر مربع من الأراضي الخصبة، كانت تُنْتِج نحو 20 مليون طن حبوب.

 

وتُعَدُّ مصر أُولَى دول العالم صحراويًّا، وفي معدلات انتشار التصحر؛ حيث إن 4% فقط من الأراضي زراعية خصبة، أما الباقي 96%، فهي أراضٍ قاحلة، وأراضٍ شديدة القحولة، وفي معدل قياسي عالمي غير مسبوق في التصحر، باتت مصر تفقد كل ساعة 3.5 فدان من أراضيها الزراعية الخصبة بالدلتا؛ نتيجة البناء والزحف العمراني.

 

يكبد التصحر الدول المصابة به سنويًّا نحو 64 مليار دولار، وتبلغ خسائر مصر من التصحر سنويًّا 12 مليار جنيه، طبقًا لتصريح الدكتور عادل عامر – رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية.

 

وأهم مخاطر التصحر على التربة، أو أهم ما يميز التربة المتصحرة:

1-    تمليح الأراضي المروية: ترتفع بها نسبة الملوحة.

2-     زحف الرمال: تتفكك الطبقة السطحية، وتصبح أكثر عرضة للانجراف بالرياح والماء.

3-     انخفاض خصوبة التربة: ينخفض إنتاج الغذاء.

4-     الرعي الجائر: ينخفض إنتاج الأعلاف.

5-     تدمير الغابات.

6-     تفقد التربة قدرتها على الاحتفاظ بالماء.

 

وكما أن هناك تجريفًا للأراضي الزراعية، فهناك أيضًا عملية تجريف ممنهجة للعقول البشرية، وبما أن النخب المثقفة هي التي تقود أي مجتمع؛ لذا نعرِض لأهم أعراض ومظاهر مرض تجريف العقول، وتصحر الفكر عند تلك النخَب (النخب الثقافية والعلمية والسياسية والإعلامية) كنموذج لحال باقي أفراد المجتمع:

1-     فقْد القدرة على الإبداع والابتكار.

2-     تيبُّس الأدمغة، والبقاء في خندق الماضي الفاسد والظالم.

3-     هجرة الخبرات والكفاءات والعقول إلى خارج الأوطان، ولا توجد وسيلة الآن لإعادتها.

4-     توفُّر خبرات هائلة في ثقافة التهميش، والإقصاء، والعزل، والملاحقات الأمنية والاستبعاد.

5-     انعدام قيم الانتماء والولاء والحب للوطن.

6-     الانشغال بالبحث عما يملأ الجيوب والبطون.

 

وعليه؛ إذا أردنا ملء البطون والعقول بما هو مفيد وصالح، فلا بد من القضاء على التصحر والتجريف للتربة والفكر.